العين حق
العين حق
Mai Buga Littafi
دار التقوى للنشر والتوزيع
Lambar Fassara
بدون
Inda aka buga
مصر
Nau'ikan
العين حق
جمع وترتيب: محمد بن سنجاب الأثرى
دار التقوى للنشر والتوزيع
1 / 1
دار التقوى للنشر والتوزيع - شبرا الخيمة
1 / 2
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾
يأيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبًا﴾. ﴿يأيها الذين آمنوا اتقوا الله، وقولوا قولًا سديدًا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيما﴾.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد.
فهذا بحث أعددته منذ سنوات لحاجتى إليه وهو يتناول مسألة من المسائل المشهورة بين المسلمين جميعهم. علمائهم وعوامهم. صغيرهم وكبيرهم. إنسهم وجنهم دائمة الحدوث. ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. بينها الشارع الحكيم وقبلها العقل السليم لاينكرها إلامبتدع ضال صاحب هوى أعمى الله بصيرته. وهذا لا يعنينا فى قليل ولا كثير لأن المسألة كما قلت ثابتة شاء من شاء وأبى من أبى والواقع يشهد بهذا.
1 / 3
وأحكامها باقية إلى ما شاء الله تعالى.
وما أردت بهذا البحث إثبات أصل الحسد لأن الأمر كما قيل:
وليس يصح فى الأذهان شئ ... إذا احتاج النهار إلى دليل.
وإنما أردت أن أكشف عما فى المسألة من أحكام قد تخفى على بعض الناس ليكون المسلم على بصيرة من أمور دينه فى زمان الغربة المتجددة. بعيدا عن حديث خرافة. أو بدعة محدثة. أو شرك يشوب المعتقد. يوم ضل من ضل وغفل من غفل.
وأنبه هنا إلى أن بعض العوام قد يفرطون فى تعليق كثير من الحوادث على الحسد وبعضهم يعتقد أن الذى يكل ذلك إلى الحسد عنده شئ من قبيل الوساوس ونحوها والحق وسط بين الفريقين وبعضم يسلك فى العلاج مسالك المبتدعة والكهان وطوائف الشرك والردة أعاذنا الله وأهلنا من ذلك والبعض أيضا ينكر علاج الحسد بالرقى ويرى أن ذلك كله من الشعوزة وهذا منتشر بين الماديين والعقلانيين - زعموا - وكلاهما طرفى نقيض والحق خلافهما كذلك ولعلى أبين فى هذه الرسالة المتواضعة عقيدة أهل السنة ومنهج الحق فى الإيمان بوجود الحسد وتأثير العين فى المحسود وكيف يقى المسلم منها نفسه وأهله وماله وصديقه وكيف يكون العلاج على منهاج وسنة بعيدا عن المجربات والمبتدعات ووصفات العطارين ودجل المشعوزين بل من غير الذهاب إلى راق أو معالج مع جمع لكلام أهل العلم مما هو مفرق فى كتبهم كما قال محمد بن سيرين ﵀: ذهبَ العلم وبقيت منه شذراتٌ في أوعيةٍ شتى. ونقله عنه الذهبى فى كتابه الماتع سير أعلام النبلاء.
وإن اتسع المقام بينت من الأحاديث والأخبار والحكايات ممالم يثبت والعامة تعتقد ثبوته ونبهت عليه وعلى ما يتعلق بالمسألة من بدع ومحدثات مما لا تراه
1 / 4
بفضل الله فى غير هذه الرسالة وهى جهد المقل فى الدفاع عن دين الله تعالى والنصيحة له وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم عسى الله تعالى أن ينفع بها وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد والقبول. إنه سبحانه ولى ذلك والقادر عليه. آمين.
وكتبه
محمد بن عبد المعطى بن على بن أحمد بن سنجاب الأثرى
صعيد مصر. أبوتشت. السليمات. نجع بكار.
شهر صفر عام ١٤٢٣ من الهجرة
الموافق ١٤ مايو (آيار) ٢٠٠٢ للميلاد.
1 / 5
تمهيد عن منهج البحث
الحمد لله على فضله وامتنانه وجميل إحسانه. حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه. وصلى اللهم وسلم على محمد وآله. وبعد.
