Al-Rabit wa Atharuhu fi al-Tarakib fi al-Arabiyya
الرابط وأثره في التراكيب في العربية
Mai Buga Littafi
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
Lambar Fassara
السنة السابع عشرة العددان السابع والستون والثامن والستون رجب-ذو الحجة ١٤٠٥هـ
Shekarar Bugawa
١٩٨٥م
Nau'ikan
مدخل
الرابط وَأثَره في التراكيب في العربية:
للدكتور حمزة عبد الله النشرتي أستاذ مساعد بكلية الشريعة
يمتاز الأسلوب العربي بقوة العلاقة بين جمله، والترابط بين أجزائه، فالترابط يحدد أبعاد المعنى ويرفع منه كل لبس وإبهام لآن الربط قائم بين جزء في الجملة الإسمية والفعلية، والجملة بأنواعها: شرطية أو حالية أو صلة أو صفة لابد من وجود ما يربطها بسابقها.
والرابط في التركيب اللغوي متعدد في أنواعه مختلف في اتجاهاته فقد عرف النحاة الضمير رابطًا، وهذا النوع لكونه أصل كل رابط فقد اتسع استخدامه وامتدت دائرته فتجده في الصفة المشبهة رابطًا، وفي التوكيد والبدل كما تجده في الظروف والجار والمجرور، وأكثر ما تجده في الجمل الخبرية والحالية وجملة الصفة.
وقد شهد التركيب اللغوي أنماطًا أخرى من الروابط فقد وقع في اللغة الربط بالاسم الظاهر، وباسم الإشارة، كما وقع الربط بالمعنى والعموم والخصوص، والعمل. وجوانب كثيرة سيكشف عنها هذا البحث.
لقد تمسك الكوفيون ببعض الأمثلة واتخذوها أساسًا لجواز الربط بأل من ذلك قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ . فرأى الكوفيون أن: "أل" في المأوى رابطة حلت محل الضمير، والأصل مأواه، ولم يرتضى ذلك جمهور النحاة فالتناوب بين الإسم والحرف قبيح.
وقد يجتمع في الجملة أكثر من رابط. ألا ترى أن جملة الحال قد تربط بالواو والضمير معًا؟ ففي قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ الجملة الحالية ربطت بالواو والضمير معًا. وجملة جواب الشرط قد تربط بالفاء والضمير معًا. اقرأ قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ . فجملة فإني أعذبه
1 / 136
وقعت جوابًا للشرط وفيها الربط بالضمير الذي يعود على المبتدأ كما أن في الجواب رابطًا آخر هو الفاء.
وجملة جواب الشرط قد تجتمع فيها بالفاء وإذا رابطتين لتأكيد وتقوية الربط ففي قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ربطت جملة الجواب بالفاء وإذا.
والربط في الأسلوب العربي ليس مقصورًا على هذه الروابط اللفظية. إذ الجملة قد تخلو منه إلا أن ارتباطها بما قبلها موجود وقائم حتى لا يصبح التركيب مبتورًا وغير مترابط فقد تكون الجملة الثانية مؤكدة، أو مفصلة أو معللة ...
وشاعرنا العربي عندما بنى قصيدته فإن أبياتها لم تكن مجرد سرد بيت تلو آخر، وإنما تحكمت فيه العاطفة ممزوجة بالفكرة فجاءت الأبيات مرتبطًا بعضها ببعض حتى أصبحت القصيدة بناءً كاملًا مترابطًا. فالبيت قد يربط بسابقه بعلاقة التوكيد أو التعليل أو الإجابة عن تساؤل أو ... ومما يدلنا على أن الشعراء كانوا يراعون الترابط في القصيدة الواحدة قول أحدهم للآخر: أنا أشعر منك فقيل له وكيف؟ فقال: لأني أقول البيت وأخاه وأنت تقول البيت وابن عمه. وهذا النوع من الروابط له مجاله ومباحثه لأن هذا البحث قد دار حول الرابط اللفظي الذي كثر دورانه على ألسنة النحاة.
ولكي يستفيد القاريء فإني قد حددت أنواع الرابط، ثم أشرت إلى مجال استخدام كل واستعماله. فمثلًا الربط بالعموم والخصوص حددت مجاله في تنازع العاملين، والربط بأل حددت مجالاته في الصفة المشبهة والخبر، والربط بالإسم الظاهر حددته في الجملة الخبرية وجملة الصلة والتوكيد.
والمتتبع لجوانب هذا البحث سيدرك بمشيئة الله مدى المعاناة التي بذلت في جمع شتات هذا الموضوع وتحديد معالمه ومناقشة آرائه.
نرجو الله أن ينفع به.. إنه سميع مجيب.
1 / 137
أولا: الرابط بالضمير
الجملة الخبرية
...
أولًا- الربط بالضمير
لما كان الأصل في الرابط أن يكون بالضمير فقد كثر دورانه في لغة العرب رابطًا للجملة بما قبلها، ورابطًا للإسم بما قبله، وقد وقع الربط به مذكورًا ومحذوفًا. ولكون الربط بالضمير هو الأصل ذكر النحاة أن الظاهر قد يحل في الربط محل الضمير.
والأصل في الجملة أن تكون كلامًا مستقلًا غير أنك إن قصدت جعلها جزءًا من كلام فلا بد من رابطة تربطها بالجزء الآخر. وهذه الرابطة هي الضمير إذ هو موضوع لمثل هذا الغرض، فبدونه يصبح الأسلوب مبتورًا غير مستوف ولا تُحَصَّلُ منه فائدة.
ومن الأشياء التي تربط بالضمير:-
الجملة الخبرية:-
تقع الجملة الخبرية إسميةً وفعليةً وشرطيةً. وكل هذا لابد فيه من رابط يعود على المبتدأ لئلا تقع أجنبية عن المبتدأ١ ففي قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَة﴾ ٢ وقع الخبر جملة فعلية وقد ربطت بالضمير، كما أن قولنا: القرآن حفظه مغنم وقع الخبر جملة أسمية وقد جاء الربط بالضمير.
وجملة الشرط على الخلاف بين النحويين: هل الخبر فعل الشرط أو الجواب أو هما معًا؟ فإن الضمير لابد من وجوده رابطًا للجملة بالمبتدأ.
ففي قوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه﴾ ٣ اشتمل فعل الشرط والجواب على رابط هو الضمير يعود إلى المبتدأ، وفي قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ ٤، الربط موجود بالضمير في "به" وفي قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُه﴾ ٥ في فعل الشرط ضمير الفاعل يعود على من، وضمير المفعول به في الجواب يعود على المبتدأ.
والضمير لكونه الأصل في الربط فقد جاء الربط به مذكور، ومحذوفًا ومن الربط
_________
١ ابن يعيش: (شرح المفصل جـ ١ ص ٩١) .
٢ الآية رقم ٦٧ من سورة الأنفال.
٣ الآية رقم ٨٠ من سورة النساء
٤ الآية رقم ١٣٢ من سورة الأعراف.
٥ الآية رقم ١١٥ من سورة المائدة.
1 / 138
بالضمير محذوفًا قوله تعالى: ﴿وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى..﴾ ١ يرفع كل وذكر الفراء أن الضمير قد يحذف قياسًا٢. وذلك إذا كان الضمير مفعولًا به والمبتدأ كل مثل قوله الشاعر:-
قد أصبحت أمُّ الخيار تدّعي ... على ذنبًا كُلُّهُ لم أصنع٣
وجملة الخبر إذا كانت نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط نحو"هو الله أحد" إذا قدر هو ضمير شأن فهو مبتدأ والله أحد جملة هي خبر المبتدأ. وهي عين المبتدأ في المعني لأنها مفسرة والمفسر عين المفسر٤ والجملة إذا كانت نفس المبتدأ فإنها بمثابة المفرد٥.
شبه الجملة:-
ويقع الخبر ظرفًا وجارًا ومجرورًا ويتعلقان بمحذوف وجوبًا ثم قيل: الخبر نفس الظرف والمجرور وحدهما. وقيل: هما ومتعلقهما والمتعلق جزء من الخبر واختاره الرضى. وذكر ابن هشام: أن الخبر هو المتعلق. واختلف في التقدير فقال الأخفش والفارسي والزمخشري: "التقدير كان أو استقر" والصحيح عند جمهور البصريين: "أن تقديره كائن لا كان أو استقر". وعلى القول بأن لهما متعلقًا تقديره كائن أو كان فإن الظرف والجار والمجرور بهما رابط يربطهما بالمبتدأ وسواءًَ أكان الضمير مستكنًا في المتعلق أو انتقل إلى الظرف فالرابط موجود٦.
_________
١ الآية رقم ١٠ من سورة الحديد وقراءة الرفع هي قراءة ابن عامر- البحر المحيط جـ ٨/٢١٨.
٢ الرضى: شرح الكافية جـ ١ ص ٩٢.
٣ شرح شواهد المفتي ٢/ ٥٤٤ وهو مطلع أرجوزة لأبي النجم العجلي وأم الخيار زوجة أبى النجم وهو في أمالي الشجري ١/٧، ٨٠، ٢٩٣ والكتاب ١/ ٤٤ والخزانة ١/١٧٣ وفي البيت شواهد أخرى لا محال لذكرها في هذا البحث.
