Al-Tankeel bima fi Ta'neeb Al-Kawthari min Al-Abateel
التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل - ط المكتب الإسلامي
Mai Buga Littafi
المكتب الإسلامي
Lambar Fassara
الثانية
Shekarar Bugawa
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Nau'ikan
ـ[التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل]ـ
تأليف: العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي اليماني (١٣١٣ - ١٣٦٨)
تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني
الناشر: المكتب الإسلامي
الطبعة الثانية: ١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
عدد الأجزاء: ٢
[الكتاب موافق للمطبوع، ومذيل بالحواشي، ومضاف لخدمة التراجم]
_________
* تضم هذه الطبعة:
- طليعة التنكيل: للمؤلف نفسه
- الكوثري وتعليقاته: محمد بهجة البيطار
- المقابلة بين الهدى والضلال: عبد الرزاق حمزة
_________
* مصدر الكتاب: نشره الشيخ: عبد الرحمن بن عمر الفقيه الغامدي، المشرف العام على ملتقى أهل الحديث
* أعده: أسامة بن الزهراء؛ فريق عمل الموسوعة الشاملة
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونصلي على محمد نبيه ورسوله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فهذه الطبعة الثانية من "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل". أقدمها للقراء بعد العناية المتوجبة لهذا الكتاب القيم، الذي بذل فيه مؤلفه وأساتذتي العلامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي، والعلامة الشيخ عبد الرزاق حمزة، والعلامة الشيخ محمد بهجة البيطار، والمحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ما بذلوا فيه من جهد، مضيفًا إلى جهدهم الكريم بعض التيسير والتعليق والإضافة، مع إعادة صف الكتاب بحروف جديدة واضحة، وتصحيح وترتيب يتناسب والأهمية التي يستحقها.
وقد قدمت "طليعة التنكيل" ثم "الكوثري وتعليقاته: ثم "المقابلة بين الهدى والضلال " بعد حذف مقدمتها، ثم " ترجمة المعلمي "، ثم " مقدمة الألباني" وجعلت الفهرس في آخر الكتاب. وقد استللت منه "القائد إلى تصحيح العقائد" وأفردته بالطبع. لأنه بحث خاص، وعمل غير مرتبط بما سبق.
والله أسأل أن يحسن مثوبة الجميع وأن يتغمد برحمته فاضل الحجاز، وعين أعيان جدة الشيخ محمد بن حسين نصيف الذي كان له الفضل في الطبعة الأولى، وأن يتغمدنا جميعًا برحمته، والحمد لله رب العالمين.
زهير الشاويش
طليعة التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل الطبعة الثانية تأليف: العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي اليماني علق عليه: محمد ناصر الدين الألباني الجزء الأول المكتب الإسلامي
طليعة التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل الطبعة الثانية تأليف: العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي اليماني علق عليه: محمد ناصر الدين الألباني الجزء الأول المكتب الإسلامي
1 / 5
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإني وقفت على كتاب (تأنيب الخطيب) للأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري، الذي تعقب فيه ما ذكره الحافظ المحدث الخطيب البغدادي في ترجمة الإمام أبي حنيفة من (تاريخ بغداد) (١) من الروايات عن الماضين في الغض من أبي حنيفة، فرأيت الأستاذ تعدى ما يوافقه عليه أهل العلم من توقير أبي حنيفة وحسن الذب عنه - إلى ما لا يرضاه عالم متثبت من المغالطات المضادة للأمانة العلمية، ومن التخليط في القواعد، والطعن في أئمة السنة ونقلتها، حتى / تناول بعض أفاضل الصحابة والتابعين والأئمة الثلاثة مالكًا والشافعي وأحمد وأضرابهم وكبار أئمة الحديث وثقات نقلته والرد لأحاديث صحيحة ثابتة، والعيب للعقيدة السلفية، فأساء في ذلك جدًا حتى إلى الإمام أبي حنيفة نفسه، فإن من لا يزعم أنه لا يتأتى الدفاع عن أبي حنيفة إلا بمثل ذلك الصنيع فساء ما يثني عليه (٢) .
فدعاني ذلك إلى تعقيب الأستاذ فيما تعدى فيه، فجمعت في ذلك كتابًا أسميته (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل)، ورتبته على أربعة أقسام:
_________
(١) انظر " تاريخ بغداد "
(٢) كذا الأصل، وفي الطبعة الأولى «بمثل الطعن في هؤلاء الأكابر فقد فضح وأساء إلى من يريد الذب عنه بسوء صنيعه» .
1 / 9
(القسم الأول) في تحرير القواعد التي خلط فيها.
(الثاني) في تراجم الأئمة والرواة الذين طعن فيهم وهم نحو ثلاثمائة فيهم أنس بن مالك ﵁، وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام، والأئمة الثلاثة، وفيهم الخطيب، وأدرجت في ذلك تراجم أفراد مطعون فيهم حاول توثيقهم، ورتبت التراجم على الحروف المعجمة.
(الثالث) في الفقهيات، وهي مسائل انتقدت على أبي حنيفة وأصحابه، حاول الأستاذ الانتصار لمذهبه.
(الرابع) في الاعتقاديات ذكرت فيه الحجة الواضحة لصحة عقيدة أئمة الحديث إجمالًا. وعدة مسائل تعرض لها الأستاذ، ولم أقتصر على مقصود التعقب، بل حرصت على أن يكون الكتاب جامعًا لفوائد غزيرة في علوم السنة مما يعين على التبحر والتحقيق فيها.
وحرصت على توخي الحق والعدل، واجتناب ما كرهته للأستاذ، خلا أن إفراطه في إساءة القول في الأئمة جرأني على أن أصرح ببعض ما يقتضيه صنيعه.
وأسأل الله التوفيق لي وله.
والكتاب على وشك التمام (١)، وهذه (طليعة) له أعجلها للقراء شرحت فيها من مغالطات الأستاذ ومجازفاته، وذلك أنواع.