فهذا منهج البحث أستخلصه بين يدى القارئ حيث أنى أذكر الترجمة فأعرفها بما يزيل عجمتها ثم أذكر الأدلة من الكتاب أو السنة أو أثر عن السلف أو بيان معناه المعقول. والأخير هذا نادرا. وقد رأيت جماعة من المصنفين فى مجال العلاج إن صح التعبير ذلك أنهم كما يظهر من كثرة تصانيفهم يجوزون الإجتهاد الجزئى ومذهيهم فى هذا مذهب الجمهور لكنهم يخالفون الجمهور فى الإحتجاج بالضعيف والموضوع أو على الأقل يوردونها دون تمييز زيفها. فقد رأيت الكثيرين يوردون أخبارًا، وحكايات، هى من جنس المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، مع أشياء أخرى لا يعول عليها من شم ريح العلم ولو مرة فى حياته، فكم من مؤلف حاطب ليل، وجارف سيل، لا يميز بين الصحيح والضعيف، ويظن كل مدور رغيفًا! ! (١) وليس لهؤلاء مثل عندى إلا هذا المثل القاسى: ليست الثكلى كالمستأجرة فلو كان الأمر يهمهم لأتعبوا أنفسهم فى البحث والاختيار والنقد فلهذا عمدت إلى جمعت طرق الأحاديث التى وردت فى العين والحسد والغبطة بل فى كل ما له علاقة بالمسألة ونقدتها نقدا علميا وفق أصول المصطلح بمنهج المتقدمين من علماء الحديث وبينت زيفها من صحيحها وربما أطلت النفس فى بعض هذا أعنى ما هو من صلب الموضوع. مع قلة المصادر وبعدى عن دور أهل العلم واشتغال
_________
(١) هذه التعبيرات من كلام الشيخ أبى إسحاق حفظه الله فى مقدمة كتابه النافلة فى الأحاديث الضعيفة والباطلة.
1 / 7
البال وتوالى الهموم وأنا طويلب علم صغير أقرأ وأجمع وأبلغ عن الله ورسوله ولو آية قدر ما أستطيع ليس لى نظر المحدثين ولا طول اشتغالهم.
ولا يظنن أحد أنى بانتقاد بعض الأحاديث أو الجرأة فى الحكم عليها ومخالفة من مضى من علمائنا لا يظن من ذلك انتقاصهم ولا هضم حقهم أو مكانتهم بل والله ما دفعنى إلى ذلك إلا النصيحة وما توصلت إليه فبأصولهم التى وضعوها ونقحها من بعدهم وما زال الآخر يتعلم من الأول وينفرد عنه وهذا عين الإتباع أما الموافقة فى كل نتيجة فهذا هو التقليد وهو مالم يقل به أولئك العلماء ولا يعيب الأول أن يستدرك عليه من جاء بعده واعدد ما تفردنا فيه عنهم إلى جنب ما وافقناهم فيه تعلم مدى فضلهم ومبلغ علمهم ولا جرم فقد كان علماء يهود والنصارى شرارهم وامتن الله علينا بأن جعل علماءنا خيارنا نسأل الله تعالى أن يلحقنا بهم ويجعلنا من الذين اتبعوهم بإحسان وما أحوجنا إلى أن نعرف أننا كما قال أبو عمرو ابن العلاء: ما نحن فيمن مضى إلا كبقل فى أصول نخل طوال (١) وأنا فى نقدى للأحاديث وحكمي عليها وفق المنهج العلمى المعروف لكل مشتغل بعلم الحديث رواية ودراية لا أخلو أن أكون أحد رجلين لا ثالث لهما إما مصيب وإما مخطئ فإن كنت مصيبا فما المانع أن يقبل منى. وإن كنت مخطئا فجزى الله خيرا من أوقفنى على خطإ زللت فيه ويبين لى ذلك بالأدلة ولسوف يجد صدري واسعا في قبول ذلك منه نسأل الله العلم النافع. والكلام على الأحاديث صحة وضعفا من المسائل الإجتهادية يصيب فيها الرجل ويخطئ والعبرة بمن ندر خطؤه فى جنب صوابه ورحم الله من أوقفنى على خطإ لأتداركه لاسيما وأنى لا أتبنى القول بالتساهل فى إيراد الضعيف ولا القول بالتجربة فى العلاج. وأعوذ بالله أن أقول قولا وأنحى غيره وحسبى أن لا أتكلم إلا بدليل أو أنطق إلا بحجة. إذ الخطب جليل والناقد بصير وهذا الأمر دين.