٤ التصريح على التوضيح جـ ١ ص ١٦٣.
الصبان جـ ١ ص ١٩٥.
٥ في حاشية الصبان. قال الناظم في شرح التسهيل:" الجملة المتحدة بالمبتدأ معنى كل جملة مخبر بها عن مفرد يدل على جملة كحديث وكلام ومنه ضمير الشأن وإذا كانت الجملة الخبرية نفس المبتدأ في المعنى اكتفى بها عن الربط والمعنى أنه لا ضمير فيها لا أنه مستغنى عنه مع مكان الإتيان به مثل أفضل ما قلته: أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله ". حاشية الصبان جـ ١ ص١٩٧ تسهيل الفوائد ص ٤٨.
٦ حاشية الصبان- جـ ١ ص ١٩٩ ٠ التصريح جـ ١ ص ١٦٦.
ثانيًا: جملة الصلة وشبهها جملة الصلة:- تتميز الموصولات الإسمية عن الحرفية بأن الإسمية لابد في صلتها من كائن يعود إلى
ثانيًا: جملة الصلة وشبهها جملة الصلة:- تتميز الموصولات الإسمية عن الحرفية بأن الإسمية لابد في صلتها من كائن يعود إلى
1 / 139
الموصول ليحصل به الربط بين الموصول وصلته. فالصلة بعائدها يوضحان مفهوم اسم الموصول.
والموصول إن طابق لفظه معناه فلا إشكال في مطابقة العائد لفظًا ومعنى، وإن خالف لفظه معناه بأن يكون مفرد اللفظ مذكرًا وأريد به غير ذلك نحو من، وما ففي العائد وجهان: مراعاة اللفظ وهو الأكثر مثل قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْك﴾ ١.
ويجوز اعتبار المعنى مثل قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك﴾ ٢ ومثله قول الشاعر:-
تَعَشَّ فإن عاهَدْتَني لا تخونُني ... نَكُنْ مثلَ من يا ذئبُ يصطحبان ٣
وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ ٤ فقد أفرد الضمير في قوله ﴿يُطِعِ﴾ و﴿يُدْخِلْهُ﴾ باعتبار لفظ من، وجمع الوصف الواقع حالًا من ضمير يدخله باعتبار معناه٥.
_________
١ الآية رقم ١٦ من سورة محمد، وفي الآية الكريمة جاء عائد الموصول في يستمع مفردًا مراعاة للفظ، وبعدها خرجوا، جاء الضمير جمعًا مراعاة للمعنى أبو حيان: البحر المحيط جـ ٨ ص ٧٩.
٢ الآية رقم ٤٢ من سورة يونس. فالضمير في يستمعون عائد على معنى من ومراعاة المعنى أقل من مراعاة اللفظ. وهو كقوله تعالى- ﴿ومن الشياطين من يغوصون له﴾ ومن مراعاة اللفظ وهو الأكثر قوله تعالى: ﴿ومنهم من ينظر إليك﴾ . فالعائد مفرد مذكر المصدر السابق جـ ٥ ص ١٦١.
٣ البيت للفرزدق من قصيدة يخاطب بها الذئب الذي أتاه وهو نازل في بعض أسفاره في بادية. كان الفرزدق قد أخذ شاة ثم أعجله المسير فسار بها فجاء الذئب فحركها وهي مربوطة على بعير فأبصر الفرزدق الذئب وهو ينهشها فقطع رجل الشاة فرمى بها إليه فأخذها وتنحى. ثم عاد فقطع له اليد فرمى بها إليه. فلما أصبح القوم خبرهم الفرزدق بما كان.
تعش: أمر قوله: لا تخونني قيل انه الجواب. والحق أن يكون الجواب نكن مثل.. ويكون لا تخونني جواب القسم الذي تضمنه عاهدتني.
وقد استشهد به النحاة على أن عائد الموصول وقع مثنى في قوله يصطحبان مراعاة للمعنى ورواية الديوان: تعش فإن واثقتنى.
ورواية سيبويه: تعال..
سيبويه: الكتاب جـ ٢ ص ٤١٦.
الصبان جـ ١ ص ١٥٣.
الديوان- القاهرة ص ٨٧٠.
٤ الآية رقم ١٣ من سورة النساء.
٥ البحر المحيط جـ ٣ ص ١٩١، والتصريح جـ ١ ص ١٤٠.
الصلة بشبه الجملة:- وتقع صلة الموصول شبه جملة وهي نوعان:- الأول: الظرف والجار والمجرور. وتعلقهما باستقر محذوفًا وجوبًا فبذلك _________
الصلة بشبه الجملة:- وتقع صلة الموصول شبه جملة وهي نوعان:- الأول: الظرف والجار والمجرور. وتعلقهما باستقر محذوفًا وجوبًا فبذلك _________
1 / 140
أشبها الجملة ١، والعائد ضمير في المتعلق مطابق لاسم الموصول.
الثاني: الصفة الصريحة الخالصة للوصفية. وتقع صلة لأل الموصولة وهذه الصلة اسم لفظًا٢ فعل معنى، ومن ثم حسن عطف الفعل عليها نحو قوله تعالى: ﴿فالمغيرات صبحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾ ٣ وقوله: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ ٤.
ويلزم في عائد أل الموصولة اعتبار المعنى نحو الصائم والصائمة والمصدقين والمصدقات.
_________
١ التصريح جـ ١ ص ١٤١، الهمع: جـ ١ ص ٨٧.
٢ حاشية الصبان جـ ١ ص ١٦٤.
٣ الآية رقم ٣، ٤ من سورة العاديات.
٤ الآية رقم ١٨ من سورة الحديد.
جملة الحال:- تقع الحال جملة وشبه جمله. وتربط في الأصل بالضمير. وقد تربط بالواو أو بهما وسيأتي حديث لاحق عن الربط بالواو، وفي هذا الجزء سنتناول الجمل التي يتعين ربطها بالضمير فقط. وهذه الجمل هي:- الأولى: أن تبدأ الجملة بمضارع مثبت غير مسبوق بقد مثل قوله تعالى: ﴿وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ ٥ فجملة تستكثر حال من فاعل تمنن، ولم تقترن بالواو لأنه يشبه اسم الفاعل في الوزن والمعنى والواو لا تدخل اسم الفاعل فكذلك ما أشبهه. الثانية: الجملة الواقعة بعد عاطف مثل قوله تعالى: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ ٦ فجملة ﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ حالية وقد ربطت بالضمير ﴿هُمْ﴾ الثالثة: المؤكدة لمضمون الجملة السابقة مثل قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ _________ ٥ الآية رقم ٦ من سورة المدثر. وتخريج الجملة حالًا على قراءة الرفع وقرأ الحسن تستكثر بالسكون على الإبدال من تمنن كأنه قيل: ولا تمنع لا تستكثر وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار أن كقول الشاعر: ألا أيها الزاجري أحضر الوغى. وتؤيده قراءة ابن مسعود: ولا تمنن أن تستكثر. ويجوز في الرفع أن تحذف أن ويبطل عملها كما روى أحضر الوغى بالرفع، الزمخشرى: الكشاف جـ ٣ ص ٢٨٥. ٦ الآية رقم ٤ من سورة الأعراف. فجاءها. أي فجاء أهلها. بياتًا: مصدر واقع موقع الحال بمعنى بائتين، وقوله: أوهم قائلون جملة حالية معطوفة على بياتًا. فكأنه قيل: فجاءهم بأسنا بائتين أو قائلين من القيلولة المصدر السابق جـ ١ ص ٥٣٩، التصريح جـ ١ص٣٩١.
جملة الحال:- تقع الحال جملة وشبه جمله. وتربط في الأصل بالضمير. وقد تربط بالواو أو بهما وسيأتي حديث لاحق عن الربط بالواو، وفي هذا الجزء سنتناول الجمل التي يتعين ربطها بالضمير فقط. وهذه الجمل هي:- الأولى: أن تبدأ الجملة بمضارع مثبت غير مسبوق بقد مثل قوله تعالى: ﴿وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ ٥ فجملة تستكثر حال من فاعل تمنن، ولم تقترن بالواو لأنه يشبه اسم الفاعل في الوزن والمعنى والواو لا تدخل اسم الفاعل فكذلك ما أشبهه. الثانية: الجملة الواقعة بعد عاطف مثل قوله تعالى: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ ٦ فجملة ﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ حالية وقد ربطت بالضمير ﴿هُمْ﴾ الثالثة: المؤكدة لمضمون الجملة السابقة مثل قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ _________ ٥ الآية رقم ٦ من سورة المدثر. وتخريج الجملة حالًا على قراءة الرفع وقرأ الحسن تستكثر بالسكون على الإبدال من تمنن كأنه قيل: ولا تمنع لا تستكثر وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار أن كقول الشاعر: ألا أيها الزاجري أحضر الوغى. وتؤيده قراءة ابن مسعود: ولا تمنن أن تستكثر. ويجوز في الرفع أن تحذف أن ويبطل عملها كما روى أحضر الوغى بالرفع، الزمخشرى: الكشاف جـ ٣ ص ٢٨٥. ٦ الآية رقم ٤ من سورة الأعراف. فجاءها. أي فجاء أهلها. بياتًا: مصدر واقع موقع الحال بمعنى بائتين، وقوله: أوهم قائلون جملة حالية معطوفة على بياتًا. فكأنه قيل: فجاءهم بأسنا بائتين أو قائلين من القيلولة المصدر السابق جـ ١ ص ٥٣٩، التصريح جـ ١ص٣٩١.
