Al-Tadhhib fi Adillat Matn al-Ghayah wa al-Taqrib
التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب
Mai Buga Littafi
دار ابن كثير دمشق
Lambar Fassara
الرابعة
Shekarar Bugawa
١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م
Inda aka buga
بيروت
Nau'ikan
التراث الفقهى
التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب المشهور بـ متن أبي شجاع في الفقه الشافعي
تأليف
الدكتور مصطفى ديب البغا
دكتوراه في الشريعة الإسلامية
دار ابن كثير
دمشق - بيروت
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب
1 / 3
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الرابعة
١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ مـ
دار ابن كثير
دمشق - شارع مسلم الباروردي - باء فولي وصلاحي
هاتف: ٢٣٣٠١٨ - ص ب: ٢١١
بيروت - ص ب: ٦٣١٨/ ١١٣
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، القائل في كتابه: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين " [التوبة: ١٢٢]
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، القائل فيما أوتي من جوامع الكلم:
(مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقهْهُ في الديَنِ) متفق عليه. وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان، ففقه في دين الله ﷿، فعلم وعلَّم.
وبعد: فإن كتاب (متن الغاية والتقريب) من خير كتب الفقه الشافعي، شكلًا ومضمونًا، فهو على صغر حجمه قد اشتمل على جميع أبواب الفقه ومعظم أحكامه ومسائله في العبادات والمعاملات وغيرها، مع سهولة العبارة وجمال اللفظ وحسن التركيب إلى جانب ما امتاز به من تقسيمات موضوعية، تسهل على المتفقه في دين الله تعالى إدراكه واستحضاره.
ويمتاز هذا الكتاب بما كتب الله تعالى له من قبول، فتجد طلاب العلم والعلماء، قديمًا وحديثًا، مقبلين عليه درسًا وتعليمًا، وفهمًا وحفظًا، وإيضاحًا وشرحًا.
ولما كان هذا المختصر قاصرًا كل ذكر الأحكام الفقهية دون التعرض
1 / 5
لأدلتها، وطلاب العلم اليوم تهفو نفوسهم إلى أخذ الحكم الشرعي مؤيدًا بدليله، رغبت أن أخدم دين الله ﷿، وأقدم للشباب المسلم المثقف، وكل فقيه ومتفقه، هذا الكتاب الذي أحبه الجميع وألفوه، مزينًا بالأدلة التي تجعلهم على بصيرة في دينهم، وتزيدهم يقينًا في شريعتهم، وتثبتًا في عقيدتهم، واطمئنانًا في عباداتهم، واستقامة في تصرفاتهم ومعاملاتهم.
وكان فضل الله تعالى عليَّ كبيرًا، إذ وفقني إلى هذا العمل، بعد أن استشرت فيه أفاضل أساتذتي في الفقه خاصة، وفي علوم الشريعة عامة، فسُروًا له ورغبوا به وشجعوا عليه.
وكان عملي مقتصرًا على ذكر الأدلة النقلية، من كتاب وسنَّة وآثار للصحابة وقلما أتعرض للتعليلات العقلية والاستدلالات القياسية، وإن ذكرت شيئًا منها أحيانًا.
والتزمت غالبآ الأدلة التي ذكرت في كتب المذهب، إلا إذا وجدت دليلاّ أقوى وأوضح، عدلت إليه وذكرته.
وأخذت نفسي أن أرجع في هذه الأدلة إلى مراجعها الأصلية، ما أمكن ذلك وخاصة كتب الحديث لآخذ النص منها، وأثبت رقم الحديث المتسلسل إن وجد، أو الصفحة والجزء المثبت فيهما الحديث، وقلما أعتمد على مصدر آخر في تخريج الحديث، وأما الآيات فأذكر رقمها والسورة الموجودة فيها.
ثم أذيل النص المستدل به بشرح غريب ألفاظه، بحيث يسهل فهمه ويستبين وجه الاستدلال به.
