Daren Dubu da Daya
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Nau'ikan
وتزخر فنجانز ويك بإشارات وتمثلات عديدة أخرى من ألف ليلة وليلة، بيد أن «لعب» جويس بالكلمات، وتغييره فيها ونحته لكلمات مركبة وكلمات لا وجود لها، يجعل من الصعب تقديم فكرة باللغة العربية لتلك التوازيات على نحو واضح. ولا شك أن أي ترجمة مرتقبة لفنجانز ويك إلى العربية ستكون من مفاخر الترجمة، بما يضارع كلا من عمل جويس وألف ليلة وليلة.
وحين نرتد إلى رواية جويس الأساسية «عوليس» نجدها تمتلئ هي الأخرى بإشارات ألف ليلة وحكاياتها وشخصياتها. فبطلاها «المستر بلوم» و«ستيفن ديدالوس» يطوفان بمدينة دبلن كطواف هارون الرشيد في بغداد. وتتردد في أفكار بلوم وتهويماته الفانتازية صور الشرق، كما في فصل «كاليبسو»: «مكان ما في الشرق ... أتجول في طرق مسقوفة. وجوه معممة تمر بي. مغارات مظلمة فيها محلات السجاد، رجل ضخم، توركو المرعب، يجلس عاقدا ساقيه، يدخن نرجيلة ملفوفة الخرطوم ... أطوف هنا وهناك طوال اليوم. قد أصادف لصا أو اثنين ... سماء الليل، قمر، بنفسجي، لون رباط جورب «موللي» الجديد. شرائط. اسمع. فتاة تعزف على إحدى تلك الآلات التي ما اسمها: القانون.» وهو مغرم بكل ما هو شرق أوسطي، مما يسهل دخول زوجته موللي - المولودة في جبل طارق العربي الأصل - إلى خيالاته.
وصورة عوليس بطل الملحمة اليونانية الأوديسة، إذ اتخذ جويس الهيكل الهومري نموذجا علويا لروايته، تمتزج - بالضرورة - بصورة السندباد البحري، فهناك أوجه شبه عديدة بين الاثنين وما يصادفانه في ترحالهما، ولهذا يتردد ذكر السندباد كثيرا أيضا في رواية جويس. ونمثل على ذلك بهذه الفقرة التي وردت في أواخر الرواية، بعد إياب الرحالة إلى منزله في دبلن، التي عالجها جويس بأسلوبه المعهود في تشكيل اللغة والألفاظ على نحو تركيبي خيالي. والفقرة من ترجمة الدكتور لويس عوض: «مع رفاقه. ومن رفاقه؟»
السندباد البحري. السندباد البحار والصندباد الصياد والخندباد الخياط والبندباد النجار والحندباد الحداد والفندباد الفلاح والبندباد البناء والهندباد الهجاء والرندباد الرقاص والكندباد الكشاف والدندباد الدساس والطندباد الطحان والزندباد الزمار والسجندباد السجان والغنغباد الفثفاث.» «متى كان ذلك؟» «حين مضى إلى الفراش المظلم فوجد مربعا حول بيضة الفرخ، فرخ الرخ، رخ السندباد البحري في ليلة الفراش، فراش كل فرخ، فرخ كل رخ، رخ مظلمباد النوار.»
أما عملاق الأدب الأيرلندي الثاني فهو وليام بتلر ييتس (1865-1939م)، صاحب جائزة نوبل للآداب لعام 1923م. وإنتاج ييتس غزير متنوع، وله تجارب عميقة في الصوفية والأدب التلقائي، توجت بكتابه الصوفي العميق «رؤيا». وكالعادة، عرف ييتس ألف ليلة وليلة منذ طفولته، وقد وجدت في مكتبته نسخة من كتاب «خمس قصص محببة من الليالي العربية في كلمات مبسطة»، الصادر عام 1871م، وعليها إهداء من والده إليه. وقال عن قصص ألف ليلة بعد ذلك في رسائله: «إن تقاليدنا لا تسمح لنا إلا بالبركة، فالفنون هي امتداد لصور الغبطة والسعادة. طوبى لصور الموت البطولي (شكسبير)، طوبى للحياة البطولية (سرفانتس)، طوبى للحكيم (بلزاك). وإلى ذلك كله، هناك سبب أكثر إقناعا كيلا نسمح بأساليب الدعاية في حياتنا. إني سوف أكتبها بأسلوب «الليالي العربية» التي أقرأ فيها كل يوم. هناك ثلاثة أشخاص في غاية الأهمية: (1) رجل يعزف على الناي (2) رجل ينحت تمثالا (3) رجل بين ذراعي امرأة. لقد قال جيته إن علينا أن نعتزل، وأنا أعتقد أن الدعاية هي ما يجب أن نعتزله ... لقد وجدت اقتباسا في ترجمة «بويز ماترز» (لطبعة ماردروس الفرنسية لألف ليلة وليلة) ... يمكن أن تكون شعارا لكتاب تعليمي للأطفال ... حين تذكر شهرزاد للملك أنها سوف تحكي له ثلاث أقاصيص ترى أنها أخلاقية ولكن قد يظنها آخرون غير ذلك. ويقترح الملك أن يصرفا أخت شهرزاد الصغيرة كي لا تسمعها ... ولكن شهرزاد تقول: «كلا ليس هناك من خجل في الحديث عن الأشياء التي لدينا تحت الزنار.»