_________
(١) مقدمة موضح الأوهام للخطيب البغدادى (١/ ٥)
1 / 8
وهذا شرطى فيما أكتب وحسب امرئ أن ينتهى إلى ما سمع.
ولم أذكر فى صفة علاج الحسد مجربات ولا أذكار مبتدعات بل ولا ما ورد بسند ضعيف أو شديد الضعف فضلا عن الموضوع الساقط وإنما آثرت أن أورد ما ثبت عن النبى ﷺ وعن سلف الأمة ألحقنا الله بهم وما دام فى المسألة أحاديث صحاح ففيها إن شاء الله لباغى الخير غنية ولمعة للمحتاج ورشد للمسترشد والأمر كما جاء عن سفيان الثورى ﵀ قال: إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل. (١)
وقال سعيد بن جبير ﵀: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع. (٢) وأيا ما كان الأمر فى مسألة العلاج بالقرءان والرقى والدعوات. هل الأصل فيها التجربة -وهذا باب واسع جدا - أو التوقف شأن بقية العبادات والسنن. فلا ريب أن اتباع السنة أولى بكثير من الخضوع لأمور مجربات ذلك أن النبى محمد ﷺ أعلمنا بالله وأعرفنا به وأتقانا له فما من خير إلا وقد دلّنا عليه وخير الهدى هديه ﷺ. وفى النفس من جهة التجربة فى باب العلاج شئ. وقد روينا عن النبى ﷺ أنه قال "إذا حاك فى نفسك شئ فدعه" (٣) فمن لم يرض منا بهذا فليرض بذكر الفاضل فى العلاج دون المفضول -وهذا عين الإنصاف - على الرغم من أنى لا أتبنى مذهب المجربات فى مسألة العلاج بالرقى وإنما العلاج بما جرب وعرف منفعته
_________
(١) صحيح: أخرجه أبو الفضل المقرئ فى ذم الكلام وأهله (٣٢٨) ط دار أطلس للنشر والتوزيع - الرياض. ولفظه: ينبغي للرجل أن لا يحك رأسه إلا بأثر.
والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع برقم (١٧٤) والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء (١/ ١٠٩) من طرق عن أحمد بن محمد بن مسروق سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت ثابت بن محمد يقول سمعت سفيان الثورى يقول .. ولفظ السمعانى: يجب على الرجل.
(٢) صحيح: أخرجه مسلم. ح (٢٢٠).
(٣) حسن: أخرجه أحمد فى المسند (٢١٦٦٢ - ٢١٦٩٥) والحاكم فى المستدرك. من طريق يحيى بن أبى كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن أبى أمامة يرفعه .. وهؤلاء رجال مسلم وصححه الألبانى ﵀ فى السلسة الصحيحة (٥٥٠)
1 / 9
يكون فى العاديات المحضة أما مسألتنا فهى من الأمور العادية التعبدية فلو كانت عادية محضة لكان القول فيها للعلاج المجرب إذ الناس أعلم بأمور دنياهم ولعل هذا هو محز الخلاف وأنا والله أخشى على من يدع السنة إلى الشئ المجرب أن يدخل فى وعيد النبى ﷺ حيث قال .. فمن رغب عن سنتى فليس منى (١) وفى هذه المسألة كذا وكذا حديثا. لست أدع ذلك كله لذكر استحسنوه أو أمر جربوه.
مع العلم بأن النبى ﷺ أوتى جوامع الكلم وفواتحه والدعاء بالمأثور لا شك أنفع وتجد من النور على الدعاء المأثور عنه ﷺ ما لا تجد على كل من جاء بعده ﷺ قال الشافعى ﵀: أجمع المسلمون على أن من استبانت له السنة لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس. (٢) والكلام على هذا الأصل يحتمل البسط فى مجلدات. وإنما أشرت إليه أدنى إشارة يعلم منها المقصود ولعلى أشبعته بحثا فى غير هذا الموضع. وأشرع الآن فى ذكر ما كنت سطرته فى مسألة الحسد وعلاجه وبالله التوفيق.