هذا وربما تعرضت أحيانًا لشرح بعض ألفاظ المتن أو ذكر بعض التعاريف إن احتاج الأمر، ولم ألتزم ذلك دائمًا، لأني لم أقصد شرح الكتاب، لوفرة الشروح له.
1 / 6
إن وجدت قولاّ ضعيفًا في المتن بينت ما هو الأصح والأقوى مسترشدًا بكتب المذهب المعتمدة، وربما أشرت إلى المرجع، وقد لا أشير.
ولم يفتني أن أضيف أحيانًا بعض الأحكام، أو أذكر بعض الفوائد، رغبة في إتمام النفع ورجاء أن يجزل الله تعالى المثوبة والأجر.
وأبقيت الأصل على حاله في أعالي الصفحات، وجعلت عملي حواشي ذات أرقام أسافلها، وسميته: (التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب) مشيرًا إلى أن الأدلة خيوط ذهبية تنتظم الأحكام الشرعية وتوشحها.
والله تعالى أسأل أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه، ويقبله صدقة جارية لي ولوا لدَيَّ ولمن له حق عليَّ، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
مصطفى ديب البغا
ليلة الأحد: ٢١ محرم سنة ١٣٩٨ هـ
١ كانون ثاني سنة ١٩٧٨ م
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين وصحابته أجمعين.
قال القاضي أبو شجاع أحمد بن الحسين بن أحمد الأصفهاني رحمه الله تعالى:
سألني بعض الأصدقاء حفظهم الله تعالى: أن أعمل مختصرًا (١) في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، رحمة الله تعالى عليه ورضوانه، في غاية الاختصار ونهاية الإيجاز (٢) ليقرب على المتعلم درسه، ويسهل على المبتدي حفظه، وأن أكثر فيه من التقسيمات وحصر الخصال (٣) فأجبته إلى ذلك طالبًا للثواب راغبًا إلى الله تعالى في التوفيق للصواب، إنه على ما يشاء قدير وبعباده لطيف خبير.
_________
(١) هو ما قل لفظه وكثر معناه.
(٢) الاختصار: أن يسلك الطريق الأقرب للوصول الى الغرض، والايجاز قريب منه. قال في الصباح: وجُز اللفظ وجازة، فهو وجيز، أي قصير سريع الوصول الى الفهم. والغاية والنهاية متقاربتان، بمعنى: أقصى ما يمكن الوصول اليه.
(٣) جمع خصلة، والمراد المسائل الفقهية المحتاج إليها.
1 / 9
كتاب الطهارة
المياه التي يجوز بها التطهير سبع مياه:
١ - ماء السماء
٢ - وماء البحر
٣ - وماء النهر
٤ - وماء البئر
٥ - وماء العين
٦ - وماء الثلج
٧ - وماء البرد (١).
ثم المياه على أربعة أقسام:
١ - طاهر مطهر غير مكروه وهو الماء المطلق (٢)
٢ - وطاهر مطهر مكروه وهو الماء
_________
(١) ويمكن أن يقال اختصارًا: يتطهر بكل ماء نبع من الأرض أو نزل من السماء. والأصل في جواز التطهر بهذه المياه:
آيات، منها: قوله تعالى: " وَيُنَزلُ عَلَئكُمُ مِنَ السَّماءِ مَاءّ لِيُطَهركُم بِهِ " / الأنفال: ١١/.
وأحاديث، منها: ما رواه أبو هريرة ﵁ قال: سأل رجل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إنا نرْكبُ البحرَ، ونحمل معنا القليل من الماء، فإنْ تَوَضأنا به عطشنا، أفَنَتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله ﷺ: (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُه).
رواه الخمسة، وقال الترمذي (٦٩): هذا حديث حسن صحيح.
[الحل ميتته: أي يؤكل ما مات فيه - من سمك ونحوه - بدون ذبح شرعي].
