البدع والمخالفات في الحج
البدع والمخالفات في الحج
Mai Buga Littafi
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٢٣هـ
Inda aka buga
المملكة العربية السعودية
Nau'ikan
[تمهيد]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الابتداع في الدين من أخطر الأدواء التي أصيب بها المسلمون. فحقيقته: هدم للدين وقدح في جناب سيد المرسلين، ومنازعة لحق التشريع الذي هو من حقوق رب العالمين، وإفساد للعبادة المتقرب بها إلى رب الأولين والآخرين، وتشويه للدين وصد عن سبيله المستقيم، وطريق إلى تشتيت الأمة الإسلامية ووقوع الخلاف والشقاق بين أبنائها وجعلها مزقا وفرقا شتى كل حزب بما لديهم فرحون، وكفى بالبدعة بؤسا وضلالا أنها سبب لطرد محدثها من رحمة رب العالمين.
ومن العبادات العظيمة التي شرعها الله لعباده وجعلها
1 / 3
ركنا ركينا من أركان الإسلام: الحج، تلك العبادة العظيمة التي شرعها الله ﷿ لحكم تحار في فهمها عقول الألباء من الناس: ففيها: إقامة لشعائر الله، والشعور بكيان الأمة الواحد، وشهود منافع للمسلمين، وذكر الله في أيام معلومات، والشعور بالمساواة الشرعية وعدم التمايز بين الأبيض والأسود، ولا العربي والعجمي، ولا الفقير والغني، ولا الملك والمملوك إلا بالتقوى، وفي الحج غير ذلك من الحكم العظيمة والمنح الجسيمة.
وقد أصاب الحج ما أصاب غيره من العبادات المختلفة في الإسلام حيث أحدثت فيه بدع مختلفة ومورست فيه مخالفات شنيعة منذ زمن بعيد.
ولم يزل أهل العلم القائمون بأمر الله ينهون الناس عنها ويحذرونهم من مغبتها، وحيث إن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد هي الجهة المخولة والمسؤولة عن الدعوة إلى الله ﷿ عامة وعن
1 / 4
التوعية الإسلامية في الحج بشكل خاص؛ فإن أهم ما يناط بها من الواجب في هذا المجال: تنبيه الناس وتحذيرهم من الوقوع في هذه البدع والمخالفات حتى لا يقعوا في المحاذير المذكورة آنفا ولا يفسدوا حجهم الذي يبذلون لأجل أدائه الغالي والنفيس ويقطعون الفيافي والقفار، فقد ثبت من حديث عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» . متفق عليه وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» . وبعد هذا التمهيد المختصر فإلى مباحث الكتاب، وهي أربعة:
المبحث الأول: البدعة، تعريفها وأنواعها وأقسامها. المبحث الثاني: خطر الابتداع في الدين. المبحث الثالث: أدلة تحريم الابتداع في الدين. المبحث الرابع: سرد البدع التي يقع فيها الحجاج مما نص عليها العلماء.
1 / 5
[المبحث الأول البدعة تعريفها وأنواعها وأقسامها]
[تعريف البدعة]
المبحث الأول
البدعة: تعريفها وأنواعها وأقسامها البدعة لغة: مأخوذة من بدع الشيء يبدعه بدعا وابتدعه أي: أنشأه وبدأه على غير مثال سابق، قال ابن فارس ﵀: (الباء والدال والعين أصلان: أحدهما ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال، والآخر الانقطاع والكلال، فالأول قولهم أبدعت الشيء قولا أو فعلا، إذا ابتدأته لا عن سابق مثال والله بديع السماوات والأرض.
والعرب تقول: ابتدع فلان الركي إذا استنبطه. فلان بدع في هذا الأمر قال تعالى: ﴿مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٩] أَي ما كنت أول، والأصل الآخر قولهم أبدعت الراحلة، إذا كلت وعطبت، وأبدع الرجل إذا كلت ركابه أو أعطبت وبقي منقطعا به. . .) (١) .
وقال الزمخشري ﵀: (أبدع الشيء، وابتدعه،
_________
(١) معجم مقاييس اللغة (١ / ٢١٠) .
1 / 6
ابتدع فلان هذه الركية، وسقاء بديع: جديد، ويقال: أبدعت الركاب إذا كلت وحقيقة أنها جاءت بأمر حادث بديع. . .) (١) .
