Al-Muntakhab min Kutub Shaykh al-Islam
المنتخب من كتب شيخ الإسلام
Mai Buga Littafi
دار الهدى للنشر والتوزيع
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م
Inda aka buga
الرياض
Nau'ikan
وجه ويُكرَه من وجه، كما قيل:
الشَّيب كره وكره أن أفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصَّالحة التي تكرهها النَّفس هو من هذا الباب، وفي «الصَّحيح»: «حُفَّت النَّار بالشَّهوات، وحُفَّت الجنَّة بالمكاره» (١)، وقال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ...﴾ (٢) الآية.
ومن هذا الباب يظهر معنى التردُّد المذكور في هذا الحديث؛ فإنَّه قال: «لا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنَّوافل حتَّى أحبَّه»؛ فإنَّ العبد الذي هذا حاله صار محبوبًا للحقِّ محبًّا له، يتقرَّب إليه أوَّلًا بالفرائض وهو يحبُّها، ثمَّ اجتهد في النَّوافل التي يحبُّها ويحبُّ فاعلها، فأتى بكلِّ ما يقدر عليه من محبوب الحقِّ؛ فأحبَّه الحقُّ لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتِّفاق الإرادة بحيث يحبُّ ما يحبُّه محبوبه ويكره ما يكرهه محبوبه، والرَّبُّ يكره أن يسوء عبده ومحبوبه؛ فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محابِّ محبوبه.
والله ﷾ قد قضى بالموت؛ فكلُّ ما قضى به فهو يريده ولا بدَّ منه، فالرَّبُّ مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده وهي المساءة التي تحصل له بالموت؛ فصار الموت مرادًا للحقِّ من وجه مكروهًا له من وجه، وهذا حقيقة التَّردُّد، وهو أن يكون الشَّيء الواحد
_________
(١) رواه البخاري في (الرقاق، باب حجبت النار بالشهوات، رقم ٦٤٨٧) من حديث أبي هريرة ﵁ بلفظ: «حجبت النار ...»، ومسلم في (الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم ٢٨٢٣) من حديث أنس بن مالك ﵁ بلفظ: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» .
(٢) البقرة: ٢١٦.
1 / 37