Daren Dubu da Daya
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Nau'ikan
أما مارك توين (1835-1910م)، فإن اهتماماته بالأدب الشعبي الأمريكي، قادته بالضرورة إلى حكايات ألف ليلة وليلة. وكان توين يمزج في كتبه بين كل شيء وبين النغمة الساخرة من كل شيء؛ وها هو أشهر شخصياته «هاكلبري فن» يقول في الرواية التي تحمل نفس الاسم مخاطبا صديقه العبد جيم: «كان عليك أن ترى المعلم هنري الثامن في أوج ازدهاره. كان مزدهرا؛ فقد كان يقترن بزوجة جديدة كل يوم، ثم يقطع رأسها في صباح اليوم التالي. وكان يقوم بذلك على نحو طبيعي كأنما هو يطلب بيضا لإفطاره. يقول «هاتوا لي نل جوين.» فيحضرونها له. وفي الصباح التالي: «اقصفوا رقبتها»، فيقصفون رقبتها. ويقول: «أحضروا جين شاير.» وها هي أمامه. وفي الصباح التالي «اقصفوا رقبتها.» فيقصفون رقبتها. «هاتوا روزامون الحسناء.» وتجيب روزامون الحسناء النداء. «اقصفوا رقبتها.» وكان يجعل كل واحدة منهن تقص عليه حكاية كل ليلة؛ واستمر على هذا المنوال حتى أتم ألف حكاية وحكاية، ثم جمع كل تلك الحكايات في كتاب وأسماه «كتاب يوم القيامة»، وقد كان عنوانا مناسبا يصف الحالة.»
وكيما نعرف قدر رواية هاكلبري فن، يكفي أن نقتبس ما قاله عنها إرنست همنجواي: «كل الأدب الحديث يأتي من كتاب واحد لمارك توين. إنه أفضل كتبنا قاطبة. كل الكتابات الأمريكية تنبع منه. لم يكن هناك شيء قبله. لم يأت بعد شيء مثله.»
أما شاعر الشعب الأمريكي، والت ويتمان، فقد تعرض للكتاب منذ حداثته. فحين كان في الحادية عشرة من عمره، ترك المدرسة والتحق بالعمل كاتبا في مكتب محاماة جيمس كلارك وابنه إدوارد في نيويورك. وهو يذكر تلك الفترة من حياته بعرفان قائلا: «كان إدوارد يساعدني في تحسين خطي وفي كتابة العرائض، ثم قام بالحدث الأعظم في حياتي حتى تلك اللحظة، فقد اشترك لي في إحدى المكتبات المتنقلة. وبعدها استمتعت بقراءة الرومانسات من كل نوع - بدءا من «الليالي العربية» كل مجلداتها، وهي عمل مدهش. وبعدها، قصص من كل نوع، فطالعت روايات والتر سكوت واحدة بعد أخرى، وقصائده الشعرية.» أما الإشارات العربية والإسلامية في شعر ويتمان وكتاباته فهي جديرة ببحث طويل مستقل.
ومن الأدباء الأمريكيين البارزين الذين تأثروا بالكتاب العربي الروائي المشهور «هرمان ملفيل» (1819-1891م). وقد أعدت الباحثة «دوروثي فنكلستاين» رسالة جامعية عن الآثار الشرقية في أعمال ملفيل، بينت فيها بوضوح أثر ألف ليلة وليله فيها. وقد استبان ذلك الأثر منذ أول أعمال ملفيل المنشورة، وهو كتاب مقالات عنوانه «شذرات من مكتبي» صدر عام 1839م. ومن المرجح أن الكاتب قد قرأ ألف ليلة وليلة لأول مرة في صباه في مكتبة ولاية نيويورك، في ترجمة جوناثان سكوت ذات الستة مجلدات، التي نشرت في أمريكا عام 1826م.
وقد اشتهر ملفيل بكتبه ورواياته التي تدور في البحار الجنوبية في آسيا وغيرها من المناطق القصية، كما يظهر في كتابيه «تايبي» و«أومو». بيد أنه في روايته «ماردي»
MARDI ، الصادرة عام 1849م، يعالج موضوعا عربيا يعيد إلى الأذهان أجواء ألف ليلة وليلة. وهو قد كتب الرواية كي ينقل «معاني خفية» في صورة رومانسة أليجورية، استمد وحيها من استكشاف متجدد خاص به لحكايات ألف ليلة. ففي الرواية نجد أسماء ذات نكهة عربية أسطورية: ييلا، تاجي، يومي، بابالانجا، عليمه. ويذكر النقاد أنه حتى اسم ماردي يقصد به الكلمة العربية «أرضي» وعليه كان يجب ترجمة اسم الرواية إلى «مارضي»؛ وييلا تعيش في أرض تسمى
ARDAIR ، مما قد يعني أرض الهواء.
ويبدو من طريقة رسم تلك الأسماء بالإنجليزية، أنه استمد الطريقة من ترجمة إدوارد لين لألف ليلة وليلة، حين رسم الأسماء بطريقة معينة خاصة به. فمثلا، كان قارئ الإنجليزية متعودا أن يقرأ المقابل الإنجليزي لكلمات مثل وزير - سلطان - القاهرة - دمشق، على النحو التالي:
VIZIER - SULTAN - CAIRO - DAMASCUS ؛ بيد أن «لين» كتبها على النحو التالي:
WEZEER - SOOLTAUN - MASR - EL SHAM ، وهو ما لم يتقبله القراء بسهولة، فأعادها الناشرون إلى الطريقة المعروفة بعد ذلك. ويبدو أن ملفيل كان يستخدم الطبعة الأولى من ترجمة لين بطريقته الفريدة في رسم الكلمات العربية . وقد واكب تأليفه لرواية «ماردي» ظهور مقالات عدة عن ألف ليلة وليلة في مجلة «عالم الأدب» خلال الفترة من فبراير إلى مايو 1848م، مما أسهم في تشكيل أفكار ملفيل في تلك المدة.
Shafi da ba'a sani ba