وعليه فالبدعة في اللغة بمعنى البدع والبديع وهو ما أحدث واخترع على غير مثال سابق، فهي في اللغة تكون ممدوحة أو مذمومة.
قال الشاطبي ﵀ (أصل مادة " بدع " للاختراع على غير مثال سابق ومنه قول الله: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة: ١١٧] (٢) أي مخترعهما من غير مثال سابق متقدم وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٩] (٣) أي ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد بل تقدمني كثير من الرسل، ويقال: ابتدع فلان بدعة يعني ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق، وهذا الأمر بديع، يقال في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسن، فكأنه لم يتقدمه
_________
(١) أساس البلاغة - ٣٢.
(٢) سورة البقرة، الآية ١١٧.
(٣) سورة الأحقاف، الآية ٩.
1 / 7
ما هو مثله ولا ما يشبهه) (١) .
البدعة شرعا: اختلفت عبارات العلماء في تحديد البدعة وتعريفها ولعل من أجمع هذه التعاريف ما ذكره الإمام أبو إسحاق الشاطبي ﵀ في كتابه الاعتصام حيث قال - معرفا البدعة -: " طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه " (٢) .
وقد شرح ﵀ ألفاظ هذا التعريف شرحا مفصلا نذكر منه ما يفي بالمقصود: " طريقة في الدين " الطريقة والطريق والسبيل والسنن هي بمعنى واحد وهو ما رسم السلوك عليه، وإنما قيدت بالدين لأنها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها، وأيضا لو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم.
" مخترعة ": لما كانت الطرائق في الدين تنقسم فمنها
_________
(١) الاعتصام (١ / ٣٦) .
(٢) الاعتصام (١ / ٣٧) .
1 / 8
ما له أصل في الشريعة ومنها ما ليس له أصل فيها، خص منها ما هو المقصود بالحد وهو القسم المخترع أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع، إذ البدعة إنما خاصتها أنها خارجة عما رسمه الشارع، وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادي الرأي أنه مخترع مما هو متعلق بالدين، كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وأصول الدين، وسائر العلوم الخادمة للشريعة.
" تضاهي الشريعة " أي تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة منها: وضع الحدود والتزام الكيفيات والهيئات المعنية والتزام العبادة المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة.
" يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه " وهو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها، وذلك أن أصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العبادة
1 / 9
والترغيب في ذلك. . فكأن المبتدع رأى أن المقصود هذا المعنى ولم يتبين له أن ما وضعه الشارع وما فيه من القوانين والحدود كاف: وقد تبين بهذا القيد أن البدع لا تدخل في العادات " (١) .
وعرفها الشمني فقال: " ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله ﷺ من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة أو استحسان وجعل دينا قويما وصراطا مستقيما " (٢) .
وقيل أيضا البدعة هي: " التعبد لله بما لم يشرعه الله أو: التعبد لله بما ليس عليه النبي ﷺ ولا خلفاؤه الراشدون " (٣) .
[أنواع البدع وأقسامها]
[أولا انقسامها باعتبار إخلالها بدين المبتدع]
أنواع البدع وأقسامها: تنقسم البدع إلى عدة أقسام باعتبارات مختلفة وهي كالآتي:
_________
(١) الاعتصام (١ / ٤٠ - ٤٧) مختصرا.
(٢) ذكره الشيخ / محمد أحمد العدوي عن الشمني، أصول البدع والسنن (ص ٢٦) .
(٣) مجموعة فتاوى ومسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ﵀ (٢ / ٢٩٢) .
1 / 10
أولا: انقسامها باعتبار إخلالها بدين المبتدع، فتنقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين:
١ - البدعة المكفرة: وهي التي تخرج صاحبها من دين الله، وهي ما كانت كفرا صريحا كالطواف بالقبور تقربا إلى أصحابها وتقديم الذبائح والنذور لهم ودعائهم والاستغاثة بهم.
٢ - البدع المفسقة: وهي التي لا تخرج صاحبها من دائرة الإسلام لكنه يكون فاسقا بها وتتفاوت في شدة حرمتها، فمنها ما هو من وسائل الشرك: كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها ومنها ما هو معصية كبدعة التبتل عن الزواج والصيام قائما في الشمس.
