45 -
وهذا النحو الثالث قد يمكن أن يركب فيه الإبدالات، بمنزلة ما لو اتفق أن عسر تخيل أمر ما فأخذنا كلي ذلك الشيء بدل الشيء ثم أبدلنا مكان الكلي اسمه فقام اسم الكلي مقام الكلي وقد كنا أقمنا الكلي مقام المر المقصود، فيصير اسم كلي الأمر مأخوذا بدل الأمر. وهذا النحو خاصة استعمله أرسطاطاليس في مواضع يسيرة. وكذلك إبدال الإسم الخاص بالشيء بدل الشيء، فإنه استعمله في مواضع عدة. وأما إبدال عرض الشيء بدل الشيء، فإن أرسطاطاليس يتجنب في الفلسفة هذا النحو من التعليم كل التجنب. وكذلك إبدال شبيه الشيء بدل الشيء، فإنه يتجنبه إلا في أشياء يسيرة. وقد يمكن أن تركب هذه الإبدالات أصنافا من التركيب، مثل أن يبدل عرض الشيء بدل الشيء ثم يبدل ذلك العرض بشبيهه، وهذا من أردأ ما يكون من أنحاء التعليم.
46 -
وأردأ ما يكون ذلك كله ما ركب تركيبا أزيد كثيرا. مثال ذلك أن يبدل كلي الشيء بدل الشيء ويبدل الكلي بخاصته والخاصة بعرض فيها، ثم يؤخذ شبيه ذلك العرض بدل العرض ويقام اسم ذلك الشبيه بدل الشبيه، فيبعد السامع والمتعلم عنا لشيء المقصود غاية البعد. وهذا النحو من الإبدال استعمله كثير من آل فيثاغورس ومن تقدم أفلاطن واستعمله من أصحاب العلم الطبيعي أنبادقلس. ومن هذا النحو الكلام الذي ذكر في كتاب أفلاطن المعروف بطماوس من أن الباري أخذ خطا مستقيما فشقه فحناه من الاستقامة إلى الإستدارة - وشقه في الطول بدائرتين - ثم قسم إحدى الدائرتين سبع دوائر، فلذلك صارت السماء تتحرك دورا. فهذا هو أردأ ما يمكن أن يكون من أنحاء التعليم. وأرسطاطاليس قد صرح بترذيل هذا النحو من التعليم فقال هذا القول: فأما عنايتهم إنما كانت في في إفهام أنفسهم فقط ولم تكن عنايتهم في إفهامنا بل توانوا عن ذلك. ومعلوم أنهم قالوا هذه الأشياء وهي عندهم معروفة، إلا أن ما وضعوا من ذلك بهذا القول فهو خارج عن عقولنا. وكذلك ليس يجب أن نفحص عن أقاويل الذين فلسفتهم شبيهة بالزخارف. وبهذه السبيل تلتئم الأقاويل التي تسمى الرموز والألغاز. وعسى ألا تكون هذه مرذولة إلا في أنحاء التعاليم الفلسفية فقط. فأما في الخطابة وفي الأقاويل المستعملة في الأمور السياسية، فعسى ألا يكون الواجب غيرها.
47 -
وأما استعمال مقابل الشيء فإنه نافع في الفهم، من قبل أن الشيء إذا رتب مع مقابله فهم أسرع وأجود، وكذلك قد يذكر الشيء مقابله. فلذلك قد يمكن أن يؤخذ مقابل الأمر علامة للأمر فيصير معينا على فهم الشيء وعلى حفظه.
48 -
وأما النحو الذي بطريق القسمة
فإنما يستعمل متى عسر تخيل الشيء بسبب أمر عم ذلك الشيء وغيره، فسبق إلى الذهن فهم الشيء العام له ولغيره، فظن لذلك الشيء أن الشيء المقصود هو المشارك له في ذلك الأمر العام. فنستعمل عند ذلك طريق القسمة، فيقسم ذلك الأمر العام بأشياء يخص كل واحد منها من تلك الفصول واحدا من التي اشتركت في العموم، فيتخلص عند ذلك في فهم السامع الشيء المقصود. وقد يدخل في نحو القسمة تعديد المعاني التي يدل عليها اسم واحد، فإنه متى اشتركت معان كثيرة باسم واحد فقصد إلى تخيل أحدها أمكن أن يأخذ السامع بدل المفهوم شيئا آخر مما يمكن أن يفهم عن الإسم. فلذلك يجب في كل ما أمكن أن يعسر فهمه لهذا السبب أن يعدد جميع المعاني التي اشتركت في ذلك الاسم حتى يراها السامع متميزة في ذهنه ثم يتخلص له منها المعنى المقصود. ونحو القسمة قد ينتفع به في تسهيل الحفظ. فإن القسمة توقع الشيء تحت العدد، فيسهل حفظ الأشياء ذوات العدد. وأيضا فإن القسمة تضع المتقابلات بعضها بحذاء بعض، فيسهل لذلك فهم كل واحد من المتقابلات وحفظه.
Shafi 20