(٢) والأصل في طَهُوريَّة الماء المطلق: ما رواه البخارى (٢١٧) =
1 / 10
المشمس (١)
٣ - وطاهر غير مطهر وهو الماء المستعمل (٢) والمتغير بما خالطه من الطاهرات (٣)
٤ - وماء نجس
_________
= وغيره عن أبي هريرة ﵁ قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فقام
إليه الناس ليقعوا به، فقال النبي ﷺ: (دَعُوهُ وهَريقوا عَلى بَوْلِهَ سَجْلًا مِن مَاء - أو: ذَنوبا مِنْ مَاءْ - فَإتمَا بُعِثْتُمْ مُيسَرِينً وَلَمْ تُبعَثُوا مُعَسرِينَ).
[ليقعوا به: ليزجروه بالقول أو الفعل. سجلا: دلوًا ملأى بالماء، ومثله الذنوب].
(١) المسخن في إناء من معدن بحَر الشمس، وكراهته لما قيل: من أنه يسبب مرض البرص أو يزيده. ولا يكون مكروهًا إلاَّ إذا استعمل في البدن وكان في قطر حار كالحجاز.
(٢) في رفع حدث، ودليل كونه طاهرًا: ما رواه البخاري (١٩١) ومسلم: (١٦١٦) عن جابر بن عبد الله ﵁ قال: جاء رسول الله ﷺ يعودُني وأنا مريض لا أعْقِلُ، فتوضأ وصب عَليَّ منْ وَضُوئِهِ.
[لا أعقلَ: أي في حالة غيبوبة من شدة المرض. وضوئه: الماء الذي توضأ به] ولو كان غير طاهر لم يصبه عليه.
ودليل كونه غير مطهر: ما رواه مسلم (٢٨٣) وغًيره: عن أبي هريرة ﵁: أن النبي ﷺ قال: (لا يغْتَسِلْ أحَدُكُمْ في المَاءِ الدائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ). فقالوا: يا أبا هريرة، كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولًا.
أفاد الحديث: أن الاغتسال في الماء يخرجه عن طهوريته؛ وإلا لم ينه عنه؛ وهو محمول على الماء القايل. وحكم الوضوء في هذا حكم الغسل، لأن المعنى فيهما واحد، وهو رفع الحدث.
(٣) الأشياء الطاهرة التي يستغني عنها الماء عادة، والتي لا يمكن فصلها=
1 / 11
وهو الذي حلت فيه نجاسة، وهو دون القلتين (١)، أو كان قلتين فتغير (٢).
_________
= عنه بعد المخالطة، كالمسك والملح ونحوهما. وكونه غير مطهر لأنه أصبح لا يسمى ماء في هذه الحالة.
(١) روى الخمسة عن عبد الله بن عمر ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ، وهو يُسْأل عن الماء يكون بالفَلاة من الأرض، وما يَنُوبُه من السباع والدواب؟ فقال: (إذا كَانَ المَاءُ قُلتَينِ لَمْ يَحْملِ الخَبَثَ) وفي لفظ لأبي داود (٦٥): (فإنه لا يَنْجُسُ).
[بالفلاة: الصحراء ونحوها. بنوبهْ: يرد عليه. السباع: كل ما له ناب يفترس به من الحيوانات].
ومفهوم الحديث: أنه إذا كان أقل من قلتين ينجس ولو لم يتغير، ودل على هذا المفهوم: ما رواه مسلم (٢٧٨) عن أبى هريرة رضى الله عنه: أن النبي ﷺ قال: (إذا استَيْقَظَ أحَدُكُم مِنْ نَومه فَلاَ يغْمِسْ يَدَهُ في الإنَاء حَتى يغسلَهَا ثَلاثًا، فَإنهُ لا يَدرِيً أينَ بَاتَتْ يَدُهُ). فقد نهى المستيقظ من نومه عن الغمس خشية تلوث يده بالنجاسة غير المرئية، ومعلوم أن النجاسة غيرَ المرئية لا تغير الماء، فلولا أنها تنجسه بمجرد الملاقاة لم ينهه عن ذلك.
