الرسالة التدمرية

Ibn Taymiyya d. 728 AH
30

الرسالة التدمرية

الرسالة التدمرية

Mai Buga Littafi

المطبعة السلفية

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

1399 AH

Inda aka buga

القاهرة

التَّامِّ أَنْ يُحَصِّلَهُ بِطَرِيقِ مَعْكُوسٍ مِنْ بَعِيدٍ. فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي فِعْلِ الْعِبَادِ عِنْدَ ضَرُورَتِهِمْ، وَدُعَائِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَمَامُ قَصْدِهِمْ له ألا يَتَوَجَّهُوا إلَيْهِ إلَّا تَوَجُّهًا مُسْتَقِيمًا، فَيَتَوَجَّهُوا إلَى الْعُلُوِّ دُونَ سَائِرِ الْجِهَاتِ؛ لِأَنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، الْقَرِيبُ. وَمَا سِوَاهُ فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ وَالِانْحِرَافِ وَالطُّولِ مَا فِيهِ، فَمَعَ الْقَصْدِ التَّامِّ الَّذِي هُوَ حَالُ الدَّاعِي الْعَابِدِ، وَالسَّائِلِ الْمُضْطَرِّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ إلَّا إلَى الْعُلُوِّ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُدْلِيَ بِحَبْلِ يَهْبِطُ عَلَيْهِ، فَهَذَا هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بُعِثُوا بِتَكْمِيلِ الْفِطْرَةِ وَتَقْرِيرِهَا، لَا بِتَبْدِيلِ الْفِطْرَةِ وَتَغْيِيرِهَا، قَالَ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الفطرة، فأبوه يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ". وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٣٠]، فَجَاءَتْ الشَّرِيعَةُ فِي الْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ بِمَا يُوَافِقُ الْفِطْرَةَ، بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الضَّلَالِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالصَّابِئِينَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ غَيَّرُوا الْفِطْرَةَ فِي الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ جَمِيعًا وَخَالَفُوا الْعَقْلَ وَالنَّقْلِ، كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقَن قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ "، وَفِي رِوَايَةٍ: " أَنَّهُ أَذِنَ أَنْ يَبْصُقَ فِي ثَوْبِهِ ".

1 / 31