- ١ -
فمن أوابده تبديل الرواة، يتكلم في الأسانيد التي يسوقها الخطيب طاعنًا في رجالها واحدًا واحدًا، فيمر به الرجل الثقة الذي لا يجد فيه طعنًا مقبولًا فيفتش الأستاذ عن رجل آخر يوافق ذلك الثقة في الاسم واسم / الأب ويكون مقدوحًا فيه، فإذا ظفر به
_________
(١) قلت: قد تم والحمد لله وقد وفق الله فضيلة الشيخ محمد نصيف وشركاءه للسعي لنشره، والانفاق على طبعه جزاهم الله خيرًا، وهو الذي يلي " الطليعة ". ن
«وكم للشيخ نصيف تغمده الله برحمته من سعي ومشاركة في سبل الخير ونشر الحق ورد العدوان عن السلفية والإسلام -زهير-»
1 / 10
زعم أنه هو الذي في السند (١) .
فمن أمثلة ذلك:
١، ٢ - صالح بن أحمد، ومحمد بن أيوب. قال الخطيب في (التاريخ) (ج ١٣ ص٣٩٤) «أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمذان حدثنا صالح بن أحمد التميمي الحافظ حدثنا القاسم بن أبي صالح حدثنا محمد بن أيوب أخبرنا إبراهيم بن بشار قال سمعت سفيان ابن عيينة ... .» .
تكلم الأستاذ في هذه الرواية ص٩٧ من (التأنيب) فقال: (في سنده صالح بن أحمد التميمي، وهو ابن أبي مقاتل القيراطي هروي الأصل، ذكر الخطيب عن ابن حبان أنه كان يسرق الحديث ... والقاسم بن أبي صالح الحذاء ذهبت كتبه بعد الفتنة، فكان يقرأ من كتب الناس وكف بصره كما قاله العراقي، ونقله ابن حجر في (لسان الميزان)، ومحمد بن أيوب ابن هشام الرازي كذبه أبو حاتم، ولا أدري كيف يسوق الخطيب مثل ذلك الخبر بمثل السند المذكور، ولعل الله سبحانه طمس بصيرته ليفضحه فيما يدعي / أنه المحفوظ عند النقلة بخذلانه المكشوف في كل خطوة.
(أقول) أما صالح فهو صالح بن أحمد، وهو موصوف في السند نفسه بأنه:
(١) تميمي
(٢) وحافظ
(٣) ويظهر أنه همذاني لأن شيخه والراوي عنه همذانيان.
(٤) ويروي عن القاسم بن أبي صالح.
(٥) ويروي عنه محمد بن عيسى بن عبد العزيز.
_________
(١) وقع له هذا في "تأنيبه" في اثني عشر موضعا أو أكثر كلها ترويج رأيه، ولم يقع له فيما يخالف رأيه موضع واحد، وهكذا في الضروب الأخرى، فمن السخرية بعقول الناس أن يقال أخطأ ووهم!
«وهذا كان من الكوثري في عدد من الكتب أيضا مثل "ذيول تذكرة الحفاظ" ص ١٥/١٢٧ و٣٥٨ فإنه بدل ابن الواني المؤذن الدمشقي المشهور إلى "اللواتي البربري" ليصل إلى الطعن بابن تيمية انظر "الرد الوافر" الترجمة (٥) بتحقيقى -زهير-»
1 / 11
(٦) وينبغي بمقتضى العادة أن يكون توفي بعد القاسم بمدة.
(٧) وينبغي بمقتضى العادة أن لا يكون بين وفاته ووفاة الراوي عنه مدة طويلة مما يندر مثله.
وهذه الأوجه كلها منتفية في حق القيراطي، فلم يوصف بأنه تميمي، ولا بأنه حافظ وإن قيل كان يذكر بالحفظ، فإن هذا لا يستلزم أن يطلق عليه لقب (الحافظ)، ولم يذكر أنه همذاني، بل ذكروا أنه هروي الأصل سكن بغداد (١) ولم تذكر له رواية عن القاسم (٢) ولا لمحمد بن عبد العزيز رواية عنه، (٣) «والظاهر أنه جيءَ به إلى بغداد طفلًا، أو ولد بها، فإن في ترجمته من (تاريخ بغداد) ذكر جماعة من شيوخه وكلهم عراقيون من أهل بغداد والبصرة ونواحيها، أو ممن ورد على بغداد، وسماعه منه قديم، فمن شيوخه البغداديين يعقوب الدروقي المتوفى سنة ٢٥٢ (٤)، ويوسف بن موسى القطان المتوفى ٢٥٣، ومن البصريين محمد بن يحيى بن أبي حزم القِطَعي المتوفى سنة ٢٥٣، وصرح الخطيب في ترجمة فضلك الرازي بأن ابن أبي مقاتل بغدادي فلا شأن له من جهة السماع بهمذان ولا بهراة» . (٥) وكانت وفاته سنة ٣١٦هـ، أي قبل وفاة القاسم باثنتين وعشرين سنة، وقبل وفاة محمد بن عيسى بن عبد العزيز بمائة وأربع عشرة سنة.
/ ومن اطلع على (التأنيب) وغيره من مؤلفات الأستاذ علم أنه لم يؤت من جهل بطريق الكشف عن تراجم الرجال الواقعين في الأسانيد، ومعرفة كيف يعلم انطباق
_________
(١) بل هو بغدادي، صرح به الخطيب ١٢/٣٦٧، وشيوخه عراقيون أو وافدون إلى العراق.
(٢) والقيراطي متهم بسرقة الحديث؛ وإنما يحمله على ذلك ترفعه أن يروي عن أقرانه فمن دونهم، وشيوخه توفوا سنة ٢٥٢ أو نحوه وأقدم شيخ سمي القاسم توفي سنة ٢٧٧، وشيخه في هذه الحكاية توفي سنة ٢٩٤، فكيف يروي سارق الحديث عن أصغر منه بنحو خمس عشر سنة عن أصغر من شيوخ السارق بنحو أربعين سنة؟
(٣) بل لم يدركه، فإن شيوخ محمد توفوا سنة ٣٧٥ فما بعدها إلا واحدًا منهم يظهر أنه توفي قبلها بقليل، وذلك بعد وفاة القيراطي بنحو ستين سنة.