(٢) ودليله الإجماع، قال في المجموع: قال ابن المنذر: أجمعوا أن الماء القليل أو الكثير، إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت طعمًا أو لونًا أو ريحًا، فهو نجس.
وأما حديث: (الماء طهور لاَ يُنَجسُهُ شيء إلا مَا غير طَعمَهُ أوْ رِيحَهُ) فضعيف سندًا، قال عنه النووي رحمه الله تعالى: لا يصح الاحتجاج به. وقال: ونقل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى تضعيفه عن أهل العلم بالحديث. [المجموع: ١/ ١٦٠].
1 / 12
والقلتان خمسمائة رطل بغدادي تقريبًا في الأصح (١).
"فصل" وجلود الميتة تطهر بالدباغ (٢) إلا جلد الكلب والخنزير (٣) وما تولد منهما أو من أحدهما وعظم الميتة وشعرها. نجس إلا الآدمي (٤).
"فصل" ولا يجوز استعمال أواني الذهب والفضة (٥)،
_________
(١) أي ما يساوي مائة وتسعين ليترًا تقريبًا، أو سعة مكعب طول حرفه ٥٨ سم.
(٢) روى مسلم (٣٦٦) عن عبد الله بن عباس ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إذَا دُبِغَ الإهَابُ فَقَدْ طَهرَ).
[الإهاب: الجلد، ودبغ: أزيلت فضوله ورطوبته التي يفسده بقاؤها، بحيث لو نقع في الماء بعد ذلك لم يعد إليه النتن].
(٣) لأنً كلًا منهما نجس حال الحياة، فلا يطهر جزؤه بعد الممات من باب أولى.
(٤) لقوله تعالى: " حُرمتْ عَلَيكُمُ المَيْتَةُ " / المائدة: ٣/ " والميتة: كل حيوان زالت حياته بغير ذبح شرعي، فيدخل فيه:
ما لا يؤكل لحمه إذا ذبح كالحمار، وما يؤكل لحمه إذا لم تتوفر شروط ذبحه، كذبيحة المرتد، وإن لم يكن فيه ضرر بالصحة. وعليه: فتحريم الميتة دليل نجاستها، لأن تحريم ما لا ضرر فيه ولا حرمة له دليل نجاسته، ونجاستها تستتبع نجاسة أجزائها.
وأما الآدمي فلا تنجس ميتته، وكذلك أجزاؤه، لقوله تعالى: " وَلَقَدْ كَرمنَا بَني آدَمَ " / الإسراء: ٧٠ /. وهذا يتنافى مع القول بنجاسته بعد موته، وحرم تناول لحمه لحُرمته، أي كرامته.
(٥) روى البخاري (٥١١٠) ومسلم (٢٠٦٧) عن حذيفةَ بن اليمان
1 / 13
ويجوز استعمال غيرهما من الأواني (١).
"فصل" والسواك مستحب في كل حال (٢) إلا بعد الزوال للصائم (٣)، وهو في ثلاثة مواضع أشد استحبابا:
١ - عند تغير الفم من أزم وغيره (٤)،
٢ - وعند القيام من النوم (٥)،
_________
﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (لاَ تَلْبَسُوا الحريرَ ولاَ الدَيبَاجَ، ولا تَشْرَبُوا في آنيةِ الذهبِ وَالْفِضَّةِ، ولا تَأكُلُوا في صِحافِها، فَإنهَا لَهُمْ في الدُنْيَا وَلَنَا في الآخِرَة)
[الديباج: نوع نفيس من ثياب الحرير. آنية: جمع إناء. صحافهاَ جمع صَحْفَة وهي القصعة. لهم: أي الكفار].