_________
(١) متفق عليه: من حديث أنس بن مالك يرفعه رواه البخارى (٥٠٦٣) ومسلم ..
(٢) وانظر اعلام الموقعين لابن القيم (٢/ ٢٨٣)
1 / 10
الحسد هو مصطلح على معنى معين عند الناس قد يتفق مع المعنى اللغوى وقد يفترق ولبيان هذا أذكر أمورا دائرة فى معنى الحسد لكن بينها بعض الفروق من جهة الأصل والنتائج والكيفية والجهة الواقعة منها وهى الحسد والعين والغبطة والأضم والغل والحقد.
تعريف الحسد
هو تمنى ملك الشئ المستحسن مع تمنى زوال الشئ من الغير يعنى من صاحبه. ويحصل الحسد برؤية الشئ غالبا وقد يقع من غير رؤية. ولا يكون الحسد إلا من نفس شريرة - مسلمة أوغير ذلك - ولما كانت رؤية الشئ مصاحبة للحسد ارتبط الحسد بالعين فقيل للمحسود أصابته عين وفى الحديث الصحيح "العين حق "متفق عليه. ولا يذكر الحسد إلا والذم لازم له لما يلحق المحسود من أضرار أو فساد بقدر ما فى نفس الحاسد من شر على ما قدره الله تعالى له.
قال ابن منظور: الحسد معروف حسده يحسده إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما هو وترى اللبيب محسدا لم يجترمشتم الرجال وعرضه مشتوم قال الجوهرى: الحسد أن تتمنى زوال نعمة المحسود إليك. اهـ (١)
وقال الفيروزآبادى: حسده تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما وهو حاسد من حسد وحساد وحسدة وحسود من حسد وحسدنى الله إن كنت أحسدك أي عاقبنى على الحسد وتحاسدوا حسد بعضهم بعضا. اهـ (٢)
وقال فى المصباح المنير: حسدته على النعمة وحسدته النعمة حسدا بفتح السين أكثر من سكونها يتعدى إلى الثاني بنفسه وبالحرف إذا كرهتها عنده وتمنيت زوالها عنه وأما الحسد على الشجاعة ونحو ذلك فهو الغبطة وفيه معنى التعجب وليس فيه تمني زوال ذلك عن المحسود فإن تمناه فهو القسم الأول وهو حرام والفاعل
_________
(١) اللسان (٣/ ١٤٨)
(٢) القاموس المحيط (١/ ٣٥٣)
1 / 11
حاسد وحسود والجمع حساد وحسده. (١)
واعلم أن الحسد من أمراض القلوب نعوذ بالله من ذلك وأصله من الغضب والحقد وعدم الرضا بالقضاء والقدر والرزق وهو يفسد ذات البين ويضر بالدين ويذهب بالمودة وينشر البغضاء بين المسلمين ويصد عن العمل والذكر والعبادة حتى عده الغزالى من الأسباب المانعة من قيام الليل ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تعريف الأضم
إذا تمنى الرجل (أو المرأة أو الصبى سواء كانوا من الإنس أو من الجن) حصول النعمة له وزوالها من الغير من غير أن يضر ذلك بالمحسود يعنى لا يضر كما يضر الحسد ولا يقع هذا فهو الأضم وهذا من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده ومن دفعه للقضاء السئ عن العباد فلو أنفذ الله تعالى كل حسد لخربت الدنيا وفسدت معايش الناس ولا حولا ولا قوة إلا بالله.