(٤) زيادة استدركها المصنف ﵀ فيما يأتي من «التنكيل» (١/٢٧١) أمر أن تزاد هنا. ن
1 / 12
الترجمة على المذكور في السند من عدم انطباقها، ولا من بخل بالوقت ولا سآمة للتفتيش، فلا بد أن يكون قد عرف أكثر هذه الوجوه إن لم نقل جميعها وبذلك علم لا محالة أن صالح بن أحمد الواقع في السند ليس بالقيراطي فيحمله ذلك على مواصلة البحث، فيجد في (تاريخ بغداد) نفسه في الصفحة اليسرى التي تلت الصفحة التي فيها ترجمة القيراطي، وقد نقل الكوثري عنها، سيجد ثمة رجلًا آخر صالحًا «صالح بن أحمد بن محمد أبو الفضل التميمي الهمذاني قدم بغداد وحدث بها عن ... والقاسم بن بندار (وهو القاسم بن أبي صالح كما في ترجمته من (لسان الميزان)، وقد نقل الأستاذ عنها) ... وكان حافظًا فهمًا ثقة ثبتًا ...» . ولهذا الحافظ ترجمة في (تذكرة الحفاظ) ج٣ ص١٨١ وفيها في أسماء شيوخه «القاسم بن أبي صالح» وفيها ثناء أهل العلم عليه، وفيها أن وفاته سنة ٣٨٤، وذكره / ابن السمعاني في (الأنساب) الورقة ٥٩٢، وذكر في الرواة عنه أبا الفضل محمد بن عيسى البزاز، وإذا كانت وفاة هذا الحافظ سنة ٣٨٤ فهي متأخرة عن وفاة القاسم بست وأربعين سنة، ومثل هذا يكثر في العادة في الفرق بين وفاة الرجل ووفاة شيخه ووفاة الراوي عنه، فاتضح يقينًا أن هذا الحافظ الفهم الثقة الثابت هو الواقع في السند.
وقد عرف الكوثري هذا حق معرفته، والدليل على ذلك:
أولًا: ما عرفناه من معرفته وتيقظه.
ثانيًا: أن ترجمة التميمي قريبة من ترجمة القيراطي التي طالعها الكوثري.
ثالثًا: أن من عادة الكوثري، كما يعلم من (التأنيب)، أنه عندما يريد القدح في الراوي يتتبع التراجم التي فيها ذلك الاسم واسم الأب فيما تصل إليه يده من الكتب، ولا يكاد يقنع بترجمة فيها قدح، لطمعه أن يجد أخرى فيها قدح أشفى لغيظه.
/ رابعًا: في عبارة الكوثري «والقاسم بن أبي صالح الحذاء ذهبت كتبه بعد الفتنة،
1 / 13
وكان يقرأ من كتب الناس وكف بصره، قاله العراقي، ونقله ابن حجر في (لسان الميزان)» .
والذي في (لسان الميزان) جزء ٤ ص٤٦٠:
«(ز) - قاسم بن أبي صالح بندار الحذاء ... روى عنه إبراهيم بن محمد بن يعقوب وصالح بن أحمد الحافظ ... قال صالح كان صدوقًا متقنًا لحديثه وكتبه صحاح بخطه، فلما وقعت الفتنة ذهبت عنه كتبه فكأن يقرأ من كتب الناس وكف بصره، وسماع المتقدمين عنه أصح» .
وحرف (ز) أول الترجمة إشارة إلى أنها من زيادة ابن حجر. وكما نبه عليه في خطبة (اللسان)، وذكر هناك أن لشيخه العراقي ذيلًا على الميزان، وأنه إذا أراد ترجمة في (اللسان) فما كان من ذيل شيخه العراقي جعل في أول الترجمة حرف (ذ) وما كان من غيره جعل حرف (ز) فعلم من هذا أن ترجمة القاسم من زيادة ابن حجر نفسه لا من ذيل العراقي.
وهب أن الكوثري وهم في هذا، فالمقصود هنا أن الذي في الترجمة من الكلام في القاسم هو من كلام الراوي / عنه صالح بن أحمد الحافظ، فلماذا دلس الكوثري النقل وحرفه ونسبه إلى العراقي؟
الجواب واضح، وهو أن الكوثري خشي إن نسب الكلام إلى صالح بن أحمد الحافظ أن ينتبه القارئ فيفهم أن صالح بن أحمد الحافظ هذا هو في الواقع في سند الخطيب وليس هو القيراطي لوجهين:
(الأول) أن القيراطي مطعون فيه، فلم يكن الحفاظ ليعتدوا بكلامه في القاسم، وكذلك الكوثري لم يكن ليعتد بكلام القيراطي.
(الثاني) أن كلام صالح في الترجمة يدل أنه تأخر بعد القاسم، والقيراطي توفي قبل القاسم باثنتين وعشرين سنة، وبهذا يتبين أن الكلام في القاسم لا يضره بالنسبة إلى رواية الخطيب، لأنها من رواية صالح بن أحمد الحافظ نفسه عنه وهو المتكلم فيه، فلم يكن ليروي عنه إلا ما سمعه منه من أصوله قبل ذهابها، فأعرض الكوثري لهذين
1 / 14
الغرضين عن صالح بن أحمد الحافظ، ونسب كلامه إلى العراقي وحذف من العبارة ما فيه ثناء على القاسم، وهذه / عادة له ستأتي أمثلة منها إن شاء الله تعالى.
والمقصود هنا إثبات أن الكوثري قد عرف يقينًا أن صالح بن أحمد الواقع في السند ليس هو بالقيراطي، بل هو ذاك الحافظ الفهم الثقة الثبت (١)، ولكن كان الكوثري مضطرًا إلى الطعن في تلك الرواية، ولم يجد في ذاك الحافظ مغمزًا، ووقعت بيده ترجمة القيراطي المطعون فيه وعرف أن هذا الفن أصبح في غاية الغربة فغلب على ظنه أنه إذا زعم أن الواقع في السند هو القيراطي لا يرد ذلك عليه أحد، فأما الله ﵎ فله معه حساب آخر والله المستعان.
