فسألته وأنا في تفكير عميق: تفتكر ليه؟
فهز كتفيه وقال: والله ما اعرف، كله مش داخل مخي. أنا يا عم كلهم عندي واحد وحياتك. ما فيش حد أزيد من التاني. كلهم عندي قفوات. نش يا ولد نش، نش جك وجع ينشك.
وكان قد انتهى من ذقني وأعمل يده وأصابعه في شعري وسواه، ومضى يداعب الشعرات القليلة الناشزة ويحاول إخمادها.
وقلت وأنا أغادر الكرسي: يا أسطى زكي. - نعم.
نعم. - نفسي تقول لي إيه اللي طلعت بيه من ده كله؟
ولم يجبني. كان قد لاحظ بضع شعرات في رقبتي أخطأتها ماكينته، فرجاني أن أعود إلى الجلوس، وانطلق بخطواته الكثيرة السريعة وهو يدفع هذا ويشاكس ذاك، وعاد ومعه ماكينة صغيرة.
وما إن بدأ يعمل حتى نتشت الماكينة الشعر بدل أن تقطعه، وسبب لي هذا ألما، فقلت: أخ. ما كدت أقولها حتى أغرق في الضحك، ضحك خاطف قصير، والتفت أرى ما يضحكه ولم أجد شيئا، وسألته فقال وهو ينفض الشعر عن ملابسي: بضحك ليه؟ أصلي هف علي الضحك، ما هي حاجة تضحك. أنت مش بتسألني طلعت بإيه من الحكاية دي كلها؟
ولا حاجة وشرفك عندي، ولا حاجة. كل اللي طلعت بيه إن المكنة دي بقالها خمس سنين بتنتش، وحلقت بيها لييجي عشرة آلاف واحد، وكل زبون كان لما توجعه النتشة يقول أخ، كلهم زي أنت ما قلت. نعيما ! شرفتنا، ما أعطلكش. نش يا ولد نش!
داووود
لم يناقش أحد الفتوى التي تطوعت بها «الداية»، وكيف يناقشها أحد؟ العائلة كلها تلهفت شهورا واستعدت للحدث الضخم أيما استعداد. الأب ما كاد يرى المولود الجديد، حتى أحس وكأن قلبه قد اختفى - برضاه - من صدره، وأصبح له صراخ وأنين، وانتفض حياة جديدة لفتها الداية في اللفائف، وكان ابنه الأول. والأم، أم الولد ظلت تئن وتتلوى وهي حامل، وتلعن الحمل و«سنينه»، وتصرخ صراخ المستغيث من الحمل بالميلاد ساعة الميلاد، ولكن ما كادت تنفصل عنها «حتة اللحمة»، وتراها في لونها الأبيض المشرب بحمرة، وتكشف لها الداية عورتها، فتبلغ قمة السعادة بالولد، ثم يصرخ هذا الولد ويستغيث، وتعطيه ثديها، وتحس بنغمشة حبيبة تسري في جسدها، والولد النونو العفريت يطبق بشفتيه الصغيرتين اللذيذتين على لحمها، ويمتص منها اللبن في مهارة ودهاء، وكأنه تعلم الرضاعة خفية وهو لا يزال في بطنها. ما كاد هذا كله يحدث حتى انقلب الصراخ والألم إلى محبة دافقة مفاجئة تغمر كيانها كلما مص الولد ثديها، أو أخذته في حضنها، أو رفض اللفائف بساقه الملظلظة القصيرة التي لا تكاد تتعدى إصبع اليد.
Shafi da ba'a sani ba