القواعد الفقهية: المبادئ، المقومات، المصادر، الدليلية، التطور
القواعد الفقهية: المبادئ، المقومات، المصادر، الدليلية، التطور
Mai Buga Littafi
مكتبة الرشد وشركة الرياض
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
1418 AH
Inda aka buga
الرياض
Nau'ikan
القَوَاعِدُ الفِقْهِيَّة
المبادئ، المقومات، المصادر، الدليلية، التطور
دراسة نظرية، تحليلية، تأصيلية، تاريخية
للدكتور
يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين
شركة الرياض
للنشر والتوزيع
مُكتَبَةُ الرَّشَاد
الرِّيَاضْ
Shafi da ba'a sani ba
حقوق الطَّبع محفوظَة لِلمؤلّفِ
الطبعة الأولى
١٤١٨ هـ / ١٩٩٨م
مكتبة الرشد للنّشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية - الرياض - طريق الحجاز
ص ب ١٧٥٢٢ الرياض ١١٤٩٤ هاتف ٤٥٨٣٧١٢
تلكس ٤٠٥٧٩٨ فاكس ملي ٤٥٧٣٣٨١
فرع القصيم بريدة حي الصفراء - طريق المدينة
ص ب ٢٣٧٦ هاتف ٣٢٤٢٢١٤ - فاكس ملي ٣٢٤١٣٥٨
فرع المدينة المنورة - شارع أبي ذر الغفاري - هاتف ٥٤٧٢٦٦٤ / ٠٥
شركة الرياض للنشر والتوزيع
ص.ب: ٣٣٦٢٠ الرياض: ١١٤٥٨ هاتف: ٤٥٩٤٧٧٩
Shafi da ba'a sani ba
القواعد الفقهية
المبادئ - المقومات - المصادر - الدليلية - التطور
دراسة نظرية - تحليلية - تأصيلية - تاريخية
للدكتور
يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين
شركة الرياض
للنشر والتوزيع
مكتبة الرشد
الرياض
Shafi da ba'a sani ba
بسم الله الرحمن الرحيم
1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث بالآيات البينات.
وبعد:
فإن دراسة القواعد الفقهية من حيث مقوماتها، وأركانها، وشروطها، وماله صلة بذلك، يُعَدّ من الأمور الهامة في مجال الفقه الإسلامي، إذ هي تمثل - كما نرى - الوجه الثاني من أصول الفقه، وتصلح أن تُعَدّ منهجًا لترتيب، وتنظيم آخر لمباحث الفقه المتعددة.
وكنت حينما أصدرت كتاب (قاعدة اليقين لا يزول بالشك)، أشرت إلى بحثي الموسع عن القواعد الفقهية، الذي أقدمه الآن إلى القراء.
لقد قمت بتدريس موضوع القواعد الفقهية أكثر من اثني عشر عامًا لطلبة الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، واطلعت على كل ما استطعت الحصول عليه، مما أُلّف في هذا الموضوع، وبخاصة الجانب النظري، من علم القواعد، وطريقة دراسة القواعد لدى الباحثين.
وفي كتابي (قاعدة اليقين لا يزول بالشك) قدمت منهجًا في دراسة القواعد الفقهية، يختلف عما اطلعت عليه، من دراسات في هذا المجال، وسأتبع هذا الكتاب - إن شاء الله - بعدد آخر من الكتب أدرس فيها قواعد
5
أُخَر، وفق المنهج الذي قدّمته فيه.
وأمّا الجانب النظري في علم القواعد فقد ظهرت فيه دراسات متنوّعة، تُنشر بعضها بحوثًا في المجلات، وكُتِب بعضُها مقدماتٍ في الكتب المحقّقة. وكان بعضها كتبًا أو رسائل مفردة في الموضوع المذكور، تختلف في حجمها، وفي تنوّع محتوياتها. وربّما كان كتاب ((القواعد الفقهية)) ، للدكتور علي الندوي، أوسع هذه الكتب، في الدراسة النظرية. وإن كان قد ضمَّ إلى ذلك دراسات موجزة، عن بعض القواعد الفقهية وتطبيقاتها. وللدكتور محمد الروكي كتابٌ بعنوان ((نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء)) ، وهو بحث جيّد، في هذا المجال، ولكنّه وسّع الكلام، في أثرها في الاختلافات الفقهيّة، تبعًا للاختلاف في المصادر التي كانت أساسًا، في التقعيد.