وأما محمد بن أيوب فالكوثري يعلم بهذا الاسم في تلك الطبقة، والمراد عند الإطلاق في الرواية هو الحافظ الجليل الثقة الثبت محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس ترجمته في (تذكرة الحفاظ) جزء ٣ صفحة ١٩٥.
وقد احتج الكوثري ص ١١٤ في معارضة ما رواه ابن أبي حاتم عن / أبيه عن ابن أبي سريج بما رواه الخطيب عن البرقاني عن أبي العباس بن حمدان عن محمد بن أيوب عن ابن أبي سريج، وذلك بناء من الكوثري على أن شيخ ابن حمدان هو محمد بن أيوب بن يحيى ابن الضريس لشهرته، هذا مع أنه لا يعرف لابن الضريس رواية عن ابن سريج فأما روايته عن إبراهيم بن بشار فنص عليها المزي في ترجمة إبراهيم من (تهذيبه) قال:
«روى عنه ... ومحمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس» .
_________
(١) وليس من شأن الأستاذ تقليد معظمه ولا لجنته، وقد انتقدهما ص ٥٦ في «تأنيبه» حيث لم يكن له هوى في موافقتهما. المؤلف.
قلت: هذا جواب منه على ما جاء في الترحيل فراجع كلامه والرد عليه بأوسع مما هنا فيما يأتي من التنكيل (١/٢٧٢ - ٢٧٣) . ن
1 / 15
فأما محمد بن أيوب بن هشام فمقل مرغوب عن الرواية عنه، لا تعرف له رواية عن إبراهيم بن بشار ولا للقاسم بن أبي صالح رواية عنه.
فقد بدل الكوثري عمدًا في ذاك السند حافظين جليلين برجلين مطعون فيهما، وصنع ما صنع في شأن القاسم بن أبي صالح، وقد بان أنه ثقة وأن هذه الرواية من صحيح روايته.
ومن العجائب أن الكوثري ارتكب هذه الأباطيل وهو يعلم أن ذلك لا يغني عنه شيئًا، ولو لم تتبين الحقيقة، لأن الأثر ثابت عن إبراهيم بن بشار من غير هذه الطريق، فقد ذكره ابن عبد البر في (الانتقاء) ص ١٤٨ / عن (تاريخ ابن أبي خيثمة) قال: «حدثنا إبراهيم بن بشار ...» و(الانتقاء) تحت نظر الكوثري كل وقت كما يدل عليه كثرة نقله عنه في (التأنيب) .
وأعجب من هذا كله وأغرب قول الكوثري بعد تلك الأفاعيل:
ولا أدري كيف يسوق الخطيب ... ولعل الله سبحانه طمس بصيرته ليفضحه بخلانه المكشوف في كل خطوة» .
وهذا المترجى واقع ولكن بمن؟!
٣- أحمد بن الخليل، قال الخطيب جزء١٣ ص ٣٧٥: «أخبرنا ابن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا أحمد بن الخليل حدثنا عبدة ... ذكر الكوثري هذه الرواية ص٤٦ وقال: أحمد بن الخليل هو البغدادي المعروف بجور توفي سنة ٢٦٠، قال الدارقطني / ضعيف لا يحتج به، وهكذا يكون المحفوظ عند الخطيب.
أقول: الصواب في لقب البغدادي الذي تكلم فيه الدارقطني (حور) بالحاء المهملة كما ضبطه أصحاب (المشتبه) - والذي في (الميزان) و(اللسان) في وفاته (بقي إلى ما بعد الستين ومائتين ولم يذكروا له رواية عن عبدة، ولا ليعقوب بن سفيان رواية عنه، وقد قال يعقوب بن سفيان كما في ترجمة أحمد بن صالح من (تهذيب التهذيب):
1 / 16
كتبت عن ألف شيخ وكسر كلهم ثقات.
وقبل ترجمة (حور) في (تاريخ بغداد) ترجمة رجل آخر هو (أحمد بن الخليل أبو علي التاجر البغدادي ... روى عنه ... ويعقوب بن سفيان) وهذا التاجر له ترجمة في (التهذيب)، وفيها رواية يعقوب بن سفيان عنه، وتوثيق الأئمة له وفيها:
«قلت: لم أر له في أسماء شيوخ النسائي ذكرًا بل الذي فيه أحمد بن الخليل نيسابوري كتبنا عنه لا بأس به، وقد قال الدارقطني: قديم، لم يحدث عنه من البغداديين أحد / وإنما حديثه بخراسان فلعله سكن خراسان» .
أقول: فكأن النسائي نسبه إلى مسكنه - فهذا هو الواقع في سند الخطيب، لأنه هو الذي يروي عنه يعقوب بن سفيان، ولأنه ثقة، ويعقوب كتب عن الثقات، ولأنه سكن خراسان.
وشيخه في السند عبدة، وهو خراساني، ولا ريب أن الكوثري عند تفتيشه عن أحمد ابن الخليل وقف أولًا على ترجمة هذا التاجر وعرف أنه هو الواقع في السند، ولكنه رآه ثقة، وهو بالحاجة إلى الطعن في تلك الرواية فعدل عنه إلى ذاك الضعيف (حور) نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وهكذا تكون الأمانة!
٤- محمد بن جبّويه، قال الخطيب (ج٣ ص ٣٧٠) «جبريل بن محمد المعدل بهمذان حدثنا محمد بن حيويه (كذا) النخاس حدثنا محمود بن غيلان» ذكر الكوثري هذه الرواية ص ٣٤ وقال «في الطبعات الثلاث، حيويه والصحيح جبويه، هو ابن جبويه النخاس الهمذاني وقد كذبه الذهبي في (تلخيص المستدرك) حيث قال في حديث مينا: ابن جبويه / متهم بالكذب» .
وذكر الخطيب جزء ١٣ صفحة ٣٨١ أثرًا آخر بمثل السند المتقدم فقال الكوثري ص ٦٤: «ووقع في الطبعات الثلاث بلفظ حيويه، وهو تصحيف كما سبق، متهم بالكذب،
1 / 17
وقال الذهبي في (مشتبه النسبة) (كذا) (١) ومحمد بن جبويه الهمذاني عن محمود بن غيلان. اهـ. لكن لا يمكن إدراكه لابن غيلان والحبر كذب ملفق» .