قال فى العين: الأضم الحسد والحقد في القلب لا يقدر على أن يمضيه. اهـ (٢)
والأضم لايؤثر كالعين وإن كان هو منها لكن هو أشبه بالحقد الحامل على الكبر وبطر الحق وغمط الناس كالذى يكون بين الأقران فى كل عمل ومكان كطلبة العلم يحمل بعضهم الحسد على تسفيه الآخر وانتقاص قدره وهضم حقه والتهوين من أمره والإستخفاف بمكانته وربما النيل من عرضه بسسبب مقالة أو رأى ونحو ذلك وهذا ليس من الغبطة المحمودة التى وردت فى الحديث ولا هى أيضا من العين التى تضر بل هى من قراع الأقران وجدالهم مما هو ظاهر معلوم والله تعالى أعلم. ومنه قول الشاعر:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالناس أعداء لهم وخصومُ
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... ظلمًا وزورًا إنه لذميمُ
_________
(١) المصباح المنير (١/ ١٣٥)
(٢) العين (٧/ ٧٢)
1 / 12
ومنه أيضا قول بعضهم:
لولا التخوف للعواقب لم تزل ... للحاسد النعمى على المحسود
وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ماكان يعرف طيب عرف العود
تعريف الغبطة
هى تمنى حصول النعمة للعبد مع عدم تمنى زوالها من صاحبها ولا تكون إلا فى الفضائل والأمور المستحسنة فى الشريعة كالقراءة والعلم والشجاعة والقوة وكثرة الصدقة والإنفاق فى سبيل الله ..
قال ابن منظور: والغبط أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنى زوالها عنه. اهـ (١) وقال أيضا: غبطه، حسده وقيل الحسد أن تتمنى نعمته على أن تتحول عنه والغبطة أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها ولا أن تتحول عنه وليس بحسد. (٢)
وقال فى المصباح المنير: الغبطة حسن الحال وهي اسم من غبطته غبطا من باب ضرب إذا تمنيت مثل ما ناله من غير أن تريد زواله عنه لما أعجبك منه وعظم عندك وفى حديث " أقوم مقاما يغبطني فيه الأولون والآخرون ". وهذا جائز فإنه ليس بحسد فإن تمنيت زواله فهو الحسد. اهـ (٣)
وقال الأصفهانى: فمجرد تمني مثل خير يصل إلى غيره فهو غبطة، وإن زاد على التمنى بالسعى لبلوغ مثل ذلك الخير أو ما فوقه فمنافسة. (٤)
تعريف الغل والحقد
الغل والحقد من مرادفات الحسد ولها نفس المعنى وإن كانت هى المقدمة للحسد فهى بدايته والحسد يقع لها فى النهاية وهى أمور متلازمة فلا يقع الحسد
_________
(١) اللسان (٣/ ١٤٩)
(٢) اللسان (٧/ ٣٥٩)
(٣) المصباح المنير (٢/ ٤٤٢)
(٤) الذريعة إلى مكارم الشريعة ص (١٤٤)
1 / 13
من غير حقد ولا ينتج الحقد غير الحسد والواقع يشهد بذلك ولا يقولن قائل قد يستشكل ههنا أن يحسد الرجل رغما عنه ولا يحقد كالذى يحسد ماله وولده وقريبه فنقول هذه عين وليست بحسد والله تعالى أعلم قال ابن منظور: والغل بالكسر والغليل الغش والعداوة والضغن والحقد والحسد وفي التنزيل العزيز: ونزعنا ما في صدورهم من غل. قال الزجاج حقيقته والله أعلم أنه لا يحسد بعض أهل الجنة بعضا في علو المرتبة لأن الحسد غل. (١)
تعريف العين
العين هى وقوع الحسد بالقوة التى أودعها الله تعالى فى بعض أعين عباده من غير حقد وتكون من رجل صالح ليست نفسه بالخبيثة فهذا لايقال فيه حاسد وإنما هو عائن. وإن جاز الأول تعميما لكن التفصيل أصح ومنه قصة عامر بن ربيعة رضى الله عنه لما حسد سهل بن حنيف رضى الله عنه وقدر الله تعالى أن تقع مثل هذه القصة فى الزمن الأول لنستفيد من أحكامها مع ما كان يسود مجتمع الصحابة رضى الله عنهم من أخوة وحب ومودة وإيثار ما عهدناها فى عصر بعدهم.
هل هناك فرق بين الحسد والعين أو هما سواء؟
نعم هناك فرق بينهما وإن اتفق تأثيرهما. فقد اشتهر عند الناس ذم الحسد والحاسد -وهذا صحيح - ومعلوم أن الحسد إنما يقع من نفس حاسدة. لكن قد صح فى السنة أن العين قد تقع من الرجل الصالح كما حدث مع عامر بن ربيعة لما رأى سهل بن حنيف الأنصارى رضى الله عنهمافوعك سهل واشتد به فهل هذا يقدح فى عامر رضى الله عنه؟ اللهم لا. وإنما كان عليه أن يدعو لسهل رضى الله عنه بالبركة لما رأى منه ما أعجبه.
