وكذلك إذا قلنا: في الإمام كذا، إنما نعني به ما رواه أبو عبيد عن ذلك المصحف الذي استخرجه.
وإذا قلنا: قال نصير، فذلك أيضًا قبيلٌ لم يذكره غيره. واتفاقهم مذكورٌ أيضًا.
ثمَّ إن أبا عبيد خالف نافعًا في مواضع يسيرة، فربما ظنَّ ظانٌّ أن ذلك تعارض، وإنما يتعارض النقلان لو كان المصحف واحدٌ.
فإن قيل: فنافع يروي عن مصحف المدينة، وأبو عبيد عن مصحف عثمان، وهو الذي كان عنده بالمدينة أيضًا، فكيف يقع في ذلك اختلاف؟
قلت: اختلاف هذين الإمامين - مع ما هم عليه من العدالة والإتقان والضبط - يدلُّ على أن المصحف الذي رآه أحدهما غير الذي ينقل عنه الآخر.
وما المانع أن يكون عثمان ﵀ اتَّخذ لنفسه مصحفًا، وجعل لأهل المدينة مصحفًا؟
وهذا هو الظاهر؛ لأنه لم يكن ليجعل للناس إمامًا يقتدون به، ثمَّ يختصُّ هو به من دونهم» (١).
المسألة الثانية: السبب الموجب لتقديم قول أبي داود (ت٤٩٦هـ) على قول شيخه (٢):
إن أبا داود (ت٤٩٦هـ) كان من أعلى وأجلِّ تلاميذ الداني (ت٤٤٤هـ)، وقد استفاد منه كثيرًا، لكنه كان أكثر تدقيقًا وشمولًا ومصادرَ في علم الرسم من الداني، يقول الدكتور أحمد شرشال في هذا المعنى: «وأبو داود أكثر
(١) الوسيلة إلى كشف العقيلة، للسخاوي، تحقيق: الدكتور مولاي محمد الإدريسي (٨٣ - ٨٤).
(٢) تنظر أقوال العلماء في هذه المسألة في مقدمة الدكتور أحمد شرشال لكتاب «مختصر التبيين في هجاء التنْزيل» أثناء حديثه عن موازنة مختصر التبيين بغيره من كتب الرسم (١:٣٢٨ - ٣٣٢).