ولما استقر به المجلس جعل يحدثني عن أحزانه وآلامه، وما نكبه الزمان به، حتى نسيت كل أحزاني وآلامي وامتلأ قلبي له رقة ورحمة. ثم قص علي قصة بقرته وقد ولدت منذ ليلة، وكان ابنها عجلا مشوها له صورة القرد وذيل الخنزير وحوافر البغل؛ فأحسست ألما ممضا من الحزن لهذا العجل المسكين، حتى اسودت الدنيا في عيني. ثم تنبهت إلى أن الذي يحدثني إنما هو جاري جمال الدين الذي رأيته يضرب صاحبي البطل الصامت ويشتمه ويسميه حمارا؛ فداخلني الجحود وقلت لنفسي: «وما لي أنا إذا كانت عجول الناس شائهة الخلقة؟ إن هذا لا ينبغي له أن يهمني.»
وقواني ذلك الخاطر، فقلت لجاري في جمود: ليس هذا من شأني، وإن كان لك أن تحزن عليه وتضيق به.
فدهش الحاج جمال الدين وخجل، ولكني بقيت على جمودي وقلت له: أتريد مني شيئا يا سيدي؟ فإنني في حاجة إلى الراحة.
فقال الحاج واتسعت بسمته: ألا تساعدني أيها الجار العزيز؟
فقلت فاترا: إذا كان ذلك في طاقتي.
فقال ولا يزال باسما: لا شك في أنك تستطيع يا سيدي.
ثم طلب إلي أن أعيره «حماري».
هكذا قال، وسمى صاحبي البطل الصامت «حمارا» أمام عيني.
فقلت وقد علا الدم في رأسي: سآخذ رأي «البطل الصامت» أولا.
فقال ضاحكا: «البطل الصامت؟!»
Shafi da ba'a sani ba