(أقول) قول الكوثري «لا يمكن إدراكه لابن غيلان» واضح الدلالة على أنه اطلع على وفاة هذا الرجل، وليست مذكورة في (تلخيص المستدرك) ولا في (المشتبه)، وإنما هي مذكورة في ترجمته من الكتب، إذن فقد اطلع الكوثري على ترجمته، وهذا واضح فإنه يبعد أن يعثر الأستاذ على ما في (تلخيص المستدرك) بدون أن يقف على الترجمة، وهبه عثر على ذلك قبل النظر في الترجمة، فمن عادته أنه لا يشتفي بمثل ذلك الطعن بل يفتش على الترجمة لعله يجد فيها طعنًا أشد من ذلك، وكأنني بالكوثري أول ما نظر في هذا الرجل راجع (الميزان) و(اللسان)، فوجد في الأول بين ترجمتي محمد ابن حنيفة ومحمد بن حيدره «محمد بن حيويه بن المؤمل الكرجي ... / قال الخطيب ...» ووجد في الثاني بين ترجمتي محمد بن حويطب ومحمد بن حيدره كما في الأول، وزاد: وروى أيضًا عن الدبري ... مات سنة ٣٧٣ وأورد له الحاكم في المستدرك حديثًا في مناقب فاطمة. فقال الذهبي: محمد بن حيويه الكرجي متهم بالكذب» ولما وجد الكوثري فيهما «قال الخطيب» راجع (تاريخ بغداد) فوجد فيه ج ٥ ص ٢٣٣ في أواخر الحاء المهملة من أباء المحمدين ترجمة هذا الرجل، ولما وجد في (اللسان) ذكر (المستدرك) راجع فضائل فاطمة ﵍ من المستدرك، فوجد فيه جزء ٣ ص١٦٠ «حدثنا أبو بكر محمد بن حيويه بن المؤمل الهمذاني حدثنا إسحاق ...» وفي (تلخيصه للذهبي): «حدثنا محمد بن حيويه الهمذاني حدثنا إسحاق الدبري» ثم قال الذهبي: «ابن حيويه متهم بالكذب» . ولم يجد الأستاذ في هذه المراجع كلها ما يشعر بأن هذا هو الواقع في سند تينك الروايتين عند الخطيب، بل وجد ما يدفع ذلك فإنهم أرّخوا وفاة هذا الرجل سنة ٣٧٣ وشيخ الواقع في السند محمود ابن غيلان وفاته سنة ٢٣٩، ومن هنا أخذ الأستاذ أنه لم يدركه، ثم راجع الكوثري (مشتبه الذهبي) لعله / يجد فيه ذكرًا للواقع في السند
_________
(١) يشير المصنف ﵀ إلى خطأ الكوثري في تسميته كتاب الذهبي بما ذكر، وإنما هو «المشتبه» هكذا سماه المؤلف، ثم أن موضوعه أعم من «مشتبه النسبة» . ن.
1 / 18
فظفر بذلك «محمد بن جبويه الهمذاني عن محمود بن غيلان» فعلم أن هذا هو الواقع في السند وأنه غير الكرجي.
أولًا: لأنهم اتفقوا على أن أول اسم والد الكرجي حاء مهملة، وكلهم من أئمة (المشتبه)، ومنهم الذهبي نفسه في (الميزان) وهو الذي ضبط والد الراوي عن محمود ابن غيلان بالجيم والموحدة.
ثانيًا: لأن الذهبي يقول في ابن جبويه «عن محمود بن غيلان» والكرجي لم يدرك محمودًا، فانقسم الكوثري شطرين، شطره (١) حقق أن الصواب في الواقع في السند (محمد بن جبويه) بالجيم والموحدة، وشطره مال مع الهوى، فزعم أن الواقع في السند هو الذي اتهمه الذهبي!
وكنت كذي رِجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت
/ وقد ذكر ابن ماكولا في (الإكمال) الرجلين فقال: «أما جبويه أوله جيم معجمة بعدها باء مشددة بواحدة، فهو محمد بن جبويه بن بندار أبو جعفر الهمذاني النخاس، يروي عن محمود بن غيلان حدث عنه ...» . (وجبريل بن محمد) وقال فيمن أوله حاء مهملة (وأما حيويه بياء قبل الواو معجمة باثنتين من تحتها فهو ... ومحمد بن حيويه أبو بكر الكرجي، يعرف بابن أبي روضة حدث عن ... وإسحاق الدبري» .
وعذر الكوثري أن ابن جبويه لم يطعن فيه أحد، وهو مضطر إلى الطعن في تينك الروايتين، وهكذا تكون الأمانة عند الكوثري.
هذا والأثر الأول رواه محمود بن غيلان عن وكيع، فقال الكوثري بعدما تقدم:
«فلا يصح هذا الخبر عن وكيع بمثل هذا السند، والذي صح عنه هو ما أخرجه الحافظ أبو القاسم بن أبي العوام صاحب النسائي والطحاوي في كتابه (فضائل أبي حنيفة وأصحابه) المحفوظ بدار الكتب المصرية وعليه خطوط كثير من كبار العلماء الأقدمين وسماعاتهم، وهو من / مرويات السلفي حيث قال: حدثني محمد بن أحمد بن حماد قال: حدثنا إبراهيم بن جنيد قال حدثنا عبيد بن يعيش قال حدثنا
_________
(١) هذا في الطبعتين، ولعل الصواب «شطر» في الموضعين. ن
1 / 19
وكيع ... اهـ، وأين هذا من ذاك؟! فبذلك تبين ما في رواية الخطيب بطريق ابن جبويه الكذاب من الدخائل. هكذا يكون المحفوظ عند الخطيب، نسأل الله العافية» .