ولا أريد غَمْطَ جهود الآخرين في مجال التأليف في القواعد الفقهيّة، لكنّ أولئك كانت دراساتهم في مجال التطبيق، وشرح القواعد أكثر وأوسع من الدراسة النظرية، ولم يقدّموا في الدراسة النظرية شيئًا ذا بال.
إنّ الذي حدا بي إلى التأليف في هذا المجال، هو ما لمسته من حاجة إلى مزيد دراسة لهذا الموضوع، ربّما سدّت فراغًا قائمًا فيه، وقد يكون سدًّا غير محكم، ولكنّي أرجو أن يكون، بتوفيق من اللَّه، مفيدًا ونافعًا. ولقد أعطى هذا الكتاب موقفًا حاسمًا، في كثير من القضايا المُتَرَدِّد فيها. وبيّن مقوّمات القاعدة الفقهيّة ببيان أركانها وشروطها، وشروط تطبيقها، ممّا لم يُبحث في الكتب المؤلّفة في هذا المجال. أو بحث - وذلك في غاية الندرة - ولكن بطريقة لم نرتضها. ووسعت الكلام في دليليّة القاعدة، وبيّنت مدى الإفادة منها في الاستنباط والتخريج والترجيح عدا المباحث التي
6
تناولها غيري ، ولكنيّ بحثتها بطريقة أوسع ، وناقشت وحلَّلت كثيراً من الآراء ، وانتهيت في عدد منها إلى رأي خاصّ .
إنّ بعض ما قدّمته في هذا الكتاب ، أردت به لفت النظر إلى بحث أمور، أهملت دراستها، وترك البحث فيها، مع أنّها لبّ الموضوع وأساسه .
هذا وقد جعلت هذا الكتاب في سبعة فصول وخاتمة . ورتّبته وفق الآتي :
الفصل الأوّل : في بيان معنى القاعدة الفقهيّة ، وماله علاقة بها من المصطلحات ، وهو في سبعة مباحث وخاتمة .
الفصل الثاني : في بعض المبادئ المتعلّقة بالقواعد والضوابط الفقهيّة، وهو في أربعة مباحث .
الفصل الثالث : في بيان الفرق بين القواعد الفقهية ، وبعض العلوم المشابهة ، وهو في ثلاثة مباحث .
الفصل الرابع : مقوّمات القاعدة الفقهية - الأركان والشروط .. وهو في ثلاثة مباحث.
الفصل الخامس : مصادر تكوين القاعدة الفقهية ، وهو في ثلاثة مباحث .
الفصل السادس : في دليلية القواعد الفقهية ، وهو في مبحثين.
الفصل السابع : في المسار التاريخي للقواعد الفقهيّة ، وهو في ثلاثة مباحث .
الخاتمة :
7
هذا وقد أبعدت عن موضوع الكتاب مالا يتّصل بالموضوع اتصالاً مباشرًا ، فجرّدته عن الكلام عن علم الفروق ، وعن مباحث الفرق والاستثناء ، وعن علم التخريج ، وذلك لأنّ هذه علوم قائمة بذاتها ، ولها مباحثها الخاصّة . وقد قدّمت دراسة عن علم التخريج ، نشرت في كتابي التخريج عند الفقهاء والأصوليين، وآمل، بتوفيق اللَّه، أن أنشر ما يتعلّق بالعلمين الآخرين في وقت لاحق .
ولا يفوت الباحث أن يطلب التسديد والإرشاد لما أخطأ فيه ، وجانبه التوفيق في الوصول فيه إلى الصواب . ذلك أنّ التوصّل إلى الحقائق ، بقدر الطاقة البشرية ، أمر مطلوب ، وحاجة في نفس البشر ، لم تخمد خلال الدهور .
ولهذا فإنني أجد أنّ أيّ توجيه أو تنبيه ، ممّا يساعد على ذلك ، ولا أراني في غنى عنه ، وجزى اللَّه خيرًا من أرشد وسدّد ، وكان حسن المقصد .
وصلّى اللَّه على نبينا محمد .
د . يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين
8
الفصل الأول
في بيان معنى القواعد الفقهية والمصطلحات
ذات العلاقة بها
المبحث الأوّل: في بيان معنى القاعدة.
المبحث الثاني: في بيان معنى الضوابط والفرق فيما بينها وبين القواعد.
المبحث الثالث: في بيان معنى المدارك والمآخذ، وصلتها بالقواعد والضوابط.
المبحث الرابع: في بيان معنى الأصول، وصلتها بالقواعد والضوابط.
المبحث الخامس: في بيان معنى الكلّيّات وصلتها بالقواعد والضوابط.
المبحث السادس: في بيان معنى التقاسيم وعلاقتها بالقواعد والضوابط الفقهيّة.
المبحث السابع: في بيان معنى الأشباه والنظائر.
خاتمة: مدى التزام الفقهاء في مؤلّفاتهم، في القواعد، بالمصطلحات.
1
1
المبحث الأول
في بيان معنى القاعدة الفقهيّة
المطلب الأول: تعريف القواعد الفقهيّة باعتبارها مركبًا وصفيًّا.
الفرع الأول : تعريف القواعد .
أولاً : معناها في اللغة.
ثانيًا : معناها في الاصطلاح.
الفرع الثاني : تعريف الفقهيّة .
المطلب الثاني : تعريف القواعد الفقهية باعتبارها علمًا ، أو لقبًا لعلم مُعَيّن .
الفرع الأوّل : تعريف المقّري .
الفرع الثاني : تعريف الحموي .
الفرع الثالث : بعض التعريفات المعاصرة.
خاتمة : في التعريف المختار.
المطلب الثالث : تعريف علم القواعد الفقهية .
1
Shafi da ba'a sani ba
المطلب الأول
في تعريف القواعد الفقهية باعتبارها مركباً وصفياً
قبل أن نعرّف القواعد الفقهية باعتبارها علمًا ولقبًا على نوع معيّن من القواعد، لابدّ لنا من معرفة معاني جزئيها الذين تركّبت منهما، وهما (القواعد) و(الفقهيّة)، لأنّ معناها اللقبي ليس بمعزل عن معاني ما تركّبت منه(١). وقد اكتفى أغلب من تعرّض إلى تعريف القواعد الفقهية، بتعريف أحد الجزئين، وهو القواعد، دون أن يُفْهَم من ذلك أنّ تعريفه هذا هو لأحد الجزئين فقط، وليس تعريفًا للعلم المعروف (القواعد الفقهية) فكان تعريفهم للقواعد صالحًا للانطباق على جميع ما هو (قواعد)، أي أنّه تعريف للقواعد بمعناها العام.
وهذا النهج يسري على العلماء المعاصرين الذين تطرّقوا لهذا الموضوع أيضًا، باستثناء عدد محدود منهم(٢) وقد أدّى السير وفق هذا المنهج إلى طائفة من الإشكالات والاعتراضات على التعريفات من قبل المؤلّفين المعاصرين، تارة بكونها غير مانعة من دخول القواعد غير الفقهيّة فيها(٣)،
(١) للعراقي (ت ٦٨٤ هـ) وجهة نظر اعترض بها على القول بأنّ العلم بالمركّبات متوقّف على العلم بالمفردات، عند كلامه على تعريف أصول الفقه. فانظر ما يتعلّق برأيه في كتابنا: ((أصول الفقه - الحدّ والموضوع والغاية)) (ص ٢٥).
(٢) نذكر منهم: د. محمد بن عبد الغفار الشريف في مقدمته لتحقيق ((المجموع المذهب في قواعد المذهب)) للعلائي (٢٧/١) وما بعدها، ود. تيسير فائق أحمد محمود في مقدّمته لتحقيق ((المنثور في القواعد)) للزركشي.
(٣) مقدّمة محقّق القواعد للمقّري (١٠٦/١).
13
وتارة بكونها ليست كلّية بل أكثرية(١). ولهذا فقد قدحوا زناد فكرهم لتقديم تعريفات جديدة، خالية من تلك الإشكالات أو الاعتراضات، كما تصوّروا ذلك.
ومن أجل الخروج من مثل هذه الإشكالات فقد اخترنا التمييز بين أنواع القواعد، وتقديم تعريفها بمعناها العام، قبل أن تدخل في نطاق الدلالة الخاصة.
