ينسى المؤلفون هنا أنهم قد زوجوا يسوع من المجدلية في مطلع حياته التبشيرية واعتبروا أن عرس قانا الجليل كان عرس يسوع نفسه. ووفق تحقيب إنجيل يوحنا لأحداث الإنجيل، فقد صلب يسوع بعد عامين من ظهوره العلني الذي أعقب عرس قانا مباشرة. وعليه فإذا كان له ولد من المجدلية فإن عمره عند وفاة يسوع لم يكن يتجاوز العام. (9) المجدلية وسبط بنيامين
يقول المؤلفون: لقد كانت المجدلية من طبقة أرستقراطية على ما بينا سابقا، أما عن انتمائها العشائري فلا يوجد في كتاب العهد الجديد إشارة إليه. على أن الموروثات اللاحقة تقول إنها كانت من نسب ملكي، والبعض قال بأنها تنتمي إلى سبط بنيامين. وهذا ما أعطى يسوع سببا وجيها للزواج منها، وكان هذا السبب سياسيا بالدرجة الأولى. فالمدينة المقدسة أورشليم كانت في الأصل ملكا لسبط بنيامين، وفق التوزيع الأصلي الذي قام به يشوع بن نون لأرض كنعان المكتسبة حربا على الأسباط الاثني عشر. ومن سبط بنيامين هذا خرج أول ملك وحد الإسرائيليين في دولة واحدة بسطت سلطتها المركزية على كامل أراضي إسرائيل، وهو الملك شاؤل الذي مسحه النبي صموئيل ملكا بأمر من الرب. ولكن داود الذي ينتمي إلى سبط يهوذا انتزع الملك من شاؤل وحرم البنيامينيين من حقهم الشرعي بالحكم، وبعد أن جعل عاصمته في أورشليم حرمهم أيضا من ميراثهم الشرعي.
وقد كان يسوع وفق نص الإنجيل من عشيرة داود وبالتالي من سبط يهوذا، وهذا ما يجعله مغتصبا في عين البنيامينيين للملك الذي يطالب به. من هنا فإن زواجا سياسيا من امرأة بنيامينية سوف يعطيه حقا شرعيا في الحكم ويخفف من معارضة البنيامينين المتوقعة له، ويعيد أورشليم إلى أصحابها الأصليين. وهذا ما حصل.
الرد
لقد كان التوزيع الذي قام به يشوع بن نون توزيعا عن الورق فقط؛ فقد كان على كل سبط أن يحارب من أجل امتلاك حصته من الأرض الموزعة. وهذا ما نفهمه من سفر القضاة 2: 6 حيث نقرأ : «وصرف يشوع الشعب؛ فذهب بنو إسرائيل كل واحد إلى ملكه لأجل امتلاك الأرض.» ولقد كانت أورشليم من ضمن حصة بنيامين، ولكن البنيامينيين لم يمتلكوها قط (راجع سفر القضاة، 1: 21). وعندما أسس شاؤل البنياميني المملكة الموحدة لكل إسرائيل لم تكن عاصمته في أورشليم وإنما في مدينة جبعة (راجع صموئيل الأول: 1/ 26، و11 /4، و15/ 34، و6 /22). أما عن قول المؤلفين بأن داود قد انتزع الملك من شاؤل فغير صحيح؛ لأن شاؤل قد قتل مع أولاده السبعة في آخر معركة له مع الفلسطينيين (صموئيل الأول: 31)، فجاء بنو يهوذا إلى حبرون مقر إقامة داود ومسحوه ملكا عليهم (صموئيل الثاني، 2: 1-4). وبعد نزاع طويل على السلطة بين قبيلة يهوذا والقبائل العشر الشمالية، جاء جميع شيوخ إسرائيل إلى الملك في حبرون ومسحوا داود ملكا على إسرائيل (صموئيل الثاني، 5: 1-2). وفي ذلك الوقت لم تكن أورشليم ملكا لبنيامين وإنما لسكانها اليبوسيين الكنعانيين، فأقام داود سبع سنين في حبرون وجعلها عاصمة له، وبعد ذلك شن حربا على اليبوسيين وحاصر أورشليم ثم فتحها وجعل منها عاصمته الجديدة (صموئيل الثاني، 5: 1-10). وبعد ذلك بقيت سلالة الملك داود تحكم في أورشليم حتى دمارها على يد نبوخذ نصر الكلداني عام 587ق.م. أي طيلة ما يزيد عن أربعمائة سنة، دون أن يعترض أحد على شرعية ملوكها، ولم يضطر واحد من هؤلاء الملوك إلى الزواج من امرأة بنيامينية لدعم حقه الشرعي في الحكم. ولا أدل على العلاقات الطيبة التي جمعت سبط يهوذا مع جاره سبط بنيامين، من أن سبط بنيامين كان السبط الوحيد الذي بقي مع يهوذا بعد انقسام المملكة عقب وفاة الملك سليمان، إلى مملكة إسرائيل في الشمال التي تبعها الأسباط العشرة، ومملكة يهوذا في الجنوب التي تبعها سبط يهوذا وكذلك سبط بنيامين. وبقيت الأمور على هذه الحال حتى دمار مملكة إسرائيل عام 721ق.م. ثم دمار مملكة يهوذا عام 587ق.م.
بهذه الطريقة البعيدة مناهج البحث في كتاب العهد الجديد، حاول المؤلفون إقناعنا بأن يسوع كان متزوجا من مريم المجدلية، وأنه نجا من الصلب بمؤامرة مدبرة، وأرسل بالمجدلية مع أولادها إلى شواطئ فرنسا حاملة الدم الملكي اليهودي إلى أوروبا؛ حيث تأسست هناك ممالك يحكمها ملوك ينتمون إلى قبيلة يهوذا وقبيلة بنيامين، وإلى ملك اليهود الذي لم يقيض له أن يحكم.
معمودية يسوع
(1) يوحنا المعمدان وتاريخ طقس المعمودية
المعمودية، وهي طقس ديني يتضمن غمر الجسد بشكل كامل في الماء، ممارسة موغلة في القدم. ففي الثقافة السومرية (الألف الثالث قبل الميلاد) كان إله الماء يدعى إيا، أي إله بيت الماء، وكان معبده العلوي الذي يقيم فيه بين الناس نظيرا لمسكنه السفلي في الأعماق المائية العذبة، ويدعى بيت الطهارة؛ حيث كانت تجري طقوس الاغتسال بالماء.
1
Shafi da ba'a sani ba