ويقاس على الأكل والشرب غيرهما من وجوه الاستعمال، ويشمل التحريم الرجال والنساء.
(١) الطاهرة، لأن الأصل الإباحة ما لم يرد دليل التحريم.
(٢) روى النسائي (١/ ١٠) وغيره: عن عائشة رضى الله عنها: أن النبي ﷺ قال: (السوَاكُ مطَهَرَةٌ لِلفَمِ، مَرْضَاة للرب). ورواه البخاري تعليقًا.
والسواك: الآلة التي تدلك بها الأسنان، ويطلق على الفعل، وتحصل السنة باستعمال كل خشن يزيل الوسخ، وعود الأراك المعروف بالسواك أفضل.
(٣) لما رواه البخاري (١٧٩٥) ومسلم (١١٥١) عن أبى هريرة ﵁، عن النبي ﷺ قال: (لخُلُوفُ فَمِ الصائم أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المسْك). والخلوف تغير رائحة الفم، ولا يحصل غالبًا للصائم إلا بعد الزوالَ، وَاستعمال السمواك يذهبه، ولذلك كره.
(٤) الأزم: السكوت الطويل، أو ترك الأكل والشرب. وغيره: كتعاطي ذي رائحة كريهة.
(٥) روى البخاري (٢٤٢) ومسلم (٢٥٥) وغير هما، عن حذيفة =
1 / 14
٣ - وعند القيام إلى الصلاة (١).
"فصل" وفروض الوضوء ستة أشياء:
١ - النية عند غسل الوجه
٢ - وغسل الوجه
٣ - وغسل اليدين مع المرفقين
٤ - ومسح بعض الرأس
٥ - وغسل الرجلين إلى الكعبين
٦ - والترتيب على ما ذكرناه (٢)
_________
﵁ قال: كان النبي ﷺ إذا قام من الليل يَشُوصُ فاه بالسواك [يشوص: يَدْلِكُ].
وروى أبو داود (٥٧) وغيره، عن عائشة ﵂: أن النبي ﷺ كان لا يَرْقُدُ، من ليل ولا نهار، فيستيقظ إلا تَسَوَكَ قبل أن يتوضأ.
(١) وكذلك عند الوضوء، لما رواه البخاري (٨٤٧) ومسلم (٢٥٢) وغيرهما، عن أبي هريرة ﵁، عن النبي ﷺ قال: (لَولا أنْ أشُق عَلى أمتي لأمَرْتُهُمْ بِالسوَاك عنْدَ كُل صَلاة).
وفي رواية لأحمد (٦/ ٣٢٥): (لأمَرتُهمْ بالسوًاكَ معً كُل وُضُوء).
أي لأمرتهم أمرَ إيجاب، وهذا دليل الاستحباب المؤكد.
(٢) الأصل فيَ مشروعية الوضوء وبيان فروضه: قوله تعالى: " يَا أيهَا الَذينَ آمَنوا إذَا قُمتُمْ إلى الصلاة فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُم إلى الَمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ واَرجُلَكُمْ إلى الكَعبَينِ " / المائدة: ٦ /.
[المرافق: جمع مرفق، وهو مجتمع الساعد مع العضد. الكعبين: مثنى كعب، وهما العظمان الناتئان من الجانبين، عند مفصل الساق مع القدم.
وإلى في الموضعين بمعنى مع، فيدخل المرفقان والكعبان في وجوب الغسل، ودل على ذلك: ما رواه مسلم (٢٤٦) عن أبي هريرة ﵁: أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوُضُوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشْرَعَ في =
1 / 15
العَضُد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ.
أشرع في العضد وأشرع في الساق: معناه أدخل الغسل فيهما.
برؤوسكم: أي بجزء منها، دل على ذلك: ما رواه مسلم (٢٧٤) وغيره عن المغيرة ﵁: أن النبي ﷺ توضأ فمسح بناصِيَتِه وعلى العمامة.
