وكان يريد الاستمرار فخشيت عليه وصحت به: اخرس، ماذا الوهس وماذا الوحي؟ وما ذلك الذي يداعب ويراود ويحاور؟
فرفع رأسه نحوي وقال متحديا: لقد رأيت الوهس قبل سقوطي في البئر، ومعناه الجري السريع. وأما الوحي فمعناه العجل. وأما الجدار المتملس الذي يداعب يدي فهي عبارة رائعة نقلتها عن الأديب الكبير ...
وأراد المضي في قوله، فصحت به مرة ثانية: دع هذا وقل لي، أين الحبل؟ أين الحبل الذي كان هنا على بكرة البئر؟
فقال في انكسار: هو الذي انقطع بي وأهواني في ثبج ال...
فقاطعته قائلا: قلت لك اخرس.
ثم نظرت حولي فلم أجد شيئا أنقذه به، حتى وقعت عيني على عمامة صاحبي فنزعتها عن رأسه ثم نزعت عمامتي وأخذت ما حولهما من اللفائف، وساعدني صاحبي على برمها حتى صارت كالحبل شدة، ثم دليناها إلى الولد فأمسك بطرفها وتعاونا على رفعه حتى أخرجناه وهو مثل القط الغارق.
وأخذ صديقي لفافته وهو صامت فعصرها ونشرها، وأما أنا فسرت عاري الرأس مع ولدي حتى بلغنا البيت ودفعته إلى أمه قائلا: أصلحي أمره، واعتني به حتى لا يفجع الجيل الجديد في كبير أدبائه.
فنظر إلي الخبيث وهو يرتعد من البرد وكاد يرد علي جوابا لولا أن اصطكاك أسنانه لم يساعده على الكلام.
ورجعت إلى صديقي فوجدته لا يزال يهز أطراف لفافته ليجففها، فداخلني إشفاق عظيم عليه وقلت في حرارة: أشكرك يا صديقي، فلولاك لهلك ولدي.
فقال أبو النور: لم ألاحظ شبهه بك إلا اليوم.
Shafi da ba'a sani ba