فمن هنا كان فى المسألة تفصيل لا ينفك عن فهم المسألة ووهم من سوى بينهما.
_________
(١) اللسان (١١/ ٤٩٩)
1 / 14
فالحسد مغاير للعين. وما يهمنا من الفرق بينهما هو أن الحسد يقع من نفس حاقدة. والعين قد تقع من الرجل الصالح. وليس فى العين تمن زوال النعمة من الغير. والله أعلم وأنت تجد أن الله ﷿ لما ذكر الحاسد فى كتابه ذكره مقرونا بالشر فقال تعالى ﴿ومن شر حاسد إذا حسد﴾
لكن لما ذكر النبى ﷺ العين ذكر تأثيرها وحدوثها ونبه على الغفلة التى تلحق العائن إذا رأى ما يعجبه فأمر هـ بالدعاء بالبركة. وإن كان فيها أذى.
ومجمل القول فى الفرق بين العين والحسد أن:
* الحاسد أعم من العائن. فالعائن حاسد خاص -إن صح التعبير - فكل حاسد عائن. وليس كل عائن حاسدا. ولذلك جاء ذكر الإستعاذة فى سورة الفلق من الحاسد فإذا استعاذ المسلم من شر الحاسد دخل فيه العائن. وهذا من شمول القرءان الكريم وإعجازه وبلاغته. (١)
* الحسد يتأتى عن الحقد والبغض وتمن زوال النعمة أما العين فيكون سببها الإعجاب والاستعظام والاستحسان.
* الحسد والعين يشتركان فى الأثر حيث يسببان ضررا للمعين والمحسود ويختلفان فى المصدر. فمصدر الحسد تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود وتمنى زوالها عنه أما العائن فمصدره انقداح نظرة العين. لذا فقد يصيب من لا يحسده من جماد أو حيوان أو زرع أو مال وربما أصابت عينه نفسه فرؤيته للشئ رؤية تعجب وتحديق مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر فى المعين.
* الحاسد يمكن أن يحسد فى الأمر المتوقع قبل وقوعه بينما العائن لا يعين إلا الموجود بالفعل.
_________
(١) راجع زاد المعاد لابن القيم (٣/ ١٧٤) ط المنار. ورسالة العين حق لأحمد بن عبد الرحمن الشميمرى. ص (٢٨).
1 / 15
* لا يحسد الإنسان نفسه ولكن قد يعينها.
* لا يقع الحسد إلا من نفس خبيثة حاقدة. ولكن العين قد تقع من رجل صالح من جهة إعجابه بالشئ دون إرادة منه إلى زواله. كما حدث من عامر رضى الله عنه فهو من السابقين إلى الإسلام شهد بدرا. وناهيك بفضل الصحبة. أنعم به وأكرم.
وممن فرق بين العين والحسد. ابن الجوزى والنووى وابن القيم وابن حجر العسقلانى، وغيرهم. ﵏ جميعا. (١)
_________
(١) راجع الصارم البتار لوحيد عبد السلام بالى ص (١٣١) ط مكتبة الصحابة - جدة.
