والروابط هي أيضا اصناف. منها الحرف الذي يقرن بألفاظ كثيرة فيدل على أن معاني تلك الألفاظ قد حكم على كل واحد منها بشيء يخصه، مثل قولنا إما مكسورة الألف مشددة الميم. ومنها ما يقرن بالشيء الذي لم يوثق بعد بوجوده فيدل على أن شيئا ما تاليا له يلزمه، مثل قولنا إن كان وكلما كان ومتى كان وإذا كان وما أشبه ذلك. وهذه الرباطات تضمن الثاني بالأول متى وجد الأول، فيسمى لذلك الرباط المضمن، من قبل أنه يدل على أن الأول قد تضمن لحاق الثاني به، مثل قولنا إن دخل زيد خرج عمرو، ومثل إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، فإن طلوع الشمس قد تضمن لحوق وجود النهار. غير أن طلوع الشمس لم يوثق بعد بكونه. فلذلك تسمى هذه الحروف المضمنات بشريطة، وربما سميت شرائط. ومن الحروف المضمنة ما إنما يقرن أبدا بالشيء الذي قد وثق بوجوده أو بصحته فيدل على أن تاليا ما لازم له، مثل لما وإذ. مثال ذلك قولنا لما طلعت الشمس كان النهار ولما جاء الصيف اشتد الحر ولما كانت الشمس مقاطرة للقمر انكسف القمر، فإن هذا الحرف دل على أن الأول متضمن لحاق الثاني به بعد أن وثق بوجود الأول. فلذلك يسمى هذا الحرف المضمن جزما. ومنها الحرف الذي يقرن بألفاظ فيدل على أن كل واحد منها قد تضمن مباعدة الآخر، مثل قولنا أما، فإن هذا يدل على أن الأشياء التي قرن بها هذه قد تضمنت تباعد بعض عن بعض بوجه ما، فلذلك يسمى الرباط الدال على الانفصال عن التالي له. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه خارج عن حكم سابق في شيء قدم في القول فظن أنه يلحق هذا الثاني، مثل قولنا لكن - المشددة والمخففة جميعا - وإلا أن. فهذه تستعمل أبدا في الدلالة على أن الشيء المقرون به خارج عن حكم سابق على أمر قدم في القول. وذلك مثل قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود لكن الشمس طالعة أو إلا أن الشمس طالعة. فإن قولنا إن كانت الشمس طالعة دال على أن طلوع الشمس لم يوثق بعد به، وقولنا لكن أخرجه عن الحكم الذي كان سبق فيه أولا وظن أن ذلك الحكم باق عليه في أي مرتبة وضع فيها من أجزاء القول. فلما قرن به بعد ذلك قولنا لكن أو إلا أن دل على أن الحكم السابق عليه ليس هو جاريا عليه دائما لكن حين كرر كرر وقد وثق بوجوده. وهذه تسمى حروف الاستثناء. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه غاية لشيء سبقه، مثل قولنا كي واللام التي تقوم مقامه. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه سبب لشيء سبقه في اللفظ أو لشيء يتلوه، مثل قولنا لأن ومن أجل ومن قبل. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أن ذلك الشيء لازم عن شيء آخر موثوق به وقد سبقه، مثل قولنا فإذن وما قام مقامه.
وهذه هي أصناف الألفاظ المفردة، وقد عد من كل صنف مقدار الكفاية فيما نحن بسبيله.
3 - الألفاظ المركبة
9 - الأقاويل
والألفاظ المركبة إنما تتركب عن هذه الأصناف - أعني عن الأسماء والكلم والحروف وجميع الألفاظ المتركبة عن هذه تسمى الأقاويل، ولذلك تسمى هذه أجزاء الأقاويل. والألفاظ المفردة قد يتركب بعضها مع بعض أصنافا من التركيب كثيرة. وليست بنا حاجة حيننا إلى ذكر جميع أصناف تركيبها، لكنا إنما نحتاج منها إلى صنف واحد من أصناف التركيب. وهو أن الاسمين قد يتركبان تركيبا يصبر به أحدهما صفة والآخر موصوفا. وذلك مثل قولنا زيد ذاهب وعمرو منطلق، فإن هذين تركبا تركيبا صار به أحدهما صفة والآخر موصوفا، فزيد هو الموصوف وذاهب صفة. واللفظ المركب هذا التركيب هو كل ما يليق أن يقرن به حرف إن المشددة فيكون القول تاما مفهوما، مثل قولنا إن زيدا ذاهب وإن الإنسان حيوان وإن حيوانا ما فرس. والصفة من هذين كل ما صلح أن يقرن به قولنا هو، مثل زيد هو ذاهب، فإن كل ما جاز أن يردف بعد حرف هو وتقدم قبله حرف هو فهو صفة، مثل قولنا الفرس هو حيوان وزيد هو إنسان. وبعض الناس يسمون الموصوف المسند إليه ويسمون الصفة مسندا، وربما سموا الصفة الخير والمخبر به والموصوف المخبر عنه. فقولنا زيد هو موصوف ومسند إليه ومخبر عنه، وذاهب هو صفة وخبر ومخبر به ومسند. وقد يتركب هذا التركيب من اسم وكلمة، مثل قولنا زيد يمشي. وكل واحد من هذه الأقاويل هو متركب عن لفظين هما جزءاه أحدهما صفة والآخر موصوف.
Shafi 5