109

Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq

الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق

Nau'ikan

الرد على فرية أن النبي ﷺ أوصى لعلي بن أبي طالب بالخلافة وهناك نقطة أخرى خطيرة: لا شك أن الذين أشاعوا هذه القضية كانوا يعلمون أن حجتهم ليست بالقوية، فهم يطلبون خلافة لـ علي بن أبي طالب ﵁ على أساس القبلية والقرابة، وهذه مؤهلات غير مقبولة في الشرع، فماذا يفعلون حتى يثبتوا خلافة في غير موضعها؟ لقد بحثوا عن مصداقية أخرى لهذا الأمر، فوجدوها في فرية أخرى ابتدعوها ابتداعًا، تلك الفرية هي الادعاء بأن الرسول ﷺ قد أوصى لـ علي بن أبي طالب ﵁ بالخلافة من بعده، فعملوا موضوع الوصية المشهور، ونشرت طوائف كثيرة من الشيعة هذه الإشاعة، وأعجبت المستشرقون والعلمانيون حتى درسوها في المدارس والجامعات؛ حتى يوهموا الدارسين أن المخالفات الشرعية بين الصحابة كانت مبكرة جدًا، فبمجرد أن مات الرسول ﵊ بدأ الصحابة يخالفون، هكذا أرادوا. وللأسف وجدت مثل هذه المناهج رواجًا، وما زالت تدرس وبشدة في أكثر من جامعة مسلمة، ووجدت أيضًا كتب كثيرة تتبنى هذا الفكر مع كونه مغايرًا للحقيقة تمامًا. وللرد على هذه الإشاعة أو الشبهة (شبهة أن الرسول ﷺ قد أوصى لـ علي بن أبي طالب ﵁ وأرضاه بالخلافة) نقول: أولًا: لم يرد بهذه الوصية نقل صحيح، فكل الروايات التي ذكرت هذه الوصية روايات في غاية الضعف، بل هي موضوعة من الأصل، يعني: أنها مؤلفة، ونحن كمسلمين حريصون على ديننا فيجب أن نحرص على أن ننقل الصحيح فقط من الروايات، وبالذات في هذه القضايا الشائكة وهذه الأمور التي يطعن بسببها في صحابي أو أكثر، ومن أراد أن يخرج علينا بفكرة الوصاية فعليه أن يأتي بالدليل الصحيح، وإلا فما أسهل الكلام! النقطة الثانية: إذا كانت هناك وصية معلومة من رسول الله ﷺ إلى علي بن أبي طالب ﵁، للزم أن نفترض أن الصحابة جميعًا اتفقوا على مخالفتها، وطبعًا مخالفة وصية كهذه ستكون مخالفة واضحة صريحة للشرع، فيلزم هنا مرة ثانية أن نتهم الصحابة جميعًا بالمخالفة الشرعية للإسلام، وهذا أمر خطير لا يعقله عاقل. وكيف يمكن أن جيلًا بأكمله يتفق على خلافة رجل وإنكار خلافة رجل آخر، مع وجود الوصية بغير ذلك؟ مع العلم أن أبا بكر الصديق وعلي بن أبي طالب ﵄ كلاهما من قريش، يعني: لا مجال لترجيح واحد على الآخر إن كانت هناك وصية بذلك، وكيف يتفق الأنصار مع القرشيين على علي بن أبي طالب؟ ولماذا الأنصار يختارون سيدنا أبا بكر ولا يختارون سيدنا عليًا ويتفقون مع القرشيين على ذلك؟ هذه تساؤلات لا رد عليها عند طوائف الشيعة التي تتبنى فكرة الوصية لـ علي بن أبي طالب، ولن يستطيعوا أن يخرجوا من هذا المأزق إلا بأمر عجيب. ففسقوا وأحيانًا كفروا كل جيل الصحابة إلا مجموعة تعد على أصابع اليدين، وهذا من المستحيل أن يستساغ عقلًا فضلًا عن غياب النقل الصحيح بذلك. هذا الموقف في غاية الخطورة، وترتبت عليه نتائج خطيرة، فإن هذه الطوائف الشيعية المتجاوزة قالت: إن كان هؤلاء الصحابة بدلوا وغيروا في أمر خطير كهذا، فكيف يقبل منهم بقية الأمور؟ لذلك قالوا: يجب ألا ينقلوا عنهم حديثًا ولا دينًا ولا تشريعًا ولا فقهًا، فحرموا أنفسهم وأتباعهم من آلاف الأحاديث التي نقلت عن طريق هؤلاء الصحابة. فقالوا: لا نأخذ عن عائشة، ولا نأخذ عن أبي هريرة، ولا نأخذ عن عمر بن الخطاب، ولا نأخذ عن عبد الله بن عمر، ولا نأخذ عن عبد الله بن عمرو، ولا نأخذ عن كل الأنصار. إذًا: أين الدين؟ وأين الشرع الذي تتبعون؟! لا يأخذون إلا ما جاء عن طريق علي بن أبي طالب وعدد محدود جدًا لا يزيد عن العشرة من صحابة رسول الله ﷺ، وينقلون عنهم بواسطة طرقهم الخاصة التي هي في غالبها ضعيفة، بينما يعرضون كلية عن كل الطرق التي قبلها علماء السنة المسلمين؛ لأنهم كما يقولون: نقلوا عن الصحابة الذين تآمروا -في زعمهم- على علي بن أبي طالب ﵁. فهؤلاء لا يعترفون بـ البخاري ولا بـ مسلم ولا بسنن أبي داود، ولا بـ الترمذي، ولا بـ النسائي، ولا بـ ابن ماجه، ولا بالإمام أحمد ولا يعترفون بكل أئمة الحديث عند المسلمين. وهذه كارثة وهاوية سحيقة، وضرب للدين في أصوله. النقطة الثالثة: إذا كان هناك فعلًا وصية لـ علي بن أبي طالب ﵁ وأرضاه، فلماذا لم يصرح بها علي بن أبي طالب أو حتى يكتفي بالإشارة أو بالتلميح؟ ألا يعد علي بن أبي طالب هنا كاتمًا لما أوصاه به رسول الله ﷺ؟! وإذا كانت هناك وصية لأحد فكتمها فإنه يعد

11 / 4