Fiqh Theories
النظريات الفقهية
Mai Buga Littafi
دار القلم والدار الشامية
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
1414 AH
Inda aka buga
بيروت
Nau'ikan
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (سورة العصر، الآيات: ١-٣). وهذه المؤسسة فريدة في الشريعة الإسلامية، وقد لعبت دوراً بارزاً وعظيماً في منع الإِجرام والاعتداء، وذلك بتكوين رأي عام مهذب، لا يظهر فيه شيء من الشر(١).
وبعد كل هذه السبل للوقاية من الإِجرام، فإن تجاوز فرد كل هذه الاحتياطات والحواجز، ولم تنفعه الوقاية، وخاطر بدمه في المهالك، وغامر بنفسه للاعتداء على غيره، وأهان نفسه بالتطلع إلى حقوق الناس، وجحد عقله فانتهك حرمات الله وحدوده، فلا بدّ من إيقاع العقوبة به، علاجاً ودواء، لأن الله تعالى هو الخالق لهذا الإِنسان، العليم بغرائز النفوس وخفايا القلوب، ويعلم أن الشذوذ عن الجادة رافق البشرية منذ نشأتها الأولى، وأن الإنسان مفطور على الخير والشر، وأن زوال الشر ضرب من الخيال، لا يتفق مع طبيعة الإِنسان المركب من العقل والشهوة والرغبات والأهواء، فيخاطب العقل بما ينفعه، ويرشده إلى الصلاح والفضيلة، ويبين له طريق الهدى، ولكنه لا يجبره عليه، ولا يحمله على الرشد، ويبقى أمام الإِنسان باب الخير وباب الشر مفتوحين ليسلك باختيار ما شاء، فإن لم يهتد بالنصح والإِرشاد، ولم ينفعه الترغيب والثواب، وركب رأسه إلى الشر والشذوذ فلا بد من وضع العلاج الحاسم لوضع حد للشر والفساد، خشية أن يفشو في المجتمع، فكانت حكمة الله تعالى بتشريع العقوبات لصيانة الجماعة البشرية في التدهور والانحلال، وردعاً للنفس الشريرة من التمادي في الغي والانحراف بعد الإنذار من الجريمة والتحذير من مخالفة حدود الله تعالى(٢).
وبعد كل ذلك فإن الشارع لم يسد الأبواب عند الوقوع بالإِجرام، والاضطرار إلى العقاب، وإنما يتبع المشرع العقوبة بأمرين:
(١) فلسفة العقوبة في الفقه الإسلامي ١٥/١، التشريع الجنائي الإسلامي ٤٨٩/١ وما بعدها.
(٢) انظر: الإسلام عقيدة وشريعة ص ٢٧٠.
24