(أقول): المشهور من آل أبي العوام أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد، ولاه العبيديون الباطنية القضاء بمصر، فكان يقضي بمذهبهم، ولم أر من وثقه، روى عنه الشهاب القضاعي هذا الكتاب الذي ذكره الكوثري، رواه أحمد عن أبيه عن جده على أنه تأليف الجد عبد الله بن محمد وقد فتشت عن تراجمهم فأما أحمد بن محمد فله ترجمة في (قضاة مصر) وفي (الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية) لعبد القادر القرشي، ووعد القرشي أن يذكر أباه وجده، ثم ذكر الجد فقال: «عبد الله بن محمد بن أحمد جد أحمد بن محمد بن عبد الله الإمام المذكور في حرف الألف، ويأتي ابنه محمد» .
هذا نص الترجمة بحذافيرها، ولم أجد / فيها (١) ترجمة لمحمد، فعبد الله هذا هو الذي يقول الكوثري فيه (الحافظ وصاحب النسائي والطحاوي) كأنه أخذ ذلك من روايته عنهما في ذاك الكتاب.
فأما أحمد فقد عرف بعض حاله، وأما أبوه وجدّه فلم أجد لهما أثرًا إلا من طريقه، وأما محمد بن أحمد بن حماد (٢) فترجمته في (لسان الميزان) ج ٥ ص ٤١.
وأما إبراهيم بن جنيد فإن كان هو في الرقي فمجهول كما في (لسان الميزان) جزء١ ص ٤٥.
وإن كان هو إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي البغدادي، نسب إلى جده فثقة، لكن لم أر في ترجمته من (تاريخ بغداد) ذكر عبيد بن يعيش في شيوخه، ولا محمد بن أحمد بن حماد في الرواة عنه، وأما عبيد بن يعيش فذكره ابن حبان في الثقات وقال: «كان يخطئ» .
وعلى فرض صحة هذه الرواية فليس فيها ما ينافي رواية الخطيب، بل هما متفقتان
_________
(١) أي في «الجواهر المضيئة» .
(٢) قلت: وهو الدولابي صاحب كتاب «الكنى والأسماء» . ن
1 / 20
في أصل المعنى، غاية الأمر أن في رواية الخطيب زيادة، وقد يكون وكيع قال مرة / كذا، وقال مرة كذا، وعلى فرض التنافي فرواية الخطيب أثبت، والكوثري يتحقق ذلك، ولكنه يفعل الأفاعيل، ثم يبالغ في التهويل، ثم يقول: «نسأل الله العافية» !
٥- أبو عاصم، قال الخطيب ج ١٣ ص ٣٩١: «الأبار حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا أبو عاصم عن أبي عَوانة» فذكر الكوثري هذه الرواية ص ٩٢ ثم قال: وفيه أيضًا أبو عاصم العباداني وهو منكر الحديث.
(أقول) الكوثري يعلم أن الواقع في السند هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد الثقة المأمون، لأنه هو المشهور بأبي عاصم في تلك الطبقة والمراد عند الإطلاق، وعنه يروي الحلواني كما في ترجمة الضحاك من (تهذيب التهذيب) وترجمة الحلواني من (تهذيب المزي)، ولكن هكذا تكون الأمانة عند الكوثري!
وذكر الخطيب ج ٣ ص ٤٢٣ أثرين أحدهما من طريق أبي قلابة الرقاشي والآخر من طريق مسدد، كلاهما عن / أبي عاصم عن سفيان الثوري، فذكرهما الكوثري ص ١٦٩ ثم قال: وربما يكون أبو عاصم في السندين هو العباداني وحاله معلومة.
(فأقول) قد علم الكوثري أنه الضحاك بن مخلد النبيل الثقة المأمون، فإنه المعروف بالرواية عن الثوري كما في ترجمته من (تهذيب التهذيب)، وترجمة الثوري من (تهذيب المِزي) وعنه يروي أبو قلابة الرقاشي كما في ترجمته من (تاريخ بغداد) ج ١٠ ص ٤٢٥، وقد تغلب الكوثري هنا على هواه إلى حد ما، إذ اقتصر على قوله: «وربما» ولم يجزم كعادته.
٦- أحمد بن إبراهيم. قال الخطيب ج١٣ ص ٣٨١: «الأبار أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال قيل لشريك ...» .
ذكر الكوثري هذه الرواية ص ٦١ ثم قال: وأما أحمد بن إبراهيم فهو النكري ولفظه لفظ الانقطاع، ولم يدرك شريكًا إلا وهو صبي.
(فأقول) أول مذكور ممن يقال له أحمد بن إبراهيم في (تاريخ بغداد)، و(تهذيب التهذيب) «أحمد بن إبراهيم بن خالد / الموصلي..» وذكر الخطيب سماعه من
1 / 21
شريك، وذكر المزي في (التهذيب) شريكًا في شيوخه، ويعلم من تاريخ وفاته والنظر في مولد أن الأبار أدركه إدراكًا واضحًا وهو معه في بلد، وبذلك يعلم أنه هو الواقع في السند، ولكن الكوثري رأى هذا ثقة فالتمس غيره ممن تتهيأ له المغالطة به ويكون فيه مطعن فلم يجد إلا النكري وهو ثقة أيضًا لكن كان صغيرًا عند وفاة شريك، ولم تذكر له رواية عن شريك، فقنع الكوثري بهذا، وهكذا تكون الأمانة عنده!
وأما قوله: «لفظ انقطاع» فيرده أن أحمد بن إبراهيم الموصلي ثقة، وقد ثبت سماعه من شريك، ولم يكن مدلسًا، فروايته عن شريك محمولة على السماع كما هو معروف في علوم الحديث، وأصول الفقه،، وسيأتي شرح هذه القاعدة وبعض دقائقها في القسم الأول من (التنكيل) إن شاء الله تعالى (١) .
٧- أبو الوزير. قال الخطيب (ج ١٣ ص ٣٨٤) / عبد الله بن محمود المروزي، قال سمعت محمد بن عبد الله بن قهزاذ يقول: سمعت أبا الوزير أنه حضر عبد الله بن المبارك..» . ذكر الكوثري هذه الرواية ص ٦٩ ثم قال: عبد الله بن محمود مجهول الصفة، وكذا أبو الوزير عمر بن مطرف.
أقول: عبد الله بن محمود من الحفاظ الأثبات كما يأتي في نوع (٢) - ٧ - من هذه الطليعة إن شاء الله تعالى.