1 / 141
فِيهِ﴾ فجملة لا ريب فيه. جملة حالية مؤكدة لمضمون الجملة السابقة١. وهي ذلك الكتاب. وقد جاء الربط بالضمير في كلمة ﴿فِيهِ﴾ وكون الجملة الحالية مؤكدة لأن الأولى تفيد أن الكتاب في قمة الكمال فهو مبرأ من كل ريب.
الرابعة: الجملة الفعلية المصدرة بماض تال إلا مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ٢ فجملة كانوا به يستهزئون حال من الهاء والميم في يأتيهم ولا تقترن بالواو عند ابن مالك.
الخامسة: الجملة الفعلية المصدرة بماض متلو بأو. مثل لأضربنه ذهب أو مكث. فجملة ذهب حال من الماء وهي متلوة بأو فلا تقترن بالواو لأنها في تقدير شرط أي إن ذهب وان مكث، وفعل الشرط لا يقترن بالواو فكذلك ما كان في تقديره.
السادسة: المضارع المنفي بلا مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ ٣ ﴿مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ ٤، وقوله: ﴿مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ﴾ ٥.
السابعة: المضارع المنفى بما كقول الشاعر:
عَهْدتُكَ مَا تصبُو وفيكَ شبيبة ... فمالَكَ بعد الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيَّمًا٦
_________
١ الآية رقم ٢ من سورة البقرة.
لا ريب: المختار أن يكون ذلك الكتاب جملة مستقلة لأنه متى أمكن حمل الكلام على الإستقلال دون إضمار ولا افتقار كان أولى. ولا ريب: جملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب أو في موضع نصب على الحال. أي مبرأ من الريب، والمختار أن خبر لا محذوف للعلم به إذ هي لغة تميم إذا علم لا يلفظ به، ولغة الحجاز كثرة حذفه واختار الزمخشري. أن فيه خبرًا للا. فالحملة أخبرت أن المشار إليه هدا الكتاب الكامل كما تقول محمد الرجل أي الكامل في الأوصاف. والثانية نفت أن يكون فيه شيء من الريب والثالثة أخبرت أن فيه الهدى للمتقين.
الزمحشري الكشاف ١/٨٨، أبو حيان: البحر المحيط ١ ص ٣٣؟.
٢ الآية رقم ١١من سورة الحجر.
٣ الآية رقم ٨٤ من سورة المائدة، فجملة نؤمن بالله حال من الضمير المجرور باللام ولم تقترن بالواو لأن المضارع المنفى بلا بمنزلة اسم الفاعل المضاف إليه غير فأجرى مجراه ألا ترى أن معناه مالنا غير مؤمنين فلما لا يقال ما لنا وغير مؤمنين، لا يقال مالنا ولا نؤمن.
مالنا: ما: استفهامية، ولنا في موضع الخبر، ولا نؤمن: جملة حالية ربطت بالضمير في نؤمن، والتقدير غير مؤمنين. البحر المحيط: جـ ٤ ص ٧.
٤ الآية رقم ٢٠ من سورة النحل.
٥ الآية رقم ٢٥ من سورة الصافات
٦ البيت أنشده ابن مالك في شرح التسهيل ولم ينسبه.
عهدتك: عرفتك. تصبو: من الصبوة. وهى الميل إلى النساء. شبيبة: هي الفترة التي يكون فيها الإنسان موفور القوة. صبًا: وصف من الصبابة وهي رقه الهوى والعشق. متيمًا. اسم مفعول من تيمه العشق إذا استعبده وأذله.
ابن هشام: أوضح المسالك جـ٢ ص ١٠٤، التصريح جـ ١ ص ٣٩٢ الصبان جـ٢ ص ١٨٩.
1 / 142
فجملة ما تصبو: خالية من ضمير الخطاب في عهدتك وجاء الربط بالضمير في تصبو.
وقد ورد دخول الواو مع الضمير في قولهم: قمت وأصلك وقد يخرج على تقدير مبتدأ، ومثله قوله تعالى: ﴿فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانّ﴾ ١بتخفيف النون، فقد خرج ابن مالك٢ الآية على حذف المبتدأ إلا أن ابن الناظم جعل ترك الواو قبل لا أكثر فعنده تكون لافية دون النهي لثبوت نون الرفع فتكون الواو للحال٣، وقد رأى ابن عصفور أن تكون الواو للحال دخلت على المضارع مباشرة شذوذًا ويرده وروده في التنزيل الكريم في هذه الآية وفي قوله تعالى: ﴿وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا﴾ ٤ ولا ينبغي أن يخرج القرآن على الشذوذ.
وذكر أبو البقاء في قراءة التخفيف أن "لا" يجوز٥ أن تكون ناهيةً وحذفت النون الأولى من الثقيلة تخفيفًا، ولم تحذف الثانية لأنه لو حذفها لحذف نونًا محركة واحتاج إلى تحريك الساكنة، وحذف الساكنة أقل تغيرًا، وعلى هذا تكون الواو عاطفة كما أجاز أبو البقاء أن تكون لا نافية والواو عاطفة لا واو الحال، وصح عطف الخبر على الأمر لأنه في معنى الطلب، كما عطف الطلب في قوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ ٦ على الخبر الذي في معناه في قوله تعالى: ﴿لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ﴾ .
_________
١ الآية رقم ٨٩ من سورة يونس وراجع: الكشاف جـ ٢ ص ٨٥. البحر المحيط جـ ٥ ص ١٨٨.
٢ ابن مالك: شرح الكافية الشافية ص ٧٦٢.
٣ التصريح جـ ١ ص٠٣٩٢ الصبان جـ ٢ ص ١٨٩.
٤ الآية رقم ٨٤ من سورة المائدة. وراجع البحر المحيط جـ ٤ ص ٧.
٥ أبو البقاء جـ ٢ ص ٣٣.
٦ الآية رقم ٨٣ من سورة البقرة.
الحال شبه الجملة:- وتقع الحال شبه الجملة: ظرفًا أو جارًا ومجرورًا تامين، ويربطان بالضمير المستكن في المتعلق ففي مثل: رأيت الهلال بين السحاب. بين ظرف مكان في موضع الحال من الهلال. وفي قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِه﴾ ٧ الجار والمجرور وهو ﴿فِي زِينَتِه﴾ في موضع الحال من فاعل خرج العائد على قارون. والظرف والجار والمجرور الواقعان حالين يتعلقان بمحذوف وجوبًا تقديره مستقر٨، _________ ٧الآية رقم ٧٩ من سورة القصص. ٨ التصريح جـ ١ص ٣٨٨.
الحال شبه الجملة:- وتقع الحال شبه الجملة: ظرفًا أو جارًا ومجرورًا تامين، ويربطان بالضمير المستكن في المتعلق ففي مثل: رأيت الهلال بين السحاب. بين ظرف مكان في موضع الحال من الهلال. وفي قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِه﴾ ٧ الجار والمجرور وهو ﴿فِي زِينَتِه﴾ في موضع الحال من فاعل خرج العائد على قارون. والظرف والجار والمجرور الواقعان حالين يتعلقان بمحذوف وجوبًا تقديره مستقر٨، _________ ٧الآية رقم ٧٩ من سورة القصص. ٨ التصريح جـ ١ص ٣٨٨.
1 / 143
أو استقر وكون المتعلق مقدر بالمفرد أو الجملة فالرابط موجود وهو الضمير المستكن في المتعلق.