الفرع الأوّل
تعريف القواعد
أوّلاً: معناها في اللغة:
تفيد مادة قعد (القاف والعين والدال) معنى الاستقرار والثبات، قال ابن فارس (ت٣٩٥ هـ)(٢): القاف والعين والدال أصل مطّرد منقاس لا يُخْلِف. وهو يضاهي الجلوس، وإن كان يُتكلّم في مواضع لا يتكلّم فيها بالجلوس(٣).
وقد ذكرت المعاجم اللغوية في هذه المادة كلمات متعدّدة يبدو من
(١) مقدّمة محقّق القواعد للمقري (١٠٥/١).
(٢) هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني، كان إمامًا في علوم اللغة، ومشاركًا في علوم شتّى، أصله من قزوين، أقام في همدان مدّة، ثم انتقل إلى الريّ، فنسب إليها، توفي سنة (٣٩٥هـ) وقيل غير ذلك.
من مؤلفاته: ((معجم مقاييس اللغة))، و((المجمل في اللغة))، و((الصاحبي))، و((الفصيح وتمام الفصيح))، وغيرها.
راجع في ترجمته: ((وفيات الأعيان)) (١٠٠/١)، و((معجم الأدباء)) (٤/ ٨٠)، و((الأعلام)) (١٩٣/١)، و((معجم المؤلفين)) (٤٠/٣).
(٣) ((معجم مقاييس اللغة)) (١٠٨/٥).
14
ظاهرها الخلاف، ولكنّها، عند تأملها، نجدها تعود إلى المعنى الذي ذكرناه، ولو بضرب من التأويل، كقعيدة الرجل أي امرأته، وامرأة قاعد عن الحيض والأزواج، والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا، مُلْتَفْتًا في ذلك إلى قعودهن واستقرارهن في بيوت آبائهنّ أو أوليائهن. ومنه قوله تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّتِ لا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ [النور: ٦٠]. كما أنّ امرأة الرجل تسمّى قعيدة لثبوتها واستقرارها في بيت زوجها. والقُعْدَد الليئم، لقعوده عن المكارم، والقعدد هو الأقرب نسبًا إلى الأب الأكبر، فكأنّه قاعد معه. ومن ذلك ذو القَعْدَة الشهر الذي كانت العرب تقعد فيه عن الأسفار. وقواعد البيّت أساسه، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعيلٌ﴾ [البقرة: ١٢٧]، وقوله تعالى: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بَنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ﴾ [النحل: ٢٦].
والقواعد، أيضًا، جمع قاعد، وهي المرأة المسنّة، لكونها ذات قعود. وقواعد السحاب أصولها المعترضة في آفاق السماء، شبّهت بقواعد البناء. وقواعد الهودج خشبات أربع معترضات في أسفله.
وبوجه عام فإنّ المعنى اللغوي لهذه المادة هو الاستقرار والثبات وأقرب المعاني إلى المراد في معاني القاعدة هو الأساس، نظرًا لابتناء الأحكام عليها، كابتناء الجدران على الأساس.
ثانيًا: تعريف القاعدة في الاصطلاح:
تمهيد: في تاريخ ظهور مصطلح القاعدة واستعماله في العلوم:
لسنا نعلم متى ظهر أوّل تعريف للقاعدة، لصعوبات كثيرة تحيط بهذا الشأن، منها صعوبة استقراء المؤلفات التي كتبت خلال قرون عديدة، ولأن
15
معنى القاعدة ليس مختصًا بعلم بعينه، وإنما هو قدر مشترك بين جميع العلوم، ولأن المتوفّر من المراجع لازال ينقصه الكثير من كتب التراث، سواء كانت مما ضاع، أو مما لم يقع بعدُ، بأيدي الباحثين.
وفيما اطلعنا عليه، وتوفّر لدينا، لم نجد تعريفًا للقاعدة في اصطلاح أهل الفقه والأصول تمتدّ إلى ما هو أبعد من القرن الثامن الهجري.
