15

الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة

الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة

Nau'ikan

فكان عمر - الملهم- قد اجتهد في احتمال استغلال بعض ضعاف القلوب لهذا الحديث في التسويف في الاعمال، والتقصير في الطاعات (الاتكال)،كما عبر عنه عمر ﵁، فأقره النبيُّ ﷺ على اجتهاده. وقد فعل مثل فعل عمر ﵁ بعض الصحابة، ومن ذلك انّ معاذ بن جبل ﵁ حين حضرته الوفاة قال: اكشفوا عني سجف القبة أحدثكم حديثًا سمعته من رسول الله ﷺ ". وقال مرة: أخبركم بشيء سمعته من رسول الله ﷺ لم يمنعني ان أحدثكموه إلاّ أنْ تتكلوا سمعته يقول: "من شهد ان لا إله الا الله مخلصا من قلبه أو يقينا من قلبه لم يدخل النار أو دخل الجنة" وقال مرة:"دخل الجنة ولم تمسه النار " (١). قال النووي:" وأما دفع عمر ﵁ له-يريد أبا هريرة- فلم يقصد به سقوطه وإيذاءه بل قصد رده عما هو عليه وضرب بيده في صدره ليكون أبلغ في زجره " (٢). وهنا نكتة عظيمة وهي سماع النبيِّ ﷺ لرأي أصحابه والنزول عنده! وهذا في منتهى الرحمة والتواضع النبوي، وهو تربية لأمته من بعده. قال القاضي عياض:" وليس فعل عمر ومراجعة النبيِّ ﷺ في ذلك اعتراضًا عليه ورد الأوامر، إذ ليس فيما وجّه به أبا هريرة (٣) غير تطييب قلوب أمته وبشراهم، فرأى عمر أنّ كتم هذا عنهم أصلح لهم، وأذكى لأعمالهم، وأوفر لأجورهم ألاّ يتكلوا، وأنه أعود بالخير عليهم من مُعَجَّلة هذه البشرى، فلما عرض ذلك على النبيِّ ﷺ صوّبه له، وقد يكون رأي عمر للعموم وأمر النبيِّ ﷺ للخصوص، وخشى عمر إنْ حصل فى الخصوص أنْ يفشو ويتسع. وفى هذا الحديث من الفقه والذى قبله: إدخال المشورة على الإمام من أهل العلم والدين ومن وزرائه وخاصته .. " (٤). وتأمل بعد قول النبي ﷺ لمعاذ، وكان رديفه على الرحل:"يا معاذ بن جبل. قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: يا معاذ. قال: لبيك يا رسول الله وسعديك- ثلاثا- قال: "ما من أحد يشهد أنْ لا إله

(١) اخرجه أحمد، المسند ٥/ ٢٣٥. (٢) النووي، شرح مسلم ١/ ٢٢٨. (٣) في المطبوع (معاذ)،والصواب ما أثبتناه، وهو في إحدى نسخ الكتاب كما نبه المحقق في الهامش. (٤) القاضي عياض، إكمال المعلم شرح صحيح مسلم١/ ٢٦٤.

1 / 16