[ثانيا انقسامها باعتبار صلتها بالأصول الشرعية]
ثانيا: انقسامها باعتبار صلتها بالأصول الشرعية وهي قسمان: ١ - البدع الحقيقية: وهي التي لم يدل عليها دليل لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل
1 / 11
العلم لا في الجملة ولا في التفصيل (١) ومن أمثلة ذلك الشرك بالله بأنواعه المختلفة وتحكيم العقل ورفض النصوص في دين الله والطواف بغير البيت الحرام كالأضرحة ونحوها.
٢ - البدعة الإضافية: وهي التي لها شائبتان: إحداهما لها من الأدلة متعلق، فلا تكون من تلك الجهة بدعة، والأخرى ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية، فلما كان العمل الذي له شائبتان لم يتخلص لأحد الطرفين وضع لها هذه التسمية وهي " البدعة الإضافية " أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة لأنها مستندة إلى دليل، وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل أو غير مستندة إلى شيء.
والفرق بينهما من جهة المعنى، أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم، مع أنها محتاجة إليه لأن الغالب وقوعها
_________
(١) الاعتصام (١ / ٢٨٦) .
1 / 12
في التعبديات لا في العادات المحضة (١) .
وهذا النوع من البدع هو مثار الخلاف بين المتكلمين في البدع والسنن وله أمثلة كثيرة منها:
- صلاة الرغائب.
- التأذين للعيدين أو للكسوف.
- الدعاء الجماعي بعد الصلوات.
- تخصيص يوم لم يخصه الشارع بصوم أو ليلة لم يخصها الشارع بقيام، فالصوم في ذاته مشروع، وقيام الليل كذلك، وتخصيصهما، بيوم أو بليلة بدعة.
- الصلاة والسلام على النبي ﷺ عقب الأذان مع رفع الصوت بهما وجعلهما بمنزلة ألفاظ الأذان، فالصلاة والسلام مشروعان باعتبار ذاتهما ولكنهما بدعة باعتبار ما عرض لهما من الجهر وجعلهما بمنزلة ألفاظ الأذان إلى غير ذلك.
وأكثر ما يقع الناس فيه من البدع التي أضيفت إلى
_________
(١) الاعتصام (١ / ٢٨٦، ٢٨٧) .
1 / 13
العبادات كالصلاة والحج ونحوها من هذا الباب.
وقريب من هذا تقسيم الشيخ حافظ حكمي ﵀ حيث قسم البدع في العبادات إلى قسمين:
الأول: التعبد بما لم يأذن الله به كتعبد جهلة المتصوفة بآلات اللهو والرقص والصفق وأنواع المعازف وغيرها مما هم فيه مضاهئون فعل من قال الله تعالى فيهم ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] (١) .
الثاني: التعبد بما أصله مشروع ولكن وضع في غير موضعه ككشف الرأس مثلا وهو في الإحرام عبادة مشروعة فإذا فعله غير المحرم في الصوم أو في الصلاة أو غيرها بنية التعبد كان بدعة محرمة (٢) .
[ثالثا انقسامها بحسب ما تقع به]
ثالثا: انقسامها بحسب ما تقع به: وتنقسم إلى فعلية وتركية، والمقصود بالبدع التركية: أن الابتداع قد يقع بنفس الترك تحريما للمتروك أو غير تحريم بشرط أن يكون الترك تدينا، لأن الفعل إذا كان جائزا شرعا
_________
(١) سورة الأنفال، الآية ٣٥.
(٢) أعلام السنة المنشورة (٩٧، ٩٨) .
1 / 14
فتركه تدينا يصير معارضة للشارع في شرع التحليل، وفي مثله قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [المائدة: ٨٧] (١) . فنهى عن تحريم الحلال أولا ثم أخبر بأن ذلك اعتداء لا يحبه الله (٢) وذلك أن التحليل والتحريم من التشريع، وهو من حق الله لا الناس. وفي مثل هذا قال النبي ﷺ: ". . «فمن رغب عن سنتي فليس مني» (٣) .
وقال الشاطبي ﵀: " كل من منع نفسه من تناول ما أحل الله من غير عذر شرعي فهو خارج عن سنة النبي ﷺ، والعامل بغير السنة تدينا هو المبتدع بعينه " (٤) .
[رابعا انقسامها باعتبار ما تقع فيه]
رابعا: انقسامها باعتبار ما تقع فيه وتنقسم بهذا الاعتبار إلى اعتقادية وعملية (٥) . فالعملية: كون البدعة تكون عملا من أعمال الجوارح
_________
(١) سورة المائدة الآية ٨٧.