لقد كان معنى القاعدة معلومًا للعلماء، حتى وإن لم يحدّوه، وفي الدراسات المنطقية المتقدّمة نجد حديثًا كثيرًا عن القضايا التي تتألف منها الحجج والبراهين، والسبل التي تتكوّن منها المقدمات الواجب قبولها، والمقدمات التي هي دون ذلك.
ومنذ عهد الفارابي المتوفي سنة (٣٣٩هـ)(١) ذكروا أنّ الاستقراء هو السبيل النافع في المقدّمات الواجب قبولها، متأثرين بذلك بمقولة أرسطو(٢)
(١) هو أبو نصر محمد بن أحمد بن طرخان. من فلاسفة المسلمين المشهورين. منسوب إلى فاراب في بلاد الترك. اشتهر بمباحثه المنطقية وتحقيقاته فيها، كما عرف بالموسيقى، ويقال إنه وضع الآلة المسماة بالقانون. استقرّ به المقام في حلب عند سيف الدولة الحمداني، وبقي ملازمًا له حتى توفي في دمشق في أثناء سياحة قام بها إليها، سنة (٣٣٩هـ).
من مؤلفاته: ((التوفيق بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو))، ((خصوص المسائل))، ((احصاء العلوم))، ((رسالة في المنطق)).
راجع في ترجمته: ((وفيات الأعيان)) (٢٣٩/٤) وما بعدها، و((شذرات الذهب)) (٢/٣٥٠)، و((الموسوعة الفلسفية)) (ص٢٨٧)، و((الموسوعة العربية الميسرة)) (١٢٦٢/٢)، و((معجم المؤلفين)) (١٩٤/١١)، و((تاريخ فلاسفة الإسلام)) لمحمد لطفي جمعة (ص١٣ - ٥٢).
(٢) من فلاسفة اليونان الكبار، بل هو أعظم فلاسفتهم على الإطلاق. تتلمذ على أفلاطون، ولازمه قرابة عشرين عامًا، ذهب إلى مقدونيا بعد دعوة له من فليب ملك مقدونيا، وأشرف على تعليم ابنه الاسكندر الأكبر.
وعاد إلى أثينا، بعد أن تركها عند وفاة أفلاطون، وأسس فيها مدرسة فكرية هي مدرسة =
16
في هذا الشأن(١).
والاستقراء في رأي ابن سينا (ت٤٢٨ هـ)(٢)، إن كان ناقصًا، أي مشهورًا على ما سمّاه، فإنه غير موجب للعلم الصحيح، لأنه ربما كان ما لم يستقرأ خلاف ما استقرئ(٣)، وعلى هذا فهو يفيد الظنّ لا اليقين(٣).
ومثل هذا الاستقراء هو أساس القواعد في مختلف أنواع العلوم، وأساس استنباط مناهج وأصول وقواعد العلماء من تفريعاتهم.
ومنذ عهد مبكر أطلقوا (القانون) على المنطق، لأنّ مسائله قوانين كليّة منطبقة على جزيئات، نحو قولهم: إنّ الموجبة الكلية تنعكس موجبة
= اللوقيين، أو المشائين. ثم ترك أثينا لأسباب سياسية، واعتزل حتى مات سنة (٣٢٢ ق.م). من مؤلفاته: ((الأورغانون في المنطق))، و((الأخلاق))، و((الخطابة)) وغيرها.
راجع في ترجمته: ((الموسوعة العربية الميسرة)) (١٧٧/١) وما بعدها، و((الموسوعة الفلسفية المختصرة)) (ص٣٨) وما بعدها.
(١) المنطق عند الفارابي (٨٨ ص) من كتاب ((البرهان)) وكتاب ((شرائط اليقين)) مع تعاليق ابن باجة على البرهان للفارابي تحقيق د. ماجد فخري.
(٢) هو الحسين بن عبد الله بن الحسن البلخي ثم البخاري الملقّب بالشيخ الرئيس، والمشهور بأبي علي ابن سينا. وقد ضبطه ابن خلّكان بالمدّ أي (سيناء)، وهو خلاف المشهور. نشأ في بخارى وتنقّل بين البلدان، وناظر العلماء. برع في الطبّ والمنطق والطبيعيات والإلاهيات، وتميّز بالذكاء الخارق والذهن الثاقب، ونسبوه إلى الإلحاد في الدين والتبعيّة للفرق المنحرفة في العقيدة كالإسماعيلية وغيرهم. وكانت وفاته في همدان سنة (٤٢٨هـ).