1 / 16
الأدلة على تأثير العين فى المحسود:
أولا: من القرآن الكريم
قال تعالى عن اليهود ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ البقرة (٨٩ - ٩٠)
فبين الله تعالى أن اليهود حملهم الحسد والبغى على الكفر برسالة النبى ﷺ لأنهم كانوا يرون أن النبوة ستكون فيهم وسيقاتلون مع النبى ﷺ فيغلبون الذين كفروا فلما جاءت النبوة كما عرفوا لكنها كانت النبوة فى العرب حسدوهم فلم يؤمنوا. فالآية حجة فى إثبات الحسد وبيان سوء عاقبته. قال أبوعبيد القاسم بن سلام: (بغيا) حسدا بلغة تميم. (١)
وقال القرطبى: قوله تعالى: ﴿بَغْيًا﴾ معناه حسدًا قاله قتادة والسّدّى، وهو مفعول من أجله، وهو على الحقيقة مصدر. الأصمعيّ: وهو مأخوذ من قولهم: قد بَغَى الجرح إذا فسد. وقيل: أصله الطلب، ولذلك سُمّيت الزانية بَغِيّا. ﴿أَن يُنَزّلُ اللهُ﴾ في موضع نصب أى لأن ينزّل، أي لأجل إنزال الله الفضل على نبيّه ﷺ. وقرأ ابن كَثير وأبو عمرو ويعقوب وابن مُحَيْصِن «أن يُنْزِل» مخفّفًا، وكذلك سائر ما في القرآن، إلا «وَمَا نُنَزّلُه» في «الحجر»، وفي «الأنعام» «عَلَى أنْ يُنَزّلَ آيةً».اهـ (٢)
_________
(١) رسالة لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم - سورة البقرة -
(٢) الجامع لأحكام القرءان عند تفسير الآية.
1 / 17
* وقال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة - ١٠٩).
قال الحافظ ابن كثير الدمشقى ﵀: يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك الكفار من أهل الكتاب ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم. اهـ (١)
وقال ابن تيميه ﵀ فى هذه الآية: فذم اليهود على ما حسدوا المؤمنين على الهدى والعلم. وقد يبتلى بعض المنتسبين إلى العلم وغيرهم بنوع من الحسد لمن هداه الله بعلم نافع أو عمل صالح، وهو خلق مذموم مطلقا وهو في هذا الموضع من أخلاق المغضوب عليهم. (٢)
وقال الشيخ العثيمين ﵀: من فوائد الآية: بيان شدة عداوة اليهود، والنصارى للأمة الإسلامية؛ وجه ذلك أن كثيرًا منهم يودون أن يردوا المسلمين كفارًا حسدًا من عند أنفسهم ..
ومنها: أن الحسد من صفات اليهود، والنصارى.
ومنها: تحريم الحسد؛ لأن مشابهة الكفار بأخلاقهم محرمة؛ لقول النبي ﷺ: "من تشبه بقوم فهو منهم"؛ واعلم أن الواجب على المرء إذا رأى أن الله أنعم على غيره نعمة أن يسأل الله من فضله، ولا يكره ما أنعم الله به على الآخرين، أو يتمنى زواله؛ لقوله تعالى: ﴿ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله﴾ [النساء: ٣٢]؛ والحاسد لا يزداد بحسده إلا نارًا تتلظى في جوفه؛ وكلما ازدادت نعمة الله على عباده ازداد حسرة؛ فهو مع كونه كارهًا لنعمة الله على هذا الغير مضاد لله في حكمه؛ لأنه يكره
_________
(١) تفسير القرآن العظيم عند تفسير الأية.
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ٧٠، ٧١).
1 / 18
أن ينعم الله على هذا المحسود؛ ثم إن الحاسد أو الحسود. مهما أعطاه الله من نعمة لا يرى لله فضلًا فيها؛ لأنه لابد أن يرى في غيره نعمة أكثر مما أنعم الله به عليه، فيحتقر النعمة؛ حتى لو فرضنا أنه تميز بأموال كثيرة، وجاء إنسان تاجر، وكسب مكسبًا كبيرًا في سلعة معينة تجد هذا الحاسد يحسده على هذا المكسب بينما عنده ملايين كثيرة؛ وكذلك أيضًا بالنسبة للعلم: بعض الحاسدين إذا برز أحد في مسألة من مسائل العلم تجده. وإن كان أعلم منه. يحسده على ما برز به؛ وهذا يستلزم أن يحتقر نعمة الله عليه؛ فالحسد أمره عظيم، وعاقبته وخيمة؛ والناس في خير، والحسود في شر: يتتبع نعم الله على العباد؛ وكلما رأى نعمة صارت جمرة في قلبه؛ ولو لم يكن من خُلُق الحسد إلا أنه من صفات اليهود لكان كافيًا في النفور منه ..