جملة الصفة مدخل ... جملة الصفة:- توصف النكرة بجملة مكونة من فعل وفاعل١ أو مبتدأ وخبر أو مكونة من شرط أو جزاء كما توصف بالظرف والجار والمجرور. وكل هذه الصفات لابد فيها من رابط يعود إلى الموصوف، وإنما اشترط هذا الرابط ليحصل بذلك الربط اتصاف الموصوف بمضمون الصفة٢ فيحدث التخصيص والتعريف المطلوب. فإذا قلت: مررت برجل قام عمرو لم يكن الرجل متصفًا بقيام عمرو بوجه فلا تخصص به. فإذا قلت: قام عمرو في داره صار الرجل متصفًا بقيام عمرو في داره. فمن الوصف بالجملة قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه﴾ ٣ فجملة ترجعون في موضع نصب صفة لـ ﴿يَوْمًا﴾ وقد وقع الربط بالضمير المذكور وهو ﴿فِيهِ﴾ والرابط في جملة الصفة قد يحذف. قال الشاعر:- أن يقتلوك فإن قتلك لم يكن ... عارًا عليك ورُبَّ قتلٍ عارُ٤ فالرابط محذوف من جملة الصفة والتقدير هو عار، ومن العائد المحذوف قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ ٥ أي لا تجزى فيه. وهل حذف الجار والمجرور معًا أو حذف الجار وحده فانتصب الضمير واتصل بالفعل، ثم حذف منصوبًا قولان الأول عن سيبويه والثاني عن الأخفش٦. _________ ابن يعيش: شرح المفصل جـ ٣ ص ٥٢. ٢ الرضى: شرح الكافية جـ ١ص ٣٠٨. ٣ الآية رقم ٢٨١ من سورة البقرة. ٤ البيت ضمن أبيات لثابت بن قطنة رثى بها يزيد بن المهلب. وإنما قيل له ثابت قطنة لأن عينه أصيبت في بعض معارك الترك. فكان يجعل عليها قطنة. وقد أورده ابن هشام شاهدًا على أن إن بمعنى إذ ونقل ابن السيد البطليوسي فيما كتبه على الكامل قول المبرد: هكذا أنشده النحويون: رب قتل عار على إضمار هو عار وأنشد فيه المازني. وبعض قتل عار. وقد استدل الأخفش والكوفيون على اسمية رب بهذا البيت جعلها مبتدأ خبره عار، والجمهور على أن رب حرف جر شبيه بالزائد، وقيل المجرور في موضع رفع مبتدأ، وعار خبر لمحذوف أي هو عار، والجملة صفة لقتل، ومن جعل رب حرف جر زائد لا يتعلق بشيء. قال: قتل مبتدأ، وعار خبر، وما في رب من معنى التكثير هو المخصص للإبتداء. المبرد: المقتضب. جـ ٣ ص ٦٦. الجاحظ: البيان والتبين: جـ ١ ص ٢٩٣. ابن السيد: إصلاح الخلل الواقع في الجمل ص ٣٨٠. ٥ الآية رقم ١٢٣ من سورة البقرة. ٦ التصريح جـ ٢ ص ١١١.
جملة الصفة مدخل ... جملة الصفة:- توصف النكرة بجملة مكونة من فعل وفاعل١ أو مبتدأ وخبر أو مكونة من شرط أو جزاء كما توصف بالظرف والجار والمجرور. وكل هذه الصفات لابد فيها من رابط يعود إلى الموصوف، وإنما اشترط هذا الرابط ليحصل بذلك الربط اتصاف الموصوف بمضمون الصفة٢ فيحدث التخصيص والتعريف المطلوب. فإذا قلت: مررت برجل قام عمرو لم يكن الرجل متصفًا بقيام عمرو بوجه فلا تخصص به. فإذا قلت: قام عمرو في داره صار الرجل متصفًا بقيام عمرو في داره. فمن الوصف بالجملة قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه﴾ ٣ فجملة ترجعون في موضع نصب صفة لـ ﴿يَوْمًا﴾ وقد وقع الربط بالضمير المذكور وهو ﴿فِيهِ﴾ والرابط في جملة الصفة قد يحذف. قال الشاعر:- أن يقتلوك فإن قتلك لم يكن ... عارًا عليك ورُبَّ قتلٍ عارُ٤ فالرابط محذوف من جملة الصفة والتقدير هو عار، ومن العائد المحذوف قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ ٥ أي لا تجزى فيه. وهل حذف الجار والمجرور معًا أو حذف الجار وحده فانتصب الضمير واتصل بالفعل، ثم حذف منصوبًا قولان الأول عن سيبويه والثاني عن الأخفش٦. _________ ابن يعيش: شرح المفصل جـ ٣ ص ٥٢. ٢ الرضى: شرح الكافية جـ ١ص ٣٠٨. ٣ الآية رقم ٢٨١ من سورة البقرة. ٤ البيت ضمن أبيات لثابت بن قطنة رثى بها يزيد بن المهلب. وإنما قيل له ثابت قطنة لأن عينه أصيبت في بعض معارك الترك. فكان يجعل عليها قطنة. وقد أورده ابن هشام شاهدًا على أن إن بمعنى إذ ونقل ابن السيد البطليوسي فيما كتبه على الكامل قول المبرد: هكذا أنشده النحويون: رب قتل عار على إضمار هو عار وأنشد فيه المازني. وبعض قتل عار. وقد استدل الأخفش والكوفيون على اسمية رب بهذا البيت جعلها مبتدأ خبره عار، والجمهور على أن رب حرف جر شبيه بالزائد، وقيل المجرور في موضع رفع مبتدأ، وعار خبر لمحذوف أي هو عار، والجملة صفة لقتل، ومن جعل رب حرف جر زائد لا يتعلق بشيء. قال: قتل مبتدأ، وعار خبر، وما في رب من معنى التكثير هو المخصص للإبتداء. المبرد: المقتضب. جـ ٣ ص ٦٦. الجاحظ: البيان والتبين: جـ ١ ص ٢٩٣. ابن السيد: إصلاح الخلل الواقع في الجمل ص ٣٨٠. ٥ الآية رقم ١٢٣ من سورة البقرة. ٦ التصريح جـ ٢ ص ١١١.
1 / 144
الصفة بشبه الجملة:-
كما وقع الظرف والجار والمجرور التامان حالين فإنهما يكونان في موضع الصفة أيضًا ففي مثل: قرأت كتابًا في التفسير. الجار والمجرور قد خصص الكتاب وضيق دائرة عمومه فهو في موضع الصفة المجيئة بعد النكرة.
وفي مثل رأيت نجمًا بين السحاب. ظرف المكان هنا في موضع الصفة لنجمًا. والظرف والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف وجوبًا تقديره مستقرًا أو استقر وعلى كلا الأمرين فالرابط موجود وهو الضمير المستكن والمستقر في المتعلق المحذوف.
الصفة بشبه الجملة:- كما وقع الظرف والجار والمجرور التامان حالين فإنهما يكونان في موضع الصفة أيضًا ففي مثل: قرأت كتابًا في التفسير. الجار والمجرور قد خصص الكتاب وضيق دائرة عمومه فهو في موضع الصفة المجيئة بعد النكرة. وفي مثل رأيت نجمًا بين السحاب. ظرف المكان هنا في موضع الصفة لنجمًا. والظرف والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف وجوبًا تقديره مستقرًا أو استقر وعلى كلا الأمرين فالرابط موجود وهو الضمير المستكن والمستقر في المتعلق المحذوف.
جملة الشرط والجواب:- من خلال تتبعي لكثير من الأساليب العربية المشتملة على الجملة الشرطية وجدت أن اسم الشرط إذا وقع مبتدأ أو وقع مفعولًا به فإن جملة الشرط أو الجواب تشتمل على ضمير يعود إلى المبتدأ، وإذا كان اسم الشرط مفعولًا به فإن جملة الجواب تشتمل على ضمير يعود على المفعول به المتقدم. فعندما نقرأ قول الله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ ١ نجد أن اسم الشرط وقع مبتدأ فجاء الفعل في يطع، وأطاع: مشتملين على ضمير يعود إلى "من". وما ذكرته في الآية الكريمة نجده في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ ٢، ومنه قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ ٣ ففي الفعل يكفر ضمير يعود على من، والضمير في "أعذبه" الأول يعود على من وعندما نقرأ قول الله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّه﴾ ٤ نجد أن اسم الشرط وقع مفعولًا به مقدمًا فاشتمل الجواب فقط على ضمير يعود على "ما" وهو الضمير في "يعلمه" وما ذكرته في هذه الآية نجده في قوله تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ ٥ ومنه قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا﴾ ٦ _________ ١الآية رقم ٨٠ من سورة النساء. ٢الآية رقم ١٣٢ من سورة الأعراف. ٣الآية رقم ١١٥ من سورة المائدة. ٤الآية رقم ١٩٧ من سورة البقرة. ٥الآية رقم ٢٠ من سورة المزمل. ٦الآية رقم ١٠٦ من سورة البقرة.
الصفة بشبه الجملة:- كما وقع الظرف والجار والمجرور التامان حالين فإنهما يكونان في موضع الصفة أيضًا ففي مثل: قرأت كتابًا في التفسير. الجار والمجرور قد خصص الكتاب وضيق دائرة عمومه فهو في موضع الصفة المجيئة بعد النكرة. وفي مثل رأيت نجمًا بين السحاب. ظرف المكان هنا في موضع الصفة لنجمًا. والظرف والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف وجوبًا تقديره مستقرًا أو استقر وعلى كلا الأمرين فالرابط موجود وهو الضمير المستكن والمستقر في المتعلق المحذوف.
