Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Nau'ikan
موقف الصديق ﵁ مع ربيعة الأسلمي ﵁
هذه النفس الرقيقة والقلب الخاشع والروح الطاهرة النقية والطبيعة الهينة اللينة تفسر لنا كثيرًا من مواقف أبي بكر العجيبة ﵁ وأرضاه، أخرج الإمام أحمد ﵀ بسند حسن عن ربيعة الأسلمي ﵁ قال: جرى بيني وبين أبي بكر كلام.
يعني: كلام فيه شيء من الحدة، فقال لي كلمة كرهتها وندم.
وهذا الكلام يدور في المدينة، وأبو بكر هو المستشار الأول لرسول الله ﷺ، يعني: بلغة العصر: نائب الرئيس مباشرة، وربيعة الأسلمي هو خادم رسول الله ﷺ، فقال أبو بكر كلمة كرهها ربيعة، ويبدو أن الخطأ كان من أبي بكر الصديق ﵁ وأرضاه، وأدرك ذلك، ويحدث أن يخطئ البشر مهما علا قدرهم وسمت أخلاقهم، لكنه ثاب إلى رشده بسرعة عجيبة وشعر بالندم كما قال ربيعة وهو يصف الموقف: فقال لي كلمة كرهتها وندم، لكن هل وقف الندم عند حد الشعور به والتألم الداخلي فقط؟ أبدًا.
رقة نفسه خرجت بهذا الندم إلى حيز العمل، وأسرع وهو نائب الرئيس يقول لـ ربيعة الخادم: يا ربيعة! رد علي مثلها؛ حتى يكون قصاصًا، يعني: اشتمني يا ربيعة! كما شتمتك، يا ربيعة! رد علي مثلها؛ حتى يكون قصاصًا.
قال: قلت: لا أفعل.
وطبعًا ربيعة عنده أدب عظيم؛ لأنه تربية رسول الله ﷺ، فهو خادم رسول الله ﷺ.
قال: لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله ﷺ.
يعني: لو ما شتمتني سأشتكيك إلى رسول الله ﷺ.
يقول ربيعة: فقلت: ما أنا بفاعل.
يعني مستحيل ما أقدر، فانطلق أبو بكر ﵁ إلى النبي ﷺ وانطلقت أتلوه، يعني: فعلًا ذهب يشتكيه إلى رسول الله ﷺ، يقول ربيعة: وجاء أناس من أسلم فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله ﷺ وهو الذي قال لك ما قال؟ وطبعًا من الناس من لا يفهم هذه الأبعاد النبيلة في نفس الصديق ﵁ وأرضاه.
فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين، هذا ذو شيبة في الإسلام.
ربيعة الأسلمي رجل واع وفاهم، والإسلام جعل الناس سواسية، لكنه لابد أيضًا أن ينزل الناس منازلهم، وأن يعطي كل ذي قدر قدره.
ثم يقول ربيعة: إياكم! لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله ﷺ فيغضب لغضبه، فيغضب الله ﷿ لغضبهما فيهلك ربيعة.
إنه مجتمع عجيب، وأعجب من هذا المجتمع الإسلام الذي غير في نفسيات القوم في سنوات معدودات حتى أصبحوا هكذا كالملائكة.
قالوا: ما تأمرنا؟ قال: ارجعوا.
يعني: اتركوني أنا مع أبي بكر مع رسول الله ﷺ، وانطلق أبو بكر ﵁ وتبعته حتى أتى رسول الله ﷺ فحدثه الحديث كما كان، فرفع إلي رأسه ﷺ فقال: (يا ربيعة! ما لك والصديق؟) رسول الله ﷺ كان يغضب إذا أحد أغضب الصديق ﵁ وأرضاه.
قال: (يا ربيعة! ما لك والصديق؟ فقلت: يا رسول الله! كان كذا وكذا بيني وبينه فقال لي كلمة كرهتها، فقال لي: قل كما قلت؛ حتى يكون قصاصًا، فأبيت، فقال ﷺ: أجل يا ربيعة! لا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر!) إنها حكمة نبوية راقية، فالمؤمن ليس بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذي، ومن حكمته ﷺ أن يرد الإساءة بالإحسان فيكسب قلوب الخلق، بل هذا هو تعليم ربنا لنا في كتابه الكريم حيث قال: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت:٣٤].
فقال رسول الله ﷺ: (قل: غفر الله لك يا أبا بكر! فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر! قال: فولى أبو بكر ﵁ وأرضاه وهو يبكي) وطبعًا! لابد أن نقدر موقف الصديق، فهذا الرجل صفحته بيضاء نقية لابد أن يحرص على نظافتها قدر الاستطاعة حتى ولو كانت كلمة بسيطة، فقال له الرجل: غفر الله لك يا أبا بكر! ومع ذلك هو يريد أن يبقي هذه الصفحة نقية طاهرة.
ومثل هذا لو أن واحدًا يحافظ على صلاة الفجر كل يوم كل يوم ثم فاتته يومًا فيحز
2 / 10