كذلك يكتب ييتس في كتابه «أساطير» أن شكسبير وبلزاك وألف ليلة وليلة هي «أدب جاد بالنسبة لأولئك الذين ينشدون الحقيقة بشكل جدي.» وكان يقدر تلك الأعمال بوصفها ذات صفات موسوعية. ويعيد تأكيد اختياراته حين يقول: «كان ليونيل جونسون يرى أن المرء يجب أن يكون قد قرأ كل الكتب الجيدة قبل أن يكون قد بلغ سن الأربعين ثم يكتفي بعد ذلك بستة كتب، فقلت إني أريد ستة مؤلفين وليس ستة كتب؛ يأتي شكسبير أولا، ثم الليالي العربية في أحدث طبعاتها الإنجليزية، ثم وليام موريس الذي يمدني بكل القصص العظيمة بما فيها هوميروس وقصص البطولة، ثم بلزاك.»
وكان إعجاب ييتس بأسلوب ألف ليلة الواقعي القاسي هو الذي قاده إلى عمل بلزاك الموسوعي في سلسلة رواياته عن المجتمع الفرنسي التي يجمعها عنوان «الكوميديا الإنسانية». وقد ظهر أثر شكسبير وألف ليلة وليلة وبلزاك في قصص ييتس، وفي كتابه الصوفي الروحي «رؤيا». وفي قصائد ييتس، يظهر اهتمامه بشخصية هارون الرشيد، لا الشخصية التاريخية، بل الأدبية والأسطورية. ففي قصيدته القصصية المعنونة «هدية هارون الرشيد» يصور لنا حكاية أشبه بحكايات ألف ليلة في شكل أقصوصة شعرية تحكي عن هارون الرشيد بعد أن أوقع بالبرامكة نكبتهم المعروفة. ويتخذ الرشيد عروسا جديدة، ويشرك أحد ندمائه؛ النطاسي الفيلسوف المترجم «كوستا بن لوقا» في أفراحه بأن يهديه عروسا حسناء شابة. ولدهشة الجميع، تقع العروس الشابة في حب الفيلسوف الشيخ. وتظهر خاصية عجيبة في العروس بعد الزواج، وهي أنها تتحدث في أثناء نومها بأمور فكرية وفلسفية تتضمن كل ما كان ابن لوقا يبحث عنه في دراساته وقراءاته في مكتبة الخليفة العباسي العامرة؛ ولكن، حين تستيقظ الزوجة، كانت تعيش كفتاة عادية تقوم بواجباتها المنزلية دون أن تدري بما تتفوه به في نومها. وأصبحت الزوجة قرة عين زوجها الفيلسوف، ولذلك لم يذكر لها أبدا أسرار ما كانت تقوله في الليل خشية أن تظن أن حبه لها واهتمامه بها راجعان إلى المعرفة التي تتفوه بها في نومها وليس من أجلها هي بذاتها.
وقد عاد ييتس لموضوع كوستا بن لوقا في «رؤيا»، حيث يشرح «مايكل روبارتس» - الشخصية التي ابتدعها ييتس - أن ديانة «الجودوالي» - التي ابتدعها ييتس أيضا - كانت تحوز كتابا عليما يدعى «طريق الروح بين الشمس والقمر»، منسوب إلى كوستا بن لوقا، وهو فيلسوف طبيب مسيحي في بلاط هارون الرشيد، ثم ضاع الكتاب بعد ذلك مع كتاب صغير آخر يصف حياة ذلك الفيلسوف. ويبدو في القصيدة أيضا - وفي كتاب «رؤيا» - ما يفيد أن أتباع ديانة الجودوالي قد استمدوا من الأقوال التي كانت زوجة كوستا بن لوقا تتفوه بها في نومها، تعاليم كانوا يخطونها على الرمال لتلقين شبابهم تلك الأقوال وتوعيتهم بها.
ومن المعروف أن ييتس قد انغمس - ضمن أنشطته المتعددة - في دراسات «الروحانية» وعلوم الغيب الخفية التي شاعت في أيامه، وانعكس ذلك في الكثير من كتاباته، خاصة قصائده وقصص مايكل روبارتس، وأساسا في عمله الأساسي «رؤيا»، في نسختيها. وفي مسعى ييتس إلى تأسيس بعض أفكاره عن الروحانية والعلوم الغيبية على ركيزة لا تقبل الجدل، عثر - عن طريق كتاب ألف ليلة وليلة - على الطرق التي يمكن بها تقديم تلك العلوم والتجارب الروحانية عن طريق القصص الخرافية والأدب الشعبي المعروف والأدب الشعبي المخترع. وقد لجأ في ذلك إلى استخدام التراكيب السردية الواردة في ألف ليلة كيما يتمكن من تنظيم نظرياته المستعرضة بصورة منهجية تناسب عصره.
الصانع الأمهر
Shafi da ba'a sani ba