جملة الشرط والجواب:- من خلال تتبعي لكثير من الأساليب العربية المشتملة على الجملة الشرطية وجدت أن اسم الشرط إذا وقع مبتدأ أو وقع مفعولًا به فإن جملة الشرط أو الجواب تشتمل على ضمير يعود إلى المبتدأ، وإذا كان اسم الشرط مفعولًا به فإن جملة الجواب تشتمل على ضمير يعود على المفعول به المتقدم. فعندما نقرأ قول الله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ ١ نجد أن اسم الشرط وقع مبتدأ فجاء الفعل في يطع، وأطاع: مشتملين على ضمير يعود إلى "من". وما ذكرته في الآية الكريمة نجده في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ ٢، ومنه قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ ٣ ففي الفعل يكفر ضمير يعود على من، والضمير في "أعذبه" الأول يعود على من وعندما نقرأ قول الله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّه﴾ ٤ نجد أن اسم الشرط وقع مفعولًا به مقدمًا فاشتمل الجواب فقط على ضمير يعود على "ما" وهو الضمير في "يعلمه" وما ذكرته في هذه الآية نجده في قوله تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ ٥ ومنه قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا﴾ ٦ _________ ١الآية رقم ٨٠ من سورة النساء. ٢الآية رقم ١٣٢ من سورة الأعراف. ٣الآية رقم ١١٥ من سورة المائدة. ٤الآية رقم ١٩٧ من سورة البقرة. ٥الآية رقم ٢٠ من سورة المزمل. ٦الآية رقم ١٠٦ من سورة البقرة.
1 / 145
فالضمير المجرور يعود على آية المفسرة لما. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ ١ فالضمير المجرور في جملة الجواب يعود إلى خبر المفسر للمفعول به المتقدم.
الجملة المفسرة لعامل الاسم المشتغل عنه:-
تقع الجملة مفسرة لعامل الإسم المشتغل عنه. وهذه الجملة تحتاج إلى ربط يربطها بالإسم المبتدأ وهو المشغول عنه. مثل كتاب الله حفظته. ورابط هذه الجملة لابد من وجوده، وحذفه قبيح٢.
_________
١الآية رقم ٢١٥ من سورة البقرة.
ألفاظ التوكيد:- من ألفاظ التوكيد: كل وجميع وكلا، وكلتا، والنفس والعين. وتربط هذه الألفاظ بالضمير المذكور ليحصل الربط بين التابع والمتبوع. نحو جاء محمد نفسه، والمحمدان كلاهما، والقوم كلهم أو جميعهم. ولما كان وجود الضمير في ألفاظ التوكيد لازمًا فقد ردَّ قول الهروي عندما أعرب جميعًا على الحال في قولهم جاء القوم جميعًا وأعربها توكيدًا في قولهم جاء القوم جميع. فقد أعرب جميعًا في المثال الثاني توكيدًا مع خلوه من العائد فكان مردودًا. وقريب من هذا قول الفراء والزمخشري في إعراب: "كلاَّ" توكيدًا في قراءة بعضهم إنا كلا فيها٣.. ونقف عند الآية الكريمة لنرى ما فيها من آراء. ثم نصل بعدها إلى رأي مرضٍ:- يرى الفراء والزمخشري وابن عطية أن "كلاَّ" توكيد والرابط محذوف فيكون التقدير إنا كلنا، ولعلهم استدلوا بقول الله تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ ٤، وقد رد ابن مالك حذف الضمير استغناء٥ بنية الإضافة، كما أعرب النحاة كلمة ﴿جَمِيعًا﴾ في الآية _________ ٢الصبان جـ ٢ ص ٧١ التصريح جـ ١ص ٢٩٦. ٣الآية رقم ٤٨ من سورة غافر. ٤الآية رقم ٢٩ من سورة البقرة. وفي البحر:وانتصب جميعًا على الحال من المخلوق وهي حال مؤكدة.لأن لفظه "ما" في الأرض تفيد العموم، ومعنى جميعًا العموم فهي مرادف من حيث المعنى للفظ كل. كأنه قيل ما في الأرض كله ولا تدل على الإجتماع في الزمان. وهذا الفرق بين معًا وجميعًا. أبو حيان:البحر المحيط جـ ١ ص١٣٤ ٥ التسهيل ١٦٤.
ألفاظ التوكيد:- من ألفاظ التوكيد: كل وجميع وكلا، وكلتا، والنفس والعين. وتربط هذه الألفاظ بالضمير المذكور ليحصل الربط بين التابع والمتبوع. نحو جاء محمد نفسه، والمحمدان كلاهما، والقوم كلهم أو جميعهم. ولما كان وجود الضمير في ألفاظ التوكيد لازمًا فقد ردَّ قول الهروي عندما أعرب جميعًا على الحال في قولهم جاء القوم جميعًا وأعربها توكيدًا في قولهم جاء القوم جميع. فقد أعرب جميعًا في المثال الثاني توكيدًا مع خلوه من العائد فكان مردودًا. وقريب من هذا قول الفراء والزمخشري في إعراب: "كلاَّ" توكيدًا في قراءة بعضهم إنا كلا فيها٣.. ونقف عند الآية الكريمة لنرى ما فيها من آراء. ثم نصل بعدها إلى رأي مرضٍ:- يرى الفراء والزمخشري وابن عطية أن "كلاَّ" توكيد والرابط محذوف فيكون التقدير إنا كلنا، ولعلهم استدلوا بقول الله تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ ٤، وقد رد ابن مالك حذف الضمير استغناء٥ بنية الإضافة، كما أعرب النحاة كلمة ﴿جَمِيعًا﴾ في الآية _________ ٢الصبان جـ ٢ ص ٧١ التصريح جـ ١ص ٢٩٦. ٣الآية رقم ٤٨ من سورة غافر. ٤الآية رقم ٢٩ من سورة البقرة. وفي البحر:وانتصب جميعًا على الحال من المخلوق وهي حال مؤكدة.لأن لفظه "ما" في الأرض تفيد العموم، ومعنى جميعًا العموم فهي مرادف من حيث المعنى للفظ كل. كأنه قيل ما في الأرض كله ولا تدل على الإجتماع في الزمان. وهذا الفرق بين معًا وجميعًا. أبو حيان:البحر المحيط جـ ١ ص١٣٤ ٥ التسهيل ١٦٤.
1 / 146
حالًا.. قد منع الزمخشري١ إعراب "كلاَّ"حال وقد تقدمت على عاملها الظرفي وهو كلمة فيها.
وهذا الذي منعه الزمخشري أجازه الأخفش وارتضاه ابن مالك.
يقول ابن مالك٢: "والقول المرضي عندي. أن "كلاَّ" في القراءة المذكورة منصوب على أن الضمير المرفوع المنوي في "فيها" وفيها هو العامل وتقدمت الحال عليه مع عدم تصرفه كما قدمت في قراءة بعضهم: ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ ٣.
واختار أبو حيان وغيره من النحاة أن تعرب "كلاَّ" بدلًا من اسم إن. لأن كلا يتصرف فيها بالإبتداء والنواسخ وغير ذلك. وإذا كانوا قد تأولوا حولًا أكتعًا، ويومًا أجمعًا، على البدل مع أنها لا يليان العوامل فأولى بذلك "كلاَّ"
وإذا كان اتجاه أبى حيان٤ في إعراب الآية أن تكون "كلاَّ" بدلًا فهي بدل من إسم إن وهو الضمير في إنا. وإبدال الظاهر ِمن ضمير الحاضر بدل كل جائز إذا كان مفيدًا للإحاطة كقوله تعالى: ﴿تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ ٥وهنا لا نحتاج إلى ضمير لأن بدل الكل لا يحتاج إلى ضمير٦..
وقد ذكر سيبويه أن ألفاظ التوكيد كلمة "عامة" جاء الجيش عامته والقبيلة عامتها، والهندات عامتهن فتربط بالضمير. وقد خالف في ذلك المبرد فجعلها بمعنى أكثرهم فتكون بدل بعض من كل٧.
_________
١ الزمخشري: الكشاف جـ ٣ ص ٥٦.
٢ أبو حيان: البحر المحيط جـ ٧ ص ٤٦٩.
٣ الآية رقم ٦٧ من سورة الزمر.
٤ أبو حيان: البحر المحيط جـ ٧ ص ٤٦٩
٥ الآية رقم ١١٤ من سورة المائدة.
٦ ابن هشام: المغني ص ٥٦٤.
٧ الصبان جـ ٣ ص ٧٦.
٨حاشية الصبان جـ ٣ ص ١٢٤.
بدل البعض وبدل الإشتمال:- أ - بدل البعض:- بدلُ البعض هو بدل الجزء من كله قليلًا كان ذلك الجزء أو مساويًا أو أكثر وهذا النوع لابد فيه من الرابط وهو الضمير ليربط البعض بكله٨ كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ
بدل البعض وبدل الإشتمال:- أ - بدل البعض:- بدلُ البعض هو بدل الجزء من كله قليلًا كان ذلك الجزء أو مساويًا أو أكثر وهذا النوع لابد فيه من الرابط وهو الضمير ليربط البعض بكله٨ كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ
1 / 147
مِنْهُم﴾ ١ فكثير بدل بعض من كل وقد ربط هذا البدل بالضمير.
ب - بدل الإشتمال:-
هو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه كأعجبني الكتاب عرضه فعرضه بدل اشتمال من الكتاب ربط بالضمير، ومنه قوله تعالى: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِي﴾ ٢.
وقد اشترط أكثر النحاة وجود الضمير في بدل البعض وبدل الإشتمال غير أن ابن مالك رأى أن وجوده أكثر فلم يشترط..
فقد جاء في شرح الكافية الشافية: واشترط أكثر النحويين مصاحبة بدل البعض والإشتمال ضميرًا عائدًا على المبدل منه. والصحيح عدم اشتراطه لكن وجوده أكثر من عدمه٣.
