ورحنا نتبادل الزناد والزلط، ونحاول أن نحدث الشرر، وفي كل منا جزء صغير معجب بمحمد؛ لأنه لم يقل إنه امرأة، وجزء كبير حانق على اللئيم الذي خدعنا.
وحدثت الشرارة واحمرت قطعة القطن وهللنا، ونفخنا فيها، واشتعلت النار وملأتنا دهشة؛ فقد كان لونها شاحبا جدا. ونفخنا فيها وشحب لونها أكثر وأكثر. وعدنا ننفخ بلا فائدة.
وتبينا أن النار ليست وحدها الشاحبة، كان كل شيء يشحب ويصفر، ثم بدأت النار والأشياء من حولنا تبيض، ثم صفر شيء في آذاننا كالاستغاثة، وأدركنا مروعين أن حادثا جللا قد وقع، ومضى كل منا ينظر في وجوه الآخرين ويستعجب ويفيق. كانت وجوهنا معفرة كلها خدوش، وأجسادنا يكسوها التراب، وذباب؛ ذباب كثير لزج لا يهدأ، ولا يكف عن الطنين.
ومن أين جاءنا ذلك الألم؟ وماذا يقول أهلنا؟ سيضربوننا بالتأكيد ويشنقوننا، وآه من شتائمهم! كلها ألفاظ حامية تجرحنا وتصيب رجولتنا الصغيرة الحساسة في الصميم. كان على بعضنا أن يقوم في الفجر، وكان لا بد من تعليق توابيت وتتريب زرائب. وكنا لم ننم، لم ننم أبدا وعيوننا حمر، هل مرضت؟ وهه طلعت الشمس أيضا في بلدنا، وأشكالنا ما لها فيها ذهول وإجرام وتوبة؟ ما لها فيها «قشف» و«قوب»، وحفر غائرة، وحب شباب، ونقاط سود؟ لماذا نحس الآن فقط أننا غلابة فقراء، وأن بيوتنا ليس فيها سوى صيحات كلاب وجعير آباء وأمهات ودخان المواقد الخانق؟
وروعنا، ونسينا كل شيء ومضينا نتحسس أجسامنا وملابسنا، ونرى مدى ما أصابها من تمزيق، ونرى أنفسنا في وضوح بشع شديد نخاف معه أن نرى أنفسنا.
وكان محمد راقدا؛ جلبابه ممزق، وجسده ممدد كالخرقة البالية والذباب يعف عليه بكثرة، والجروح تشوه جلده، ودماء متجمدة فوق أنفه وعلى جانب فمه، وتملأ الشق الذي في شفته، نائما مستسلما كالذبيحة الفاطسة، كالمرأة بعد ليلة حافلة.
وفككنا عنه الأربطة بلا حماس، وتألم وأحسسنا بألمه يحز في قلوبنا ويجرحها.
ووجدنا أنفسنا بعد حين هائمين على وجوهنا - عائدين إلى بلدنا من نفس الطريق - تدفعنا قوة قاهرة، عائدين نعرج ونتساند ونئن ونفكر في النهار؛ النهار الذي داهمنا بغتة، وخلق أمامنا الأرض، وحملنا بهموم الدنيا؛ النهار الحار الجاف الخشن الذي كنا نراه رؤى العين منتصبا أمامنا كرجل عملاق قامته أعلى من قامة الشمس، ولا رحمة في قلبه ولا خرقة فوق جسده، وفي يده هراوة ضخمة، منتصبا هكذا ينتظرنا ويتوعدنا وتقدح عيناه بالشرر، ونحن متجهون إليه خائفون خاشعون عالمون تماما أننا لن ننفد من يده.
أليس كذلك
لن يضيرك أن تعرف اسمي. حقا اسمي ه. ك. تيمو شلاي!
Shafi da ba'a sani ba