والناصية مقدم الرأس، وفي جزء منه، والاكتفاء بالمسح عليها دليل على أن مسح الجزء هو المفروض، ويحصل بأي جزء كان.
ودل على فرضية النية أوَّلَه - وكذلك في كل موطن تطلب فيه النية - ما رواه البخاري (١) ومسلم (١٩٠٧) من حديث عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (إنّمَا الأعْمالُ بِالنياتِ). أي: لا يعتد بها شرعًا إلا إذا نويت.
ودل على فرضية الترتيب - كما ذُكِر - فعلُ النبي ﷺ، الثابت بالأحاديث الصحيحة، منها حديث أبي هريرة ﵁ السابق.
قال في المجموع: واحتج الأصحاب من السنة بالأحاديث الصحيحة، المستفيضة عن جماعات من الصحابة، في صفة وُضوء النبي ﷺ، وكلهم وصفوه مرتبًا، مع كثرتهم وكثرة المواطن التي رأوه فيها، وكثرة اختلافهم في صفاته في مرة ومرتين وثلاث وغير ذلك، ولم يثبت فيه - مع اختلاف أنواعه - صفة غير مرتبة، فعله ﷺ بيان للوضوء المأمور به، ولو جاز ترك الترتيب لتركه في بعض الأحوال لبيان الجواز، كما ترك التكرار في أوقات. (١/ ٤٨٤).
1 / 16
وسننه عشرة أشياء:
١ - التسمية (١)
٢ - وغسل الكفين قبل إدخالهما الإناء
٣ - والمضمضة
٤ - والاستنشاق
٥ - ومسح جميع الرأس (٢)، ومسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد (٣)
_________
(١) روى النسائي (١/ ٦١) بإسناد جيد، عن أنس ﵁ قال: طلب بعض أصحاب النبي ﷺ وَضوءًا فلم يجدوا ماءَ، فقال ﷺ: (هَلْ معً أحَد مِنكمْ مَاء). فَأتيَ بماء، فوضع يده في الإناء الذي فيه الماء، ثم قال: (تَوَضؤُا بِسمِ اللهِ) أي قائلين ذلك، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، حنى توضأ نحو سبعين رجلًا.
(٢) دليل هذه السنن الأربع: ما رواه البخاري (١٨٣) ومسلم (٢٣٥) من حديث عبد الله بن زيد ﵁، وقد سئل عن وُضوء النبي ﷺ، فدعا بِتَوْر من ماء، فتوضأ لهم وُضوء النبي ﷺ: فأكفَأ على يده من التور، فغسل يديه ثلاثًا، ثم أدخل يده في التور، فمضمض واستنشق واستنثر بثلاث غَرَفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين إلى المِرفقين، ثم أدخل يده فمسح رأسه، فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين.
[التور: إناء كان معروفًا لديهم. فأكفأ: أسال وصب].
(٣) روى الترمذي وصححه (٣٦) عن ابن عباس ﵄: أن النبي ﷺ مسح برأسه، وأذنيه ظاهرهما وباطنهما.
وللنسائي (١/ ٧٤): مسح برأسه وأذنيه، باطنهما بالسباحَتيْنِ، وظاهرهما بإبهاميه.
وروى الحاكم (١/ ١٥١) من حديث عبد الله بن زيد ﵁، في صفة وُضُوئه ﷺ أنه توضأ، فمسح أذنيه بماء غير الماء الذي مسح به الرأس. قال الحافظ الذهبي: صحيح.
1 / 17
٦ - وتخليل اللحية الكثة (١)
٧ - وتخليل أصابع اليدين والرجلين (٢)
٨ - وتقديم اليمنى على اليسرى (٣)
٩ - والطهارة ثلاثًا ثلاثًا (٤)
١٠ - والموالاة (٥).
_________
(١) روى أبو داود (١٤٥) عن أنس ﵁: أن النبي ﷺ كان إذا توضأ أخذ كفًا من ماء، فأدخله تحت حَنَكِهِ، فخَللَ به لحيته، وقال: (هكذَا أمرَني رَبى ﷿.