(٢) الاعتصام (١ / ٤٣ - ٤٩) بتصرف.
(٣) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح (ح ٥٠٦٣) - فتح الباري (٩ / ٦) .
(٤) الاعتصام (١ / ٤٤) .
(٥) الإبداع في مضار الابتداع، على محفوظ (٥٣، ٥٤) .
1 / 15
كالطواف حول الأضرحة وصلاة الرغائب والذكر أمام الجنائز ونحوها.
والاعتقادية: كونها اعتقادا للشيء على خلاف الحق مما بينه الله ﷿ وبينه الرسول ﷺ وعليه الجماعة - صحابة رسول الله والقرون المفضلة - وأمثلتها كثيرة جدا، فجملة عقائد الفرق الضالة كالخوارج والمعتزلة والرافضة والأشاعرة وغيرها تدخل في البدع الاعتقادية ومنها ما تكون كفرا ومنها ما هو دون ذلك.
وبعض العلماء قسمها بهذا الاعتبار إلى بدع تقع في العبادات وبدع تقع في المعاملات، وعرف البدع في المعاملات بأنها: اشتراط ما ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ﷺ كاشتراط الولاء لغير المعتق كما في قصة بريرة لما اشترط أهلها الولاء قام النبي ﷺ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، فأيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط فقضاء الله أحق وشرط الله أوثق، ما بال رجال منكم يقول أحدهم أعتق يا فلان ولي الولاء
1 / 16
إنما الولاء لمن أعتق " وكذلك " كل شرط أحل حراما أو حرم حلالا» (١) . وإن كان الأصل في المعاملات الإباحة إلا أن اشتراط ما هو على خلاف شرط الله هو المقصود.
[خامسا انقسامها باعتبار الخلل الناشئ عنها]
خامسا: انقسامها باعتبار الخلل الناشئ عنها: فقد يكون كليا فتكون بدعة كلية كالقول بتقديم العقل على النقل في أمور الاعتقاد والقول بوجوب الصلاح والأصلح عند المعتزلة أو إنكار أحاديث الآحاد أو عدم حجيتها في باب العقائد أو إنكار الأخبار النبوية والاقتصار على القرآن، وما أشبه ذلك من البدع التي لا تخص فرعا من فروع الشريعة دون فرع، بل نجدها تنتظم ما لا ينحصر في الفروع الجزئية. وقد يكون ضرر البدع جزئيا يأتي في بعض الفروع دون بعض كبدعة الزيادة على الأذان أو الامتناع عن تناول ما أحل الله من غير عذر شرعي كالنوم أو لذيذ الطعام أو النساء تدينا فهذا من البدع الجزئية (٢) .
_________
(١) أعلام السنة المنشورة (ص ٩٨) .
(٢) الإبداع في مضار الابتداع (٦١ - ٦٣) بتصرف.
1 / 17
[سادسا انقسامها باعتبار الأزمنة والأمكنة أو الأحوال والعبادات المختلفة]
سادسا: انقسامها باعتبار الأزمنة والأمكنة أو الأحوال والعبادات المختلفة: - فبدع ألحقت ببعض الأزمنة كالموالد والأعياد المبتدعة وغيرها.
- وأخرى ببعض الأماكن كالتمسح بغار حراء ومكان المولد والطواف بقبور الصالحين والأضرحة عامة.
- وأخرى ألحقت بكثير من العبادات مثل:
١ - البدع المتعلقة بالأذان.
٢ - البدع المتعلقة بالمساجد.
٣ - البدع المتعلقة بالصلاة.
٤ - البدع المتعلقة بالصيام.
٥ - البدع المتعلقة بالحج.
وعلى هذا صنف كثير من الكتب التي تسرد البدع بحسب العبادات التي ألحقت بها (١) .
_________
(١) نحو كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة الشافعي ت: ٦٦٥ هـ - وكتاب الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للسيوطي ت: ٩١١ هـ وكتاب السنن والمبتدعات لمحمد عبد السلام الشقيري ﵏ وغيرها.
