Albert Camus: Gabatarwa Ta Takaice
ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
يضع ميرسو طقس الحداد موضع تساؤل في العبارات الافتتاحية بالرواية التي يعترف فيها أنه لا يتذكر تاريخ موت أمه، ثم يلفت النظر إلى خواء تلك الأعراف. وبوضع عبارته الصادمة («لا أذكر متى ماتت أمي») في مقابل عبارة أكثر عرضية (تعبيرات نمطية ولكنها خالية من المعنى مثل «المخلص لكم»)، يخل ميرسو باتزان القارئ. ذات القارئ «المحترمة» مصدومة بصراحة ميرسو، لكنها أيضا تتعاطف مع الهجوم الذي يشنه ميرسو على التقاليد؛ ولذا تتقلب ذاته بين الاتفاق معه وإلقاء اللائمة عليه.
يفند الجزء الأول من الرواية طقوس الحداد، لكن الأقسام اللاحقة تشكك في الآمال الاجتماعية، والصداقة، ونظام العدالة، والزواج، وهذا غيض من فيض. يبدأ ميرسو والقارئ في إدراك أن المجتمع البرجوازي يريد دراما فيها تعبير واضح عن تلك الأدوار - الابن المتألم، والزوج المحب، وخلافه. ورفض تلك الأدوار يثير شكوك أفراد المجتمع الآخرين فيه. ولهذا، فإن ميرسو متهم من قبل أن يرتكب أي جريمة.
يضرب مثال آخر بعدما يرجع ميرسو إلى العمل، عندما يسأله رئيسه عن عمر أمه:
عملت اليوم كثيرا في المكتب. وقد كان الرئيس ودودا. سألني إذا ما كنت متعبا، وأراد أيضا أن يعرف عمر أمي. قلت له: «ما يناهز الستين عاما» حتى لا أخطئ. ولست أدري لم بدا لي وكأنما تخفف من عبء، واعتبر أن الأمر قد انتهى.
المفارقة هنا أنه على الرغم من أن ميرسو لا يتذكر عمر أمه، فهو شديد الوعي بأهمية المظاهر، ويخاف أن يصدم مديره بإجابة صادقة. يناسب هذا الخوف التوقعات المألوفة لدى القارئ. لكن ما فاجأ ميرسو أن رئيسه شعر بالارتياح من رده المبهم. إنه على الأرجح لا يود أن يعرف عمر أمه، بل فقط إذا ما كانت مسنة بالقدر الكافي الذي لا يجعل من موتها مأساة. شعر الرئيس بالارتياح؛ لأن موتها كان طبيعيا، ومطابقا لتوقعات المجتمع. باختصار، السؤال الذي طرحه رئيسه لا يعبر بأي شكل عن اهتمام صادق بالآخرين، بالقدر الذي تكون به الأسئلة العرضية بعد الأحداث المأساوية مجردة من المعنى. علاوة على ذلك، يعتبر عدم اكتراث ميرسو رد فعل أيضا تجاه الشخصيات الأخرى في الرواية الذين يتسمون - شأن القارئ العادي - بأنهم «مندمجون تماما في المجتمع»، وذلك هو المفهوم الحقيقي للامتثال.
يعني السلوك القويم أيضا صون النظام الاجتماعي البرجوازي الجديد. يجعلنا هذا المبدأ نتساءل: من الغريب؟ هل هو ميرسو، الذي يقول الحقيقة، أم نحن القراء، من نخفي مشاعرنا ولا نكترث بالكلمات ونحيدهما؟ تلك العملية الخفية تمكننا من النظر فيما كنا نظنه قيما أخلاقية خاصة بنا، ونكتشف أنها ليست إلا نتاج منظومة أخلاقية جمعية. ومن ثم، نشرع في تحرير أنفسنا من تلك المنظومة الأخلاقية، ونواجه انعدام المعنى في العالم.
تناول كامو الزواج من خلال ميرسو الذي يقضي وقته مع زميلة سابقة له. تطلب منه زميلته أن يتزوجها، ويجيبها بعدم مبالاته المعهودة:
مساء مرت بي ماري، وسألتني عما إذا كنت راغبا في الزواج بها. أجبتها أن الأمر سواء بالنسبة إلي، وأننا نستطيع الزواج إن كانت تلك رغبتها. فأرادت أن تعرف إذا ما كنت أحبها. أجبتها، مثلما فعلت في مرة سابقة، بأن هذا الأمر لا يعني شيئا، بيد أني ما كنت أحبها على الأرجح.
مرة أخرى، لا يهاجم ميرسو هنا الزواج مباشرة. إنه يقبل طلب الزواج من ماري بينما ينفي في الوقت نفسه أهميته. ومن جديد، يقوض ميرسو القيم المجتمعية من خلال الموافقة عليها والتشكيك فيها على حد سواء.
يبدو ميرسو أنه يبدي عدم مبالاة تامة تصل إلى حد التعنت تجاه أي شيء تقريبا يشغل بقية الشخصيات (كالحب، العمل، الطقوس الاجتماعية). فما سبب تلك اللامبالاة؟ عادة ما تكون اللامبالاة آلية دفاعية، رد فعل على خيبة أمل محطمة أو تحرر من وهم. إذا نظرنا إلى حياة كامو الخاصة، فثمة أحداث قد تسلط الضوء على رد فعل ميرسو، لا سيما ما يخص لامبالاته تجاه الطموح الوظيفي. فحديثه عن تخليه عن دراساته وآماله الوظيفية يتردد صداه في تجربة كامو الخاصة. فقد درس لسنوات عديدة في الجامعة وكتب أطروحة، فقط ليرفضه أطباء الدولة الفرنسية رفضا باتا باعتباره غير كفء للتدريس في النظام التعليمي الفرنسي بسبب حالته الصحية. لعل ميرسو كان يتحدث هنا عن مشاعر كامو ويتأمل آماله في الماضي: «عندما كنت طالبا، كان لدي آمال عديدة كتلك. لكن عندما كان علي أن أتخلى عن دراساتي تعلمت بسرعة شديدة أن أيا منها لم يكن مهما حقا ». في مرحلة ما، لا بد أن كامو رأى سنواته التي قضاها في الجامعة بلا معنى. يمكن ربط الفقرة الافتتاحية في الرواية بتناقض كامو الوجداني في جنازة جدته لوالدته التي شعر خلالها بقليل من الأسى، وبكى امتثالا ليس إلا. يمكننا أيضا أن نربط زواجه الفاشل من سيمون ييه باعتباره مؤثرا في تجسيده لموقف ميرسو من الزواج. لقد نقل كامو تجارب العناء أو الخذلان الشخصية وعدم مبالاته الناتجة عنها إلى أدبه.
Shafi da ba'a sani ba