(٢) عن لَقِيط بن صَبرَةَ ﵁ قال: قلت يا رسولْ الله، أخبرني عن الوضوء؟ قال: (أسبِغِ الوضُوءَ، وخَلِّلْ بيْن الأصَابع، وَباَلِغْ في الاستنثسَاق إلاّ أنْ تكُونَ صَائِمًا).
رواه أَبو داود (١٤٢) وصحه الترمذيَ (٣٨) وغيرهما.
[أسبغ: أتمه وأكمله بأركانه وسننه].
(٣) روى البخاري (١٤٠) عن ابن عباس ﵄: أنه توضأ ... وفيه: ثم أخذ غُرْفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح رأسه، ثم أخذ غرفة من ماء فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها رجله اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ. وانظر حاشية ٢ ص ١٣.
(٤) روى مسلم (٢٣٠): أن عثمان ﵁ قال: ألا أريكم وُضُوءَ رسول الله ﷺ؟ ثم تَوَضأ ثلاثًا ثلاثًا.
(٥) أي التتابع في التطهير بين الأعضاء، بحيث لا يجف الأول قبل الشروع في الثاني عادة. ودليلها الاتباع المعلوم من الأحاديث السابقة.
تنبيه: كل ما ورد في السن من أدلة ظاهرها الوجوب، دل على عدم الوجوب فيها آية الوضوء التي نصت على الفرائض، وأدلة أخرى غيرها، لم نذكرها خشية التطويل.
1 / 18
"فصل" والاستنجاء واجب من البول والغائط والأفضل أن يستنجي بالأحجار ثم يتبعها بالماء ويجوز أن يقتصر على الماء أو على ثلاثة أحجار ينقي بهن المحل فإذا أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل (١)
_________
= فائدة: يستحب أن يقول بعد الوضوء: (أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. اللهم اجْعَلْني من التَّوّابينَ واجْعلْني مِنَ المتَطَهرِينَ. سُبْحَانَك اللهُم وَبحَمْدكً، أشْهدُ أن لا إلهَ إلا أنْتَ، أستَغفركَ وَأتُوبُ إليكَ).
ورد مجموع هذا عن رسول الله ﷺ، في أحاديث، رواها مسلم (٤٢٣) والترمذي (٥٥) والنسائي في أعمال اليوم والليلة.
(١) روى البخاري (١٤٩) ومسلم (٢٧١): عن أنس بن مالك ﵁ قال: كان رسول الله ﷺ يدخلِ الخلاءَ، فأحْمِلُ. أنا وغلامُ نحْوِي، إداوة من ماء وعنزةً، فَيسَتنْجي بالماء.
[الخلاء: مكان قضاء الحاجة. إداوة: إناء صغير من جلد. عنزة: الحربة القصيرة، تركز ليصلى إليها كسترة. يستنجي: يتخلص من أثر النجس].
وروى البخاري (١٥٥) وغيره: عن ابن مسعود ﵁ قال: أتى النبي ﷺ الغائطَ، فأمرني أن آتيهُ بثلاثة أحجار.
[الغائط: المكان المنخفض من الأرض تقضى فيه الحاجة، ويطلق على ما يخرج من الدبر].
وروى أبو داود (٤٠) وغيره: عن عائشة ﵂: أنَّ رسول الله ﷺ قال: (إذَا ذَهَبَ أحدُكمْ إلى الغائطِ =
1 / 19
ويجتنب استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء (١) ويجتنب البول والغائط في الماء الراكد (٢)، وتحت الشجرةِ
_________
- فلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاثَةِ أحجارٍ، يَسْتطِيبُ بِهِن، فَإنّهَا تُجْزِىءُ عَنهُ).