من مؤلفاته: ((القانون في الطب))، و((الشفاء في الحكمة))، و((رسالة حي بن يقظان))، و((الإشارات)) وغيرها.
راجع في ترجمته: ((وفيات الأعيان)) (٤١٩/١)، و((شذرات الذهب)) (٢٣٣/٣)، و((تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب)) لمحمد لطفي جمعة (ص٥٣) وما بعدها، و((الأعلام)) (٢٤١/٢)، و((معجم المؤلفين)) (٤/٢٠).
(٣) المنطق السينوي (ص٧٥) للدكتور جعفر آل ياسين.
17
جزئية ، فهذا قانونٌ أو قاعدةٌ نعلم منها أنّ القضية : كلّ إنسان حيوان تنعكس إلى بعض الحيوان إنسان ، وإنّ كلّ فاعل مرفوع تنعكس إلى أن بعض المرفوع فاعل ، وهكذا (١).
وجعلوا القوانين من ضوابط جميع المعارف ، وأنها لا تختص بالمنطق. وفي ((القاموس المحيط)) أنّ القانون مقياس كلِّ شيء . قال الفارابي في تعريف القوانين: (( والقوانين في كلِّ صناعة آقاويل كلية أي جامعة ، ينحصر في كل واحد منها أشياء كثيرة ، مما تشتمل عليه تلك الصناعة وحدها ، حتى يأتي على جميع الأشياء التي هي موضوعة للصناعة، أو على أكثرها))(٢).
والقوانين بالمعنى الذي ذكره الفارابي هي القواعد ، وقد ورد إطلاق ذلك عليها في كثير من المؤلفات التي جاءت فيما بعد.
ونجد من العلماء من صرّح بذلك كأبى الحسن نجم الدين القزويني (ت٦٧٥ هـ)(٣)، الذي كتب رسالة في المنطق سمّاها ((الرسالة الشمسّية في القواعد المنطقيّة)). وقد ظهرت كتب كثيرة تحمل عناوينها مصطلح القواعد، في أنواع مختلفة من العلوم ، وفي زمن مبكّر ، أيضًا ، مما
(١) ((شرح تهذيب المنطق)) لعبيد الله بن فضل الخبيصي (ص٣٤) بحاشية الشيخ حسن العطار.
(٢) ((إحصاء العلوم)) للفارابي (ص٥٧) تحقيق د . عثمان أمين.
(٣) هو أبو الحسن نجم الدِّين علي بن عمر بن علي الكاتبي القزويني ، من تلاميذ نصير الدين الطوسي ، ومن العلماء المبرّزين في الحكمة والمنطق ، كانت وفاته سنة (٦٧٥هـ).
من مؤلفاته: (( الرسالة الشمسية في القواعد المنطقية))، و((عين القواعد في المنطق والحكمة))، و (( المفصّل في شرح المحصل لفخر الدين الرازي))، وغيرها .
راجع في ترجمته: ((فوات الوفيات)) (١٣٤/٢)، و((الأعلام)) (٣١٥/٧)، و ((كشف الظنون)) (ص١٠٦٣)، و((معجم المؤلفين)) (١٥٩/٧).
18
سنذكره في تعرّضنا لما أُلّف من كتب في هذا المجال.
تعريفات القاعدة :
لم نجد للأصوليين والفقهاء، فيما اطلعنا عليه من كتبهم، تعريفًا للقاعدة، قبل القرن الثامن الهجري، وقد كثرت تعريفاتهم، وتنوّعت في هذه الفترة، وفيما بعدها. وسنستعرض طائفة منها فيما يأتي، بحسب تسلسلها الزمني، متوخّين اختيار ما فيها من اختلافات، ولو جزئيّة، أو صوريّة، تاركين استقصاء التعريفات المتطابقة، مكتفين باختيار واحد منها، ومتوخّين سبقه الزمني أيضًا.
١ - قال صدر الشريعة (ت ٧٤٧هـ)(١)
القواعد: القضايا الكليّة(٢).
