105

Al-Mawsu'ah Al-'Aqidiya - Al-Durar Al-Sunniyah

الموسوعة العقدية - الدرر السنية

Mai Buga Littafi

موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net

Nau'ikan

إن قول النبي ﷺ: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته»؛ ليس تشبيهًا للمرئي بالمرئي، ولكنه تشبيه للرؤية بالرؤية؛ «سترون .. كما ترون»؛ الكاف في: «كما ترون»: داخلة على مصدر مؤول؛ لأن (ما) مصدرية، وتقدير الكلام: كرؤيتكم القمر ليلة البدر وحينئذ يكون التشبيه للرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي، والمراد أنكم ترونه رؤية واضحة كما ترون القمر ليلة البدر ولهذا أعقبه بقوله: «لا تضامون في رؤيته» أو: «لا تضارون في رؤيته» فزال الإشكال الآن.
قال النبي ﷺ: «إن الله خلق آدم على صورته» (١) والصورة مماثلة للأخرى، ولا يعقل صورة إلا مماثلة للأخرى، ولهذا أكتب لك رسالة، ثم تدخلها الآلة الفوتوغرافية، وتخرج الرسالة، فيقال: هذه صورة هذه، ولا فرق بين الحروف والكلمات؛ فالصورة مطابقة للصورة، والقائل: «إن الله خلق آدم على صورته»: الرسول ﵊ أعلم وأصدق وأنصح وأفصح الخلق.
والجواب المجمل أن نقول: لا يمكن أن يناقض هذا الحديث قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]، فإن يسر الله لك الجمع؛ فاجمع، وإن لم يتيسر؛ فقل: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا [آل عمران: ٧]، وعقيدتنا أن الله لا مثيل له؛ بهذا تسلم أمام الله ﷿.
هذا كلام الله، وهذا كلام رسوله، والكل حق، ولا يمكن أن يكذب بعضه بعضًا؛ لأنه كله خبر وليس حكمًا كي ينسخ؛ فأقول: هذا نفي للمماثلة، وهذا إثبات للصورة؛ فقل: إن الله ليس كمثله شيء، وإن الله خلق آدم على صورته؛ فهذا كلام الله، وهذا كلام رسوله، والكل حق نؤمن به، ونقول: كل من عند ربنا ونسكت وهذا هو غاية ما نستطيع.
وأما الجواب المفصّل؛ فنقول: إن الذي قال: «إن الله خلق آدم على صورته» رسول الذي قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١] والرسول لا يمكن أن ينطق بما يكذب المرسل والذي قال: «خلق آدم على صورته» هو الذي قال: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر» (٢) فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه، أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة، والحسن، والجمال، واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه؟! فإن قلت بالأول؛ فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين، وليس لهم آناف، وليس لهم أفواه! وإن شئنا قلