38 -
ومتى أخذنا أنواعا أخيرة قوامها من فصول متقابلة، وأقمنا بجموع أجناسها وفصولها مقام أساميها، ثم أسقطنا فصولها وأخذنا أجناسها وحدها، فإن هذا الفعل يسمى التركيب. والأنواع المأخوذة أولا هي التي منها كان وقع التركيب، والحادث بالتركيب هو الجنس المأخوذ مفردا. مثال ذلك الإنسان والفرس هما نوعان أخيران، فإذا أقمنا الحيوان الناطق بدل الإنسان والحيوان الصهال يدل الفرس، ثم أسقطنا منهما الناطق والصهال وأخذنا الحيوان وحده، فهذا الفعل هو تركيب والإنسان والفرس اللذان منهما كان التركيب، والحادث عن تركيبهما هو الحيوان. وكذلك قد يمكننا أن نأخذ الحيوان وقسيمه فنركبهما، فيحدث منهما الجنس الذي فوقهما. مثال لك أنا نأخذ بدل الحيوان المغتذي الحساس، وبدل النبات المغتذي اللاحساس، وتسقط منهما المتقابلين، فيحدث المغتذي وهو جنس الحيوان والنبات. وعلى هذا المثال قد يمكننا أن نتمادى في التركيب إلى أن ننتهي إلى الجنس العالي.
39 -
وظاهر أنا بالقسمة ننحدر
من الجنس العالي إلى الأنواع الأخيرة
وبالتركيب نترقى من الأنواع الأخيرة إلى الجنس العالي. وأيضا فإن القسمة تفضي بنا إلى أشياء أكثر عددا من المقسومة، والتركيب يفضي بنا إلى أشياء أقل عددا من الأشياء التي عنها كان التركيب. والمقسومة قد تكون نوعا أخيرا، غير أن الذي يقسم النوع الأخير هي كلها أعراض. مثال ذلك الإنسان إما كاتب وإما لا كاتب. والجنس قد يمكن أيضا أن يقسم بالأعراض. مثال ذلك الحيوان إما أبيض وإما لا أبيض. وقد يمكن أن يقسم الجنس بالخواص التي توجد لأنواعه. مثال ذلك الحيوان إما ضحاك وإما لا ضحاك. وكذلك الخواص والأعراض قد يمكن أن تقسم بكل ما أمكن أن يحمل عليها بوجه ما حملا غير مطلق. مثال ذلك الضحاك إما مهندس وإما غير مهندس. وكذلك العرض. مثال ذلك قولنا الأبيض إما كاتب وإما لا كاتب. وكذلك العرض قد يمكن أن يقسم بأجناس الأنواع التي توجد لها الأعراض متى كان أعم من تلك الأنواع ومن أجناسها، وبتلك الأنواع بأعيانها. مثال ذلك الأبيض إما حيوان وإما لا حيوان، والبيض إما إنسان وإما لا إنسان. ومتى قسم الجنس بأعراض أنواعه كانت تلك القسمة قسمة بفصول غير ذاتية، إذ كانت الأعراض قد تسمى أيضا فصولا. فلذلك قد يقال فيها أنها قسمة الجنس بفصول عرضية . وهذه القسمة ليست تحدث أنواعا للجنس المقسوم.
8 -
40 -
والتعليم قد يكون بسماع وقد يكون باحتذاء
والذي بسماع هو الذي يستعمل المعلم فيه القول، وهذا يسميه أرسطاطاليس التعليم المسموع. والذي يكون باحتذاء هو الذي يلتئم بأن يرى المتعلم المعلم بحال ما في فعل أو غيره، فيتشبه به في ذلك الشيء أو يفعل مثل فعله، فيحصل للمتعلم القوة على ذلك الشيء أو الفعل. والأمور التي يلتئم تعليمها بقول، فإن منها ما قد يمكن أن يكون باحتذاء، ومنها ما شأنه أن يكون بالقول فقط لا غير. وكل شيء شأنه أن يتعلم بقول، فإنه يلزم ضرورة أن يكون للمتعلم في ذلك الشيء أحوال ثلاثة. أحدها أن يتصور ذلك الشيء ويفهم معنى ما سمعه من المعلم، وهو المعنى الذي قصده المعلم بالقول. والثاني أن يقع له التصديق بوجود ما تصوره أو فهمه عن لفظ المعلم. والثالث حفظ ما قد تصوره ووقع له التصديق به. وهذه الثلاثة هي التي لا بد منها في كل شيء يتعلم بقول. والمعلم فإنما ينبغي أن ينحو أبدا نحو أن يحصل للمتعلم هذه الثلاثة بالجهات التي يكون تحصيلها أسهل إمكانا، وأن يكون الذي يحصل على أجود ما يمكن أن يحصل. وجهات التعليم التي تستعمل في تحصيل هذه الثلاثة تسمى أنحاء التعليم. وأنحاء التعليم تختلف بحسب اختلاف الأمور التي تستعمل في التعليم وبحسب اختلاف جهات استعمال كثير من تلك الأمور عند التعليم.
Shafi 18