1 / 18
[المبحث الثاني خطر البدع]
المبحث الثاني
خطر البدع الابتداع في الدين من أخطر ما يهدد دين المسلمين، فإن حقيقته هدم للدين، وقدح في جناب خاتم المرسلين، واغتصاب لحق التشريع الذي هو من حقوق رب العالمين، وإفساد للعبادة المتقرب بها إلى رب الأولين والآخرين، وتشويه للدين الخالد، وصد عن سبيله المستقيم، وطريق إلى تشتيت الأمة ووقوع الخلاف والشقاق بين أبنائها وجعلهم مزقا شتى كل حزب بما لديهم فرحون، وكفى بالبدعة بؤسا وضلالا أن محدثها متعرض للطرد من رحمة الله التي وسعت كل شيء.
فهي هدم للدين إذ لم تنجم بدعة من البدع إلا وأميتت في مقابلها سنة من سنن الدين حتى تفشو البدع وتندرس معالم الدين، عن ابن عباس ﵄ قال: " ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه
1 / 19
سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن " (١) . وعن حسان بن عطية قال: " ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها. . " (٢) وروي عن حذيفة بن اليمان ﵁ أنه أخذ حجرين فوضع أحدهما على الآخر ثم قال لأصحابه: هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟ قالوا: يا أبا عبد الله، ما نرى بينهما إلا قليلا، قال: والذي نفسي بيده، لتظهرن البدع حتى لا يرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور (٣) .
وقد شرع الله دينا قويما وصراطا مستقيما وجعل للناس عبادات مختلفة، في أدائها صلاح لدينهم ودنياهم وجعل فيها من الحكم ما يحير عقول الألباء وإذا فعلها المسلمون كما شرعها الله فإن تلك الحكم تظهر قائمة للعيان وتكون سببا في دخول الناس في دين الله أفواجا، ولكن البدع تطمس هذه الحكم وتشوه هذه العبادات وإن الناظر اليوم
_________
(١) البدع والنهي عنها لأبي عبد الله محمد بن وضاح القرطبي ت: ٢٨٧ هـ ص ٥٣، رقم: ٩٥.
(٢) نفس المصدر ص ٥٢ رقم: ٩٠.
(٣) نفس المصدر ص ٥٨.
1 / 20
للمجتمعات المسلمة يرى عجبا من البدع التي تحجب نور الإسلام فشركيات متنوعة قد حجبت أصل الدين: التوحيد، وعنصريات مختلفة مزقت الإخوة الإسلامية، وتعصب وتقليد قام مقام التحرر الفكري وصفاء المصادر، وبدع متنوعة في العبادات قد أذهبت حكمتها التي شرعها الله من أجلها.
والبدع طريق إلى تشتيت الأمة المسلمة، وها هي الأمة الإسلامية اليوم قد افترقت إلى فرق شتى مختلفة وطرق متباينة وأحزاب متنافرة كل حزب بما لديهم فرحون، وسبب ذلك نكوص أبناء الأمة وتنكبهم عن الصراط المستقيم فتفرقوا في سبيل الشيطان، روى الإمام أحمد والنسائي (١) عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: «خط لنا رسول الله ﷺ خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: وهذه سبل متفرقة ليس من سبيل إلا عليه شيطان
_________
(١) مسند الإمام أحمد (١ / ٤٣٥ - ٤٦٥)، والنسائي كما في تحفة الأشراف (٧ / ٤٦) وسنده حسن.
1 / 21
يدعو إليه، ثم قرأ ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣]» (١) ".
وهي - أيضا - قدح في تمام بلاغ خاتم المرسلين فلسان حال أصحاب البدع قائل: إن هناك خيرا لم يدلنا عليه، وحاشاه ﷺ، فإنه ما ترك خيرا إلا دل أمته عليه ولا شرا إلا حذرها منه، عن أبي الدرداء ﵁ قال: «لقد تركنا رسول الله ﷺ وما في السماء طائر يطير بجناحيه إلا ذكرنا منه علما»، وعن أبي ذر ﵁ قال: «تركنا رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما» (٢) قال: فقال رسول الله ﷺ: «ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد عن النار إِلا وقد بين لكم» (٣) . وإضافة إلى هذا القدح المشين فإن المبتدع مغتصب لحق التشريع، فمسلكه في تشريع ما لم يأذن به الله من إيجاب فعل أو استحبابه مسلك الذين اغتصبوا حق
_________
(١) سورة الأنعام، الآية ١٥٣.
(٢) رواه الطبراني. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد (٨ / ٢٦٤) .
(٣) رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في السلسلة (٤ / ٤١٦) .
1 / 22