وهكذا ذهب ابن عصفور٤ فقد ذكر أنه لا يأتي دون ضمير إلا قليلًا.
فمن شواهد الإستغناء. قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ ٥ فقد رأى ابن مالك وابن عصفور أن "من" بدل بعض من كل وقد خلا البدل من الرابط وهو الضمير.
ومن شواهد بدل الإشتمال الخالي من الرابط قوله تعالى: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ ٦ وفي قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ...﴾ آراء واتجاهات في "من" فقد ذهب أكثر النحاة إلى أن "من" بدل بعض من كل فتكون موصولة في موضع جر والعائد محذوف. والتقدير من استطاع إليه سبيلًا منهم. وذكر ابن عصفور أن الضمير قد حذف٧ للعلم به
_________
١ الآية رقم ٧١ من سورة المائدة.
٢ الآية رقم ٢١٧ من سورة البقرة.
٣ ابن مالك: الكافية الشافية ص ١٢٧٩.
التسهيل ص ١٧٢. حاشية الصبان جـ ٣ ص ١٢٤.
٤ ابن عصفور: شرح الحمل جـ ١ ص ٢٨٥.
٥ الآية رقم ٩٧ من سورة آل عمران.
٦ الآية رقم ٤، ٥ من سورة البروج.
قرأ الجمهور النار بالجر وهو بدل اشتمال. أو بدل كل من كل. أي أخدود النار وقرأ قوم النار بالرفع. الأخفش: معاني القرآن. الكويت جـ ٢ ص ٥٣٥.
أبو حيان: البحر المحيط جـ ٨ ص ٤٥١.
٧ ابن عصفور: شرح الجمل. بغداد جـ ١ ص ٢٨٥.
1 / 148
وقال الكسائي١: "من شرطية فتكون في موضع رفع بالإبتداء. ويلزم حذف الضمير الرابط لهذه الجملة بما قبلها وحذف جواب الشرط إذ التقدير. من استطاع إليه سبيلًا منهم فعليه الحج، أو فعليه ذلك. فقد رأى أن حذف جواب الشرط لفهم المعنى أحسن من حذف الضمير من البدل". وقد استحسن ابن عصفور هذا الرأي. والوجه الأول أولى لقلة الحذف فيه وكثرته في هذا، لكن يناسب الشرط مجيء الشرط بعده في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَر﴾ .
وقيل: من موصولة في محل رفع على أنه فاعل بالمصدر الذي هو حج فيكون المصدر قد أضيف إلى المفعول ورفع به الفاعل.
وهذا القول ضعيف من جهة المعنى إذ لا يصح أن يكون المعنى أن الله أوجب٢ على الناس مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحج البيت المستطيع، ومتعلق الوجوب إنما هو المستطيع، لا الناس على العموم. ويلزم على هذا أن يأثم الناس جميعًا إذا لم يحج المستطيع.
وفي قوله تعالى: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ﴾ رأى الكوفيون في هذه الآية أن الأصل ناره، ثم نابت أل عن الضمير. وسيأتي بحث ذلك في مكانه. ومما استدل به بعض النحاة على الإستغناء عن الرابط قوله تعالى: ﴿وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ﴾ ٣ بالرفع فامرأتك بدل بعض من كل وقد خلا من الرابط، ومثله قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ﴾ ٤ في قراءة الجميع فالضالون بدل بعض من الضمير المستتر في يقنط ولم يؤت معه بضمير.
وإنما لم يشترط هؤلاء الضمير في بدل البعض من حيث هو ضمير، وإنما اشترطوه من حيث هو رابط. فإذا وجد الربط بدونه حصل الغرض من غير وجوده وهنا الربط متحقق بدونه، وذلك لأن إلا وما بعدها من تمام الكلام الأول وإلا لإخراج الثاني من الأول فعلم أنه
_________
١ المصدر السابق جـ١ ص ٢٨٥.
٢ نفس المصدر، ويراجع البحر المحيط جـ ٢ ص ١١.
٣ الآية رقم ٨١ من سورة هود.
إلا امرأتك بالرفع والنصب. فالنصب استثناء من قولك بأهلك. والدليل عليه قراءة عبد الله: ﴿فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك﴾ . ويجوز أن ينصب عن "لا يلتفت " على أصل الإستثناء. وإن كان الفصيح البدل أي على قراءة الرفع. وهي قراءة ابن كثير وأبى عمرو.
الزمخشري: الكشاف جـ ٢ ص ١٠٩.
٤ الآية رقم ٥٦ من سورة الحجر.
1 / 149
بعضه فحصل الربط بذلك ولم يحتج إلى الضمير١، كما أن قوة تعلق المستثنى بالمستثنى منه تغنى عن الضمير كالباء٢.
_________
١ التصريح على التوضيح جـ ١ ص ٣٥٠.
٢ المصدر السابق جـ ٢ ص ٥٦.
معمول الصفة المشبهة:- يشترط في معمول الصفة المشبهة أن يكون سببيًا. أي إسمًا ظاهرًا متصلًا، بضمير يعود على الإسم السابق، وهذا الضمير هو الرابط مثل محمد جميل صوته فالضمير في صوته رابط يعود على محمد، ولو قلت: محمد جميل لكان في جميل ضمير يعود على محمد. والرابط في معمول الصفة المشبهة لابد من وجوده مذكورًا كما سبق أن أشرت. وقد يكون محذوفًا مثل محمد جميل الصوت أي منه فالرابط ولم يكن موجودًا في اللفظ فهو محذوف. هذا رأي البصريين ٣ وسيأتي في مكان لاحق رأي للكوفيين حول: عدم وجود الضمير لفظًا. _________ ٣ سيبويه: الكتاب. هارون جـ ١ ص ١٩٤ ٠ الرضى: شرح الكافية جـ ٢ ص ٢١١. التصريح جـ ٢ ص ٨٣.
ثانيا: الربط بالاسم الظاهر الجملة الخبرية ... ثانيًا: الربط بالإسم الظاهر الأصلي أن الإسم الظاهر متى احتاج إلى إعادته في جملة واحدة كان الإختيار ذكر ضميره مثل القرآن قرأته وقد ظهر في بعض التراكيب العربية أن أعيد الإسم السابق بلفظه فحل محل الربط بالضمير والربط بالإسم الظاهر وقع في الجملة الخبرية وجملة الصلة والتوكيد. أ - الجملة الخبرية:- سبق أن أشرت إلى أن الجملة الخبرية تربط في الأصل بالضمير، وقد يحل الظاهر محل الضمير فيكون رابطًا، وقد أجاز النحاة وسيبويه٤ وضع الظاهر موضع الضمير قياسًا إن كان في معرض التفخيم والتعظيم مثل قوله تعالى: ﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ﴾ ٥، وقوله: ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾ ٦ فالحاقة مبتدأ، وما لحاقة جملة خبرية وقد ربط بينها وبين المبتدأ بإعادته بلفظه خبرًا للمبتدأ الثاني. _________ ٤ سيبويه: الكتاب جـ ١ ص ٦٣. الرضى: شرح الكافِية جـ ص ٩٢. ٥ الآية رقم ١، ٢ من سورة الحاقة، وراجع البحر المحيط جـ ٨ ص٣٢٠. ٦ الآية رقم ١، ٢ مر سورة القارعة
معمول الصفة المشبهة:- يشترط في معمول الصفة المشبهة أن يكون سببيًا. أي إسمًا ظاهرًا متصلًا، بضمير يعود على الإسم السابق، وهذا الضمير هو الرابط مثل محمد جميل صوته فالضمير في صوته رابط يعود على محمد، ولو قلت: محمد جميل لكان في جميل ضمير يعود على محمد. والرابط في معمول الصفة المشبهة لابد من وجوده مذكورًا كما سبق أن أشرت. وقد يكون محذوفًا مثل محمد جميل الصوت أي منه فالرابط ولم يكن موجودًا في اللفظ فهو محذوف. هذا رأي البصريين ٣ وسيأتي في مكان لاحق رأي للكوفيين حول: عدم وجود الضمير لفظًا. _________ ٣ سيبويه: الكتاب. هارون جـ ١ ص ١٩٤ ٠ الرضى: شرح الكافية جـ ٢ ص ٢١١. التصريح جـ ٢ ص ٨٣.
