Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Nau'ikan
حسن الرأي
إذا قال أحد الناس: نعم، إنه كان عالمًا أو كان أعلمهم، لكن قد يفوقه آخرون في حسن الرأي وفي استغلال العلم الذي يعلمه.
فإننا نرد على ذلك بأن نقول: إن الصديق كان أعظم الصحابة رأيًا وأحكمهم في التصرف، فإن الرسول ﷺ كان دائم الاستشارة للصديق ﵁ وأرضاه، وكان أحيانًا يستشيره بمفرده وأحيانًا يستشيره مع الصحابة، وكان يميل إلى رأيه دائمًا ﷺ، وظهر ذلك واضحًا في استشارته في أمر قتال المشركين في بدر، وظهر في أمر الأسارى في بدر، وظهر في الحديبية بشكل عجيب لما توافقت كلمات رسول الله ﷺ ورأيه مع كلمات ورأي أبي بكر الصديق ﵁ وأرضاه.
أخرج الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غنم ﵁ والطبراني عن البراء بن عازب ﵁ أن رسول الله ﷺ قال لـ أبي بكر وعمر: (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما).
وظهر من حسن الرأي للصديق ﵁ وأرضاه في أيام خلافته ما يعجز البيان عن وصفه، فهناك تفصيلات كثيرة سنتحدث عنها -إن شاء الله- في حلقات حروب الردة، وفي حلقات فتوح فارس والعراق، وفي حلقات فتوح الشام، ونشرح فيها آراء الصديق السديدة واختياراته الحكيمة، ولا يخفى علينا جميعًا ما في حسن اختياره لـ عمر بن الخطاب كخليفة من بعده ما أصلح للأمة أمرها وقوى من شأنها، فالرجل فعلًا يا إخوة مسدد الرأي وعظيم الحكمة، ومن العسير حقًا أن تبحث له عن خطأ في رأي أو في حكم أو في قضية.
روى الطبراني وأبو نعيم وغيرهما عن معاذ بن جبل ﵁: (أن النبي ﷺ لما أراد أن يسرح معاذًا إلى اليمن استشار ناسًا من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأسيد بن حضير فتكلم القوم كل إنسان برأيه، فقال النبي ﷺ: ما ترى يا معاذ؟ قال معاذ: أرى ما قال أبو بكر، فقال النبي ﷺ: إن الله يكره فوق سمائه أن يُخطأ أبو بكر).
وروى ذلك أيضًا ابن أبي أسامة في مسنده بلفظ: (إن الله يكره في السماء أن يُخطأ أبو بكر الصديق في الأرض).
وأخرج ذلك الطبراني عن سهل بن سعد الساعدي ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إن الله يكره أن يُخطأ أبو بكر).
قال السيوطي: رجاله ثقات.
واستدل ابن القيم ﵀ على فضل الصديق بهذا الحديث، وأضاف أن الرسول ﷺ لم يخطئ أبا بكر أبدًا في حياته إلا مرات قليلة، وهذه المرات كانت في تعبير الرؤيا، وليست في حكم من الأحكام، يعني: في رؤيا عرضت للصديق ففسرها الصديق فبعض التفسيرات للصديق كانت خاطئة.
قال ابن القيم: إن المقصود بالتخطيء في الحديث الشريف الذي لا يرضاه الله ﷿ هو تخطيء البشر العاديين من غير رسول الله ﷺ لـ أبي بكر الصديق، لكن ليس هناك أحد من البشر يعرف يخطئ الصديق في حكم من الأحكام.
فأي رجل هذا؟ ومع هذا العلم الغزير والرأي الحكيم إلا أن الصديق ﵁ كان دائم الاستشارة لأصحابه، ولم يكن يعتد برأيه أبدًا حتى في قضايا حروب الردة وإنفاذ بعث أسامة بن زيد ﵄، وطبعًا نحن نعرف أن هذا كان رأي الصديق وأصر عليه ونفذه، وإن كان هو صاحب الرأي إلا أنه لم يفعله إلا بعد إقناع الصحابة برأيه، وعلموا جميعًا أن الحق مع الصديق ﵁ وأرضاه.
وعن ميمون بن مهران ﵀ قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله ﷺ في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال: أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله ﷺ قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه نفر كلهم يذكر عن رسول الله ﷺ فيه قضاءً، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا ﷺ، فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول الله ﷺ جمع رءوس الناس وخيارهم
9 / 9