وأما الوزير فكيف يزعم الأستاذ أنه عمر بن مطرف، مع أن عمر بن مطرف لم يعرف برواية أصلًا، وإنما ذكر اسمه في نسب ابنيه إبراهيم ومحمد.
وقد قال الكوثري ص ٨٣: «قاعدة ابن المبارك في الفقه ...» وإنما أخذ ذلك مما رواه الخطيب ج ١٣ ص ٣٤٣» أبو حمزة المروزي قال سمعت ابن أعْيَن أبا
_________
(١) انظر ج ١ ص ٧٨ - ٨٣ من «التنكيل» . ن
(٢) في الطبعتين (فرع) والصواب ما أثبتنا.
1 / 22
الوزير» . وعادة الكوثري في الصبر على التنقيب تقضي بأنه قد راجع (الكنى) للدولأبي فوجد فيه جزء ٢ صفحة ١٤٧ «أبو الوزير محمد بن أعين المروزي روى عن ابن المبارك» فبادر الأستاذ إلى نظر هذا الاسم في (تهذيب التهذيب) فوجد فيه جزء ٩ ص ٦٦ «محمد بن أعيَن / أبو الوزير المروزي خادم ابن المبارك، روى عنه وعن ابن عيينة وفضيل بن عياض، وخلق وعنه أحمد وإسحاق ... ومحمد بن عبد الله بن قهزاذ وآخرون، قال أبو محمد بن علي بن حمزة المروزي: يقال إن عبد الله أوصى إليه، وكان من ثقاته وخواصه، وذكره ابن حبان في «الثقات» وقد ذكره ابن أبي حاتم ج ٣ ق ٢ صفحة ٢٠٧ فقال: «وَصِيُّ ابن المبارك» .
فعلم الكوثري يقينًا أن هذا هو الواقع في السند، ولكنه لم يجد مغمزًا لأن ثقة ابن المبارك به واعتماده عليه توثيق، ورواية الإمام أحمد عنه توثيق لما عرف من توقي أحمد (١)، ومع ذلك توثيق ابن حبان، ولم يعارض ذلك شيء، ففزع الكوثري إلى التبديل كعادته، فزعم أن أبا الوزير الواقع في السند هو عمر بن مطرف لأنه لم يجد في كنى (التهذيب) ذكرًا لأبي الوزير، فطمع أن من يتعقبه لا يهتدي إلى ترجمة محمد بن أعين!
ثم رأى في الأبناء من (التهذيب) «ابن وزير جماعة منهم محمد» فرجع إلى من يقال (محمد بن الوزير) فوجد جماعة معهم «محمد بن أبي الوزير هو محمد بن عمر، تقدم» فنظر ترجمته فإذا هو محمد بن عمر بن مطرف، فمن هنا أخذ الكوثري اسم عمر بن مطرف والله أعلم.
وهكذا تكون الأمانة عند الكوثري.!
_________
(١) كان ابن المبارك رجل دين ودنيا فلم يكن ليثق في شؤونه في حياته وفي مخلفاته بعد وفاته إلا بعدل أمين يقض وهذا توثيق عملي قد يكون أقوى من القولي، والإمام أحمد لا يروي إلا عن ثقة عنده؛ صرح به شيخ الإسلام ابن تيمية، والسبكي في «شفاء السقام» والسخاوي في «فتح المغيث» ص ١٣٤ ويقتضيه ما في «تعجيل المنفعة» صفحة ١٥ و١٩ وفي ترجمة عامر بن صالح ما يدل على ذلك.
1 / 23
٨- محمد بن أحمد بن سهل: قال الكوثري صفحة ٦٣ «وهناك رواية: وهي ما رواه هبة الله الطبري في (شرح السنة) عن محمد بن أحمد بن سهل (الأصباغي) عن محمد بن أحمد بن الحسن أبي علي بن الصواف ...» .
كذا فسر الكوثري من عنده بقوله: «الأصباغي»، مع أن الأصباغي سكن دمشق وهو مقل لا يعرف له رواية عن ابن الصواف، ولا لهبة الله رواية عنه ولا لقاء، واقتصر الخطيب في ترجمته ج ١ ص ٣٠٧ على قوله: «سكن دمشق وحدث بها عن محمد بن الحسين البستنبان، وروى عنه أبو الفتح بن مسرور» .
ومعرفة الكوثري ويقظته أن يكون قد شعر بهذا وفتش، فعلم أن شيخ هبة الله في السند هو محمد بن / أحمد بن سهل أبو الفتح بن أبي الفوارس الحافظ الثقة الثبت وترجمته في (تاريخ بغداد) ج ١ ص ٣٥٢ وفيها «سمع من ... وأبي علي بن الصواف ... حدث عنه ... وهبة الله بن الحسن الطبري» .
وإنما أسقط هبة الله في ذاك السند اسم الجد على ما يعرف من عادة المحدثين في تفننهم في ذكر شيوخهم الذين أكثروا عنهم.
٩- محمد بن عمر، قال الخطيب (ج ١٣ ص ٤٠٥): «محمد بن الحسين بن حميد ابن الربيع حدثنا محمد بن عمر بن دليل قال: سمعت محمد بن عبيد الطنافسي ...»
ذكر الكوثري هذه الرواية ص ١٢٦ وقال: «محمد بن عمر هو ابن وليد التيمي، وقد تصحف «وليد» إلى «دليل» في الطبعات كلها، ويقول عنه ابن حبان: يروى عن مالك ما ليس من حديثه» .
أقول: لم يذكروا في ترجمة محمد بن عمر بن وليد التيمي الذي تكلم فيه ابن حبان وغيره أنه يروي عن محمد بن عبيد الطنافسي، ولا أنه يروي عنه محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع وأراه أقدم من ذلك، فإنه يروي عن المتوفين حوالي سنة ١٨٠هـ، كمسلم بن خالد، ومالك، وهشيم، فيبعد أن ينزل إلى محمد بن عبيد المتوفى سنة ٢٠٤، ولم يذكروا روايا عن التيمي هذا إلا أبا زرعة المولود سنة ٢٠٠، ويبعد أن
1 / 24
يكون أدركه، أعني التيمي هذا، محمد بن الحسين بن حميد الذي أقدم من سمي من شيوخه موتًا أبو سعيد الأشج المتوفى سنة ٢٥٧، فالأقرب أن يكون الواقع في السند هو محمد بن عمر بن وليد الكندي الكوفي، يروي عن الكوفيين المتوفين حوالي سنة مائتين، وأقدم من سمي من شيوخه محمد بن فضيل المتوفى سنة ١٩٥.