ثانيا: الربط بالاسم الظاهر الجملة الخبرية ... ثانيًا: الربط بالإسم الظاهر الأصلي أن الإسم الظاهر متى احتاج إلى إعادته في جملة واحدة كان الإختيار ذكر ضميره مثل القرآن قرأته وقد ظهر في بعض التراكيب العربية أن أعيد الإسم السابق بلفظه فحل محل الربط بالضمير والربط بالإسم الظاهر وقع في الجملة الخبرية وجملة الصلة والتوكيد. أ - الجملة الخبرية:- سبق أن أشرت إلى أن الجملة الخبرية تربط في الأصل بالضمير، وقد يحل الظاهر محل الضمير فيكون رابطًا، وقد أجاز النحاة وسيبويه٤ وضع الظاهر موضع الضمير قياسًا إن كان في معرض التفخيم والتعظيم مثل قوله تعالى: ﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ﴾ ٥، وقوله: ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾ ٦ فالحاقة مبتدأ، وما لحاقة جملة خبرية وقد ربط بينها وبين المبتدأ بإعادته بلفظه خبرًا للمبتدأ الثاني. _________ ٤ سيبويه: الكتاب جـ ١ ص ٦٣. الرضى: شرح الكافِية جـ ص ٩٢. ٥ الآية رقم ١، ٢ من سورة الحاقة، وراجع البحر المحيط جـ ٨ ص٣٢٠. ٦ الآية رقم ١، ٢ مر سورة القارعة
1 / 150
ولكي تكون الصورة مكتملة الجوانب نحو وضع الظاهر موضع الضمير ينبغي أن نشير إلى رأي سيبويه والأخفش إذا لم يكن الموقف موقف تفخيم أو تعظيم وما الرأي إذا لم يكن الظاهر بلفظ الأول؟.
هذا ما سنحاول تغطيته وإن كانت بعض الأمثلة ستخرج عن نطاق الربط في الجملة الخبرية فهذا من باب لزوم الشيء وإكماله فالإطار العام هو وضع الظاهر موضع الضمير أشار الرضى١ إلى أن سيبويه٢ أجاز في غير موقف التفخيم أن يحل الظاهر محل المضمر بشرط أن يكون بلفظ الأول وهذا في الشعر فقط ضرورة قال الشاعر:-
إذا الوحش ضم الوَحش في ظُلُلاتِها ... سواقطُ من حرٍّ وقد كان أظْهرا٣
ومثله قول الشاعر:-
لا أرى الموت يَسْبِقُ الموتَ شيء ... نغَّصَ الموتُ ذا الغنى والفقيرا٤
وإن لم يكن الإسم الظاهر بلفظ الأول لم يجز عند سيبويه، وأجازه الأخفش ٥ وإن لم يكن في الشعر. قال الشاعر:-
إذا المرء لم يغش الكريهة أوْشَكَتْ ... حبالُ الهَوْينا بالفتى أن تقطعا٦
_________
١ الرضى:شرح الكافية جـ ١ ص ٩٢.
٢ سيبويه: الكتاب جـ ١ ص ٦٢.
٣ البيت نسبه سيبويه للنابغة الجعدي ولم يرد في قصيدته من جمهرة أشعار العرب ١٤٥-١٤٨ وهكذا نسبه صاحب اللسان الظللات: وهذه جمع ظلة وهو ما يستظل به، فك الإدغام وحركة تحريك غير المضعف كما في ظلمات وغرفات، أو تكون جمع ظلل. وهذه جمع ظليل كحديد وجود فهو جمع الجمع
وسواقط الحر: ما يسقط منه. أظهر: صار في وقت الظهيرة والشاعر يصف سيره في الهاجرة في الوقت الذي تسكن فيه الوحش من الحر والشاهد فيه إعادة الظاهر موضع الضمير وفيه قبح فلا يكاد يجوز إلا في الضرورة.
سيبويه: الكتاب. هارون جـ ١ ص ٦٢.
ابن منظور: لسان العرب سقط.
٤ نسبة سيبويه لسواد بن عدي، وفي الخزانة "سواده بن عدي" ويروي أيضًا لأبيه عدي بن زيد كما يروي لأمية بن أبي الصلت. وشاهده كالبيت السابق.
سيبويه: الكتاب جـ ١ص ٦٢.
الزمخشري: خزانة الأدب جـ ١ ص ١٨٣.
السيوطي: شرح شواهد المغني ٢٩٦.
٥ الرضى: شرح الكافية جـ ١ص ٩٢.
٦ البيت: للكلحية العرينى.
لم يغش من الغشيان. وهو الإثيان.والكريهة: الحرب. وقيل. شدتها وقيل النازلة، وأوشكت: قاربت ودنت. والحبال جمع حبل بمعنى السبب استعير. لكل شيء وصل به إلى أمر من الأمور الهوينى: السكون والخفض، وعدها ابن دريد من الكلمات التي تستعمل مصغره فقط.
ابن جنى: الخصائص: جـ ٣ ص ٥٣.
البغدادي: خزانة الأدب في جـ ١ ص ١٨٦.
1 / 151
ففي هذا البيت حل الظاهر محل المضمر ولم يكن بلفظ الأول.
وأجاز الأخفش كذلك أن يقال زيد قام أبو طاهر إذا كان زيد يكنى بأبي طاهر. ومنع البعض كل ذلك في غير التفخيم ولا حجة لهم لوروده١.
_________
١ الرضى: شرح الكافية جـ ١ ص ٩٢.
ب - جملة الصلة:- مرة أخرى نعود إلى جملة الصلة ورابطها بعد أن ذكرنا أنها تربط في الأصل بالضمير نعود هنا مرة أخرى لنقول: إن الإسم الظاهر قد يخلف الضمير فيحل محله ويصبح الرابط هنا الإسم الظاهر. قال الشاعر:- فيا رَبَّ لَيْلَى أنْتَ في كلّ موْطِنٍ ... وأنتَ الذي في رحمةِ الله أطمعُ٢ فصلة الموصول وهي جملة أطمع في رحمة الله جاء العائد فيها الإسم الظاهر وهو لفظ الجلالة والأصل وأنت الذي في رحمتك. ومثله: سُعَادُ الذّي أضْنَاكَ حُبُّ سُعَادَا ... أي حبها، وحكى أنهم قالوا: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري. أي عنه٣. ومن الربط بالظاهر قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِه﴾ ٤. قال أبو على الفارسي وغيره من النحاة: "ما: اسم موصول مبتدأ، وصلتها آتيتكم، والعائد محذوف تقديره آتيتكموه، ثم جاءكم معطوف على الصلة والعائد منها على الموصول محذوف تقديره ثم جاءكم رسول به فحذف لدلالة المعنى عليه". وزعموا أن ذلك على مذهب سيبويه. وأما مذهب الأخفش: "فإن الربط لهذه الجملة العارية من الضمير حصل بقوله لما معكم لأنه هو الموصول فكأنه قيل: ثم جاءكم رسول مصدق له فحصل الربط بالإسم الظاهر الذي حل محل الضمير، وخبر المبتدأ الذي هو ما الجملة من القسم المحذوف وجوابه _________ ٢ البيت لمجنون بني عامر. حاشية الصبان جـ ١ص ١٦٢. ٣ السيوطى: همع الهوامع جـ ١ ص ٨٧. ٤ الآية رقم ٨١ من سورة آل عمران.
ب - جملة الصلة:- مرة أخرى نعود إلى جملة الصلة ورابطها بعد أن ذكرنا أنها تربط في الأصل بالضمير نعود هنا مرة أخرى لنقول: إن الإسم الظاهر قد يخلف الضمير فيحل محله ويصبح الرابط هنا الإسم الظاهر. قال الشاعر:- فيا رَبَّ لَيْلَى أنْتَ في كلّ موْطِنٍ ... وأنتَ الذي في رحمةِ الله أطمعُ٢ فصلة الموصول وهي جملة أطمع في رحمة الله جاء العائد فيها الإسم الظاهر وهو لفظ الجلالة والأصل وأنت الذي في رحمتك. ومثله: سُعَادُ الذّي أضْنَاكَ حُبُّ سُعَادَا ... أي حبها، وحكى أنهم قالوا: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري. أي عنه٣. ومن الربط بالظاهر قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِه﴾ ٤. قال أبو على الفارسي وغيره من النحاة: "ما: اسم موصول مبتدأ، وصلتها آتيتكم، والعائد محذوف تقديره آتيتكموه، ثم جاءكم معطوف على الصلة والعائد منها على الموصول محذوف تقديره ثم جاءكم رسول به فحذف لدلالة المعنى عليه". وزعموا أن ذلك على مذهب سيبويه. وأما مذهب الأخفش: "فإن الربط لهذه الجملة العارية من الضمير حصل بقوله لما معكم لأنه هو الموصول فكأنه قيل: ثم جاءكم رسول مصدق له فحصل الربط بالإسم الظاهر الذي حل محل الضمير، وخبر المبتدأ الذي هو ما الجملة من القسم المحذوف وجوابه _________ ٢ البيت لمجنون بني عامر. حاشية الصبان جـ ١ص ١٦٢. ٣ السيوطى: همع الهوامع جـ ١ ص ٨٧. ٤ الآية رقم ٨١ من سورة آل عمران.
1 / 152
لتؤمنن به، والضمير في به عائد على الموصول المبتدأ ولا يعود على رسول لئلا تخلو الجملة التي وقعت خبرًا عن المبتدأ من رابط يربطها به١.
_________
١ أبو حيان: البحر المحيط جـ ٢ ص ٥١١.
الصبان جـ ١ص ١٦٢.