ومن فوائد الآية: علم اليهود، والنصارى أن الإسلام منقبة عظيمة لمتبعه؛ لقوله تعالى: ﴿حسدًا﴾؛ لأن الإنسان لا يحسد إلا على شيء يكون خيرًا، ومنقبة؛ ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم﴾ [البقرة: ١٠٥] .. ومنها: بيان خبث طوية هؤلاء الذين يودون لنا الكفر؛ لقوله تعالى: ﴿من عند أنفسهم﴾؛ ليس من كتاب، ولا من إساءة المسلمين إليهم؛ ولكنه من عند أنفسهم: أنفس خبيثة تود الكفر للمسلمين حسدا. اهـ (١)
أقول: وقد يستشكل هنا أن الله تعالى مدح التنافس فى الخير فقال تعالى ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾. وقال النبى ﷺ " لا حَسدَ إلا في اثنتين رجلٍ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليلِ وآناء النهارِ ورجلٍ آتاه الله مالًا فهن ينفقه آناء الليلِ وآناء النهارِ ". وترجم عليه البخارى " باب الاغتباط في العلم والحكمة " فكيف يذم الله تعالى فعل اليهود ويسوقه فى معرض الإنكار مع أنهم حسدوا المسلمين على الخير
_________
(١) تفسير سورة البقرة المجلد الأول عند تفسير الآية.
1 / 19
والإسلام والحسد فى الخير مشروع؟
فنقول: إن الحسد أو الغبطة هنا معناها تمنى النعمة وهى الإسلام أو العلم أو العمل الصالح مع عدم رجاء زوالها من صاحبها فهى بهذا القيد ممدوحة لكن هذا الشرط منعدم عند اليهود فهم يتمنون زوال نعمة الإسلام عن المسلمين ويتمنون أن لو لم تكن النبوة فى العرب أصلا بدليل قوله تعالى ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا﴾ فهم يتمنون ردتهم ﷿ الإسلام والعياذ بالله وهذا القيد فاصل بين الغبطة المحمودة والحسد المذموم. والله تعالى أعلم.
* ... وقال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءاتاهمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وءاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ (النساء - الآية ٥٤) قال ابن كثير: يعني بذلك حسدهم النبى ﷺ على ما رزقه الله النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل. اهـ (١)
* وقال تعالى: ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الأخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة - الآية ٢٧).
قال ابن كثير: يقول تعالى مبينا عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم لصلبه في قول الجمهور وهما قابيل وهابيل كيف عدا أحدهما على الآخر فقتله بغيا عليه وحسدا له فيما وهبه الله من النعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله ﷿ ففاز المقتول بوضع الآثام والدخول إلى الجنة وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين. اهـ (٢)
* وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ. قَالَ يَابُنَىَّ لا تَقْصُصْ رء يَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (سورة يوسف ﵇ الآيتان ٤ - ٥).
_________
(١) تفسير القرآن العظيم عندتفسير الأية.
(٢) تفسير القرآن العظيم عند تفسير الأية
1 / 20
قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قص عليه ما رأى من هذه الرؤيا التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيما زائدا بحيث يخرون له ساجدين إجلالا واحتراما وإكراما فخشي يعقوب ﵇ أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدونه على ذلك فيبغون له الغوائل حسدا منهم له.
ولهذا قال له: (لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا) أى يحتالون لك حيلة يردونك فيها. اهـ (١)
* وقال تعالى: ﴿وَقَالَ يَبَنِيّ لاَ تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مّتَفَرّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ وَلَمّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِلاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلّمْنَاهُ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾. سورة يوسف ﵇ الآيتان (٦٧ - ٦٨)
قال القرطبى - صاحب التفسير ﵀: لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، وكانت مصر لها أربعة أبواب وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلًا لرَجُل واحد وكانوا أهل جَمال وكمال وبَسْطة قاله ابن عباس والضّحاك وقَتَادة وغيرهم. اهـ (٢)
وقال الحافظ بن كثير ﵀: يقول تعالى إخبارًا عن يعقوب ﵇، إنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر أن لا يدخلوا كلهم من باب واحد، وليدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد إنه: خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، ومنظر وبهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم، فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه، وروى ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله
_________
(١) تفسير القرآن العظيم عند تفسير الآية.
(٢) التفسير الجامع لأحكام القرءان (٤/ ٣٤٥٥) ط الشعب تجليد خاص.
1 / 21