[يستطيب: يستنتجي، سمي بذلك لأن المستنتجي تطيب نفسه بإزالة الخبث عنَ المخْرَج، ويجزىء كل جاف طاهر كالورق ونحوه] وروى أبو داود (٤٤) والترمذي (٣٠٩٩) وابن ماجه (٣٥٧): عن أبي هريرة ﵁، عن النبي ﷺ قال: (نزلت هذه الآية في أهل قُباء: " فِيهِ رِجَال يُحبّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحبّ المُطهَرِينَ " / التوبة: ١٠٨/. قال: كانوا يَسْتَنْجُونَ بالماءِ، فنزلَت فيهم هذه الآية).
(١) روى البخاري (٣٨٦) ومسلم (٢٦٤): عن أبي أيّوبَ الأنصاري ﵁، عن النبي ﷺ قال: (إذَا أتَيْتُمُ الْغَائطَ فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، ولَكِنْ شَرِّقُوا أوْ غًرِّبُوا). وخص ذلك بَالصحراء وما في معناها من الأمكنة التي لا ساتر فيها، ودليل التخصيص: ما روى البخاري (١٤٨) ومسلم (٢٦٦) وغيرهما: عن ابن عمر ﵄ قال: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بيت حَفْصَةَ لبعضِ حاجتي، فرأيتُ النبيَّ ﷺ يقضي حاجتَه مُسْتَدْبِر القِبْلة مُسْتَقْبِلَ الشّام.
فحمل الأول على المكان غيرَ المعد لقضاء الحاجة وما في معناه من الأماكن التي لا ساتر فيها، وحمل الثاني على المكان المعد وما في معناه، جمعًا بين الأدلة، ولا يخلو الأمر عن كراهة في غير المعد مع وجود الساتر.
(٢) روى مسلم (٢٨١) وغيره: عن جابر ﵁، عن النبي ﷺ: أنه نهى أنْ يُبَالَ في الماء الراكِد. والتّغَوُّطُ =
1 / 20
المثمرة، وفي الطريق والظل (١)، والثُّقب (٢) ولا يتكلم على البول والغائط (٣) ولا يستقبل الشمس والقمر ولا يستدبرهما (٤).
_________
أقبح وأولى بالنهي، والنهي للكراهة، ونقل عن النووي أنه للتحريم.
[انظر شرح مسلم: ٣/ ١٨٧].
(١) روى مسلم (٢٦٩) وغيره: عن أيى هريرة ﵁: أن النبي ﷺ قال: (اتّقُوا اللَّعَانَيْنِ. قالوا وما اللعانانِ يا رسولَ الله؟ قال: (الذي يَتخلَّى في طَرِيقِ الناسِ أوْ في ظِلِّهِمْ).
[اللعانين: الأمرين الجالبين للعْن].
(٢) روى أبو داود (٢٩) وغَيره: عن عبد الله بن سرجس ﵁ قال: نهى رسول الله ﷺ أنْ يُبَالَ في الجُحْر.
وهو الثقب في الأرض.
(٣) روى مسلم (٣٧٠) وغيره: عن ابن عمر ﵁: أن رجلًا مرَّ ورسولُ الله ﷺ يَبُولُ، فسلم عليه، فلم يَرُدَّ عليه.
وروى أبو داود (١٥) وغيره، عن أبي سعيد ﵁ قال: سمعت النبي ﷺ يقول: (لا يخْرُجِ الرَّجُلان يَضْرِبَان الغَائطَ، كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدثَان، فَإنَ اللهَ ﷿ يمْقُتُ عَلى ذَلِكَ).
[يضربان: يأتيان. يمقت: يغضب].
(٤) ذكر النووي في المجموع (١/ ١٠٣) أن الحديث المستأنس به في هذا ضعيف، بل هو باطل، وأن الصحيح المشهور أنه يكره الاستقبال دون الاستدبار. قال الخطيب في الإقناع (١/ ٤٦): وهذا هو المعتمد.
1 / 21