التوكيد بكل:- أشرت فيما مضى إلى أن لفظ "كل" من ألفاظ التوكيد المعنوي التي تربط بالضمير مثل حفظت القرآن كله، واذكر هنا أن ابن مالك ذكر في التسهيل٢ أنه قد يستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل الظاهر المؤكد بكل. فهنا يكون الرابط الإسم الظاهر، وحبل من ذلك قول كثير:- كمْ قد ذكرتُكِ لو أُجْزى بذِكْركُمُ ... يا أشبه الناسِ كُلَّ الناسِ بالقمرِ٣ فكل توكيد ولم تربط بالضمير وإنما حل محلة الإسم الظاهر. وقد رد ذلك أبو حيان فجعل كلا ههنا ليست للتأكيد، وإنما هي نعت. وليس ذلك بشيء فالتي ينعت بها ما تدل على الكمال لا على عموم الأفراد. _________ ٣ البيت استشهد به النحاة على إضافة كل إلى اسم ظاهر حاشية الصبان جـ ٣ ص ٧٥.
ثالثًا: الربط بالمعنى أجمع النحاة على جواز إحلال الظاهر محل الضمير في الربط وذلك في مقام التفخيم والتعظيم بشرط أن يكون الإسم الظاهر بلفظ الأول كقوله تعالى: ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾ . وقد أجاز الأخفش في الجملة الخبرية أن يكون رابطها إعادة المبتدأ بالمعنى كما لم يستبعد ذلك ابن عصفور إلا أنه وصفه بأنه قليل جدًا٤. وقد استدل الأخفش بقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ٥ فإن وما بعدها خبر لمن الأولى ولا ضمير في الجملة الخبرية يعود عليها فيكون الرابط عند الأخفش إعادة المبتدأ بمعناه إذ المعنى عنده فإن الله يضله٦، ومما استدل به الأخفش أيضًا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا﴾ فقوله: إنا لا نضيع إلى آخر الآية جملة في موضع رفع خبر إن الأولى _________ ٣ البيت استشهد به النحاة على إضافة كل إلى اسم ظاهر حاشية الصبان جـ ٣ ص ٧٥. ٤ ابن عصفور: شرح الجمل جـ ١ ص ٣٤٦. ٥ الآية رقم ٨ من سورة فاطر. ٦ ابن عصفور: شرح الجمل جـ ١ ص ٣٤٥
التوكيد بكل:- أشرت فيما مضى إلى أن لفظ "كل" من ألفاظ التوكيد المعنوي التي تربط بالضمير مثل حفظت القرآن كله، واذكر هنا أن ابن مالك ذكر في التسهيل٢ أنه قد يستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل الظاهر المؤكد بكل. فهنا يكون الرابط الإسم الظاهر، وحبل من ذلك قول كثير:- كمْ قد ذكرتُكِ لو أُجْزى بذِكْركُمُ ... يا أشبه الناسِ كُلَّ الناسِ بالقمرِ٣ فكل توكيد ولم تربط بالضمير وإنما حل محلة الإسم الظاهر. وقد رد ذلك أبو حيان فجعل كلا ههنا ليست للتأكيد، وإنما هي نعت. وليس ذلك بشيء فالتي ينعت بها ما تدل على الكمال لا على عموم الأفراد. _________ ٣ البيت استشهد به النحاة على إضافة كل إلى اسم ظاهر حاشية الصبان جـ ٣ ص ٧٥.
ثالثًا: الربط بالمعنى أجمع النحاة على جواز إحلال الظاهر محل الضمير في الربط وذلك في مقام التفخيم والتعظيم بشرط أن يكون الإسم الظاهر بلفظ الأول كقوله تعالى: ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾ . وقد أجاز الأخفش في الجملة الخبرية أن يكون رابطها إعادة المبتدأ بالمعنى كما لم يستبعد ذلك ابن عصفور إلا أنه وصفه بأنه قليل جدًا٤. وقد استدل الأخفش بقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ٥ فإن وما بعدها خبر لمن الأولى ولا ضمير في الجملة الخبرية يعود عليها فيكون الرابط عند الأخفش إعادة المبتدأ بمعناه إذ المعنى عنده فإن الله يضله٦، ومما استدل به الأخفش أيضًا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا﴾ فقوله: إنا لا نضيع إلى آخر الآية جملة في موضع رفع خبر إن الأولى _________ ٣ البيت استشهد به النحاة على إضافة كل إلى اسم ظاهر حاشية الصبان جـ ٣ ص ٧٥. ٤ ابن عصفور: شرح الجمل جـ ١ ص ٣٤٦. ٥ الآية رقم ٨ من سورة فاطر. ٦ ابن عصفور: شرح الجمل جـ ١ ص ٣٤٥
1 / 153
وليس في جملة الخبر ضمير يعود على اسم إن، فالرابط إعادة المبتدأ بمعناه إذ التقدير عند الأخفش إنا لا نضيع أجرهم، ومثل هذه الآية الكريمة قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين﴾، فالذين: مبتدأ، وجملة إنا لا نضيع أجر المصلحين هي الخبر، والرابط إعادة المبتدأ بمعناه فإن المصلحين هم الذين يمسكون بالكتاب.
وهذا الذي استدل به الأخفش لا حجة له فيه:-
أما قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ ١ فقد رأى ابن عصفور والزمخشري وأبو حيان أن الخبر محذوف، وقد حذف عند ابن عصفور٢ لدلالة ما تقدم عليه.
وهو قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ ٣ فهو في التقدير: أفمن زين له سوء عمله فله عذاب شديد أما من آمن وعمل صالحًا فله مغفرة وأجر كبير فحذف لفهم المعنى.
وقيل الخبر محذوف تقديره كمن لم يزين له سوء عمله كقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ ٤.
وقال الكسائي: "تقديره: ذهبت نفسك عليهم حسرات لدلالة قوله تعالى: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ " وقيل تقديره: كمن هداه الله لدلالة قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ وإلى الرأيين الأخيرين ذهب الزجاج٥، وما ذهب إليه الأخفش في الآية الكريمة لم يشر إليه الزمخشري وأبو حيان.. وتأتي إلى الآية الثانية وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..﴾ إلى آخر الآية كيف قدر النحاة خبر إن؟.
_________
١ الآية رقم ١٧٠ من سورة الأعراف.
٢ ابن عصفور: شرح الجمل جـ١ ص ٣٤٦.
٣ الآية رقم ٧ من سورة فاطر.
٤ الآية رقم ١٤ من سورة محمد
٥ الزمخشري: الكشاف جـ ٢ ص ٥٧١.
أبو حيان: البحر المحيط جـ ٧ ص٣٠٠
1 / 154
ذهب ابن عصفور١ والزمخشري وأبو حيان- إلى أن الخبر قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّات﴾، وما بين المبتدأ والخبر اعتراض.
أو الخبر هو من أحسن عملًا، والرابط محذوف والتقدير منهم.
ويحتمل أن تكون الجملتان خبرين لإن على مذهب من يقتضى المبتدأ خبرين فصاعدًا من غير شرط أن يكونا في معنى خبر واحد٢.
ونصل بعد ذلك إلى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ...﴾ وهي الآية التي كثر تداولها في كتب النحو دليلًا للأخفش على جواز الربط بالمعنى، ذهب جمهور النحاة إلى أن الرابط في الآية هو العموم٣ الموجود في ﴿الْمُصْلِحِينَ﴾ لأن المصلحين أعم من المذكورين، وذكر أبو البقاء أن الرابط لجملة الخبر محذوف والتقدير منهم٤ ويمكن أن يكون الخبر محذوفًا والتقدير مأجورون.
وأجاز الزمخشري٥ أن يكون والذين في موضع جر عطفًا على الذين يتقون، ولم يذكر ابن عطية غيره، والإستئناف هو الظاهر.
وبعد كل هذه المناقشات نستطيع أن نقول الربط في الجملة الخبرية بالمعنى قليل جدًا.
_________
١ ابن عصفور: شرح الجمل جـ ١ ص ٣٤٦.
الزمخشري: الكشاف جـ ٢ ص ٢٥٨.
أبو حيان. البحر المحيط جـ ٦ ص ١٢١.
٢ أبو حيان: البحر المحيط جـ ٦ ص ١٢٢.
٣ أبو حيان: البحر المحيط جـ ٤ ص ٤١٨.
السيوطي: همع الجوامع جـ ١ ص ٩٨
٤ أبو البقاء: جـ ١ ص ٢٨٨.
الزركشي: البرهان في علوم القرآن جـ ٤ ص ٤١٨.
٥ الزمخشري: الكشاف جـ ١ ص ٥٨٦.
رايعا: الربط باسم الإشارة ... رابعًا: الربط باسم الإشارة وتربط الجملة الخبرية باسم الإشارة مثل قوله تعالى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ ٦ إذا قدر ذلك مبتدأ. وقد خص بعض النحاة الربط باسم الإشارة يكون المبتدأ موصولًا أو موصوفًا والإشارة _________ ٦ الآية رقم ٢٦ من سورة الأعراف.
رايعا: الربط باسم الإشارة ... رابعًا: الربط باسم الإشارة وتربط الجملة الخبرية باسم الإشارة مثل قوله تعالى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ ٦ إذا قدر ذلك مبتدأ. وقد خص بعض النحاة الربط باسم الإشارة يكون المبتدأ موصولًا أو موصوفًا والإشارة _________ ٦ الآية رقم ٢٦ من سورة الأعراف.
1 / 155