وذكر ابن أبي حاتم هذا الكندي فقال: «كتب عنه أبي في الرحلة الثالثة بالكوفة، وقدمنا الكوفة سنة ٢٥٥ وهو حي فلم يقض السماع منه» وقال النسائي: «لا بأس به»، وذكره ابن حبان في الثقات. فهذا كوفي يروي عن أقران محمد عبيد - ومحمد بن عبيد كوفي وقد أدركه - أعني الكندي - محمد بن حسين بن حميد بن الربيع وهو كوفي أيضًا، وهذا لا يخفى / على الكوثري لكنه لم يجد في هذا مغمزًا فعدل إلى التيمي المطعون فيه لحاجة الكوثري إلى الطعن في تلك الرواية، والله المستعان.
١٠- محمد بن سعيد. قال الخطيب (ج ١٣ ص٣٧٥): «... محمود بن غيلان حدثنا محمد بن سعيد عن أبيه ...» فذكر الكوثري هذه الرواية ص ٤٧ ثم قال: محمد بن سعيد هو ابن مسلم الباهلي، وقد قال ابن حجر عنه في (تعجيل المنفعة): منكر الحديث مضطربه، وقد تركه أبو حاتم ووهاه أبو زرعة فقال ليس بشيء. اهـ. وإلى الله نشكو من هؤلاء الرواة الذين لا يخافون الله، هكذا يكون المحفوظ عند الخطيب» .
أقول: هذا يصلح أن يعد نوعًا مستقلًا من مغالطات الكوثري وهو اغتنام الخطأ الواقع في بعض الكتب إذا وافق غرضه، والذي في (تعجيل المنفعة) ص ٣٢٤ «محمد بن سعيد الباهلي البصري الأثرم عن سلام بن سليمان القارئ، وعنه أبو بكر محمد بن عبد الله جار عبد الله بن أحمد وشيخه ويعقوب بن سفيان ومحمد بن غالب تمتام وجماعة منهم أبو حاتم ثم تركه وقال: هو منكر الحديث مضطرب الحديث ووهاه / أبو زرعة، فقال ليس هو بشيء» فهذه الترجمة فيها تخليط لا أدري أعن سقط نشأ أم عن غلط، وهذا الذي تكلموا فيه ليس هو محمد بن سعيد بن سلم، ولا هو باهلي، بل هو محمد بن سعيد بن زياد أبو سعيد القرشي الكزبري البصري الأثرم، ذكره البخاري في (التاريخ) (ق ١ ج ١ ص٩٦)» محمد بن سعيد القرشي
1 / 25
البصري ...» وذكره ابن أبي حاتم في كتابه (ج ٣ ق٢ ص ٢٦٤) «محمد بن سعيد بن زياد القرشي أبو سعيد المصري (البصري) الأثرم سكن بغداد، سمع منه أبي ولم يحدث عنه، سمعته يقول: هو منكر الحديث مضطرب الحديث، سألت أبا زرعة عنه فقال: ضعيف الحديث وليس بشيء» وله ترجمة في (تاريخ بغداد) ج ٥ ص ٣٠٥ وفي (الميزان) و(اللسان)، ولا أشك أن الكوثري عرف ذلك وعرف أن ما في (التعجيل) تخليط ولكن إذا كان الكوثري يصطنع المغالطات اصطناعًا كما مرَّ فكيف لا يغتنم ما جاء عفوًا والذي يظهر أن هناك محمد بن سعيد الباهلي يروي عن سلام بن سليمان القارئ وعنه محمد بن سعيد بن زياد جار عبد الله بن أحمد فاختلط في (التعجيل) ترجمة هذا بترجمة محمد بن سعيد بن زياد القرشي الكزبري البصري الأثرم، فأما الواقع في السند فهو كما قال الكوثري محمد بن سعيد بن سلم الباهلي، ولم يطعن فيه أحد، وتأمل قول الكوثري: «وإلى الله نشكو ...» !
١١- أبو شيخ الأصبهاني، قال الخطيب (ج ١٣ ص ٣٨٤): «محمد بن عبد الله الشافعي قال: حدثني أبو شيخ الأصبهاني حدثنا الأثرم» وقال ج ١٣ ص ٤١١: «محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي حدثنا أبو شيخ الأصبهاني حدثنا الأثرم» أشار الكوثري ص ٦٩ إلى الرواية الأولى وقال: «في سنده أبو شيخ الأصبهاني ضعفه بلديه الحافظ أبو أحمد العسال، وله ميل إلى التجسيم»؛ وأشار ص ١٤١ إلى الرواية الثانية وقال: «في سنده أبو الشيخ الأصبهاني وقد ضعفه العسال. (١)
_________
(١) هذا التضعيف لم يثبت عن العسال، وقد تعقبه المؤلف في «التنكيل» بأنه لم يظفر به عن العسال، وقال هناك (١/٣٩): «وقد كنت كتبت إلى بعض أهل العلم أسألهم، فلم أحصل على خبر إلا أن أحدهم أخبرني أنه اجتمع بالأستاذ الكوثري نفسه» .
هذا آخر كلامه، لم يذكر نتيجة الاجتماع كما علقت هناك. وكنت كتبت إلى فضيلة الشيخ محمد نصيف استوضحه الأمر، حتى أعلقه في هذا الموضع من «التنكيل»، ولكن الجواب تأخر حتى فاجأنا الطبع، فرأيت أن أستدرك ذلك هنا للفائدة.
كتب الشيخ محمد نصيف إلى فضيلة الشيخ سليمان الصنيع عضو مجلس الشورى بمكة المكرمة، ومدير مكتبة الحرم المكي سابقًا يسأله عن عبارة المعلمي المذكورة آنفًا فكتب فضيلته يقول =
1 / 26