والقضايا: جمع قضّية، على وزن فعيلة، بمعنى مفعولة، سمّيت بذلك لأشتمالها على الحكم الذي يسمّى قضاءً(٣). قال تعالى: ﴿وَقَضَى
(١) هو عبيد الله بن مسعود بن محمد البخاري المحبوبي الحنفي الملقب بصدر الشريعة الأصغر من فقهاء الأحناف وأصولييهم وجدلييهم، إلى جانب كونه محدّثًا ومفسّرًا ونحويًا ولغويًا وأديبًا ومنطقيًا. توفي سنة (٧٤٧هـ).
من مؤلفاته: ((التوضيح في حلّ غوامض التنقيح في أصول الفقه))، و((الوشاح في المعاني والبيان))، و((شرح الوقاية في الفقه الحنفي))، و((تعديل العلوم)).
راجع في ترجمته: ((مفتاح السعادة)) (٥٩/٢، ٦٠)، و((الأعلام)) (١٩٧/٤)، و((معجم المؤلفين)) (١٤٦/٦)، و((الفتح المبين)) (١٥٥/٢).
(٢) ((التوضيح بحاشية التلويح)) (٢٠/١).
وقد أورد هذا التعريف من خلال تعريف أصول الفقه بأنه العلم بالقواعد التي يتوصل بها إليه.
(٣) وتسمّى القضية باعتبارات أخرى بأسماء أخرى. قال سعد الدين التفتازاني: إنّ المركب التام المحتمل للصدق والكذب يسمّى من حيث اشتماله على الحكم قضيّة، ومن حيث احتماله الصدق والكذب خبرًا، ومن حيث كونه جزءًا من الدليل مقدّمة، ومن حيث إنّه يطلب بالدليل =
19
رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣]. وقال الشاعر :
قضى اللَّه يا أسماء أن لست زائلاً أُحبُّك حتى يُغْمِضَ العينَ مغمضُ(١)
وهي في اصطلاح المناطقة (قول يصحّ أن يقال لقائله إنّه صادق فيه أو كاذب)(٢) أوهي : قول يحتمل الصدق والكذب لذاته على ما رجّحه بعض العلماء(٣).
والكلّيّة : المراد بها هنا القضية المحكوم على جميع أفرادها(٤)، وليس المراد بها ما كان موضوعها كلّيًا ، وإن كان هذا لا ينفي أن تكون أمثال هذه القضايا كلية - كما سنعلم ذلك من خلال مناقشتنا للتعريفات - إلاّ أنّ مثل ذلك غير كافٍ عندهم .
وقد فسّر صدر الشريعة (ت٧٤٧هـ) القضايا الكلية بأنّها ما تكون إحدى
= مطلوبًا ، ومن حيث يحصل من الدليل نتيجة ، ومن حيث يقع في العلم ويسأل عنه مسألة فالذات واحدة، واختلاف العبارات باختلاف الاعتبارات. ((التلويح)) (١/ ٢٠).
((حاشية العطار على شرح تهذيب المنطق)) للخبيصي (ص١١٢).
((التعريفات)) للجرجاني (ص١٥٤)، و((تحرير القواعد المنطقية)) (ص٢٨).
((تهذيب المنطق بشرح الخبيصي)) وحاشيتي العطار والدسوقي (ص٢٢٥). وقد عَدَلَ التفتازاني في التهذيب إلى العبارة المذكورة، وهي ((القضية قول يحتمل الصدق والكذب )) لأرجحيتها على العبارة التي قبلها عند كثير من المؤلفين.
المصدر السابق (ص٢٢٥)، ((والدراري على شرح الفناري)) (ص٧٩)، و(( مغنى الطلاب بشرح سيف الغلاب)) (ص٨٩) .
وقد نُقِل عن عبد الحكيم السيالكوني أنّ وجه الأفضلية هو أنّ تعريفها بأنها قول يصح أن يقال لقائله ... إلخ .. تعريف للشيء بحال متعلّقه، وتعريفها بأنّها قول يحتمل الصدق والكذب تعريف لها بحال نفسها . وقيل من الترجيحات أن قولهم: قول يقال .. إلخ لا يلزم في القضية أن يقال بالفعل لقائله إنه صادق فيه أو كاذب: حاشية العطار على ((شرح التهذيب)) للخبيصي (ص٢٢٥).
((حاشية العطار على شرح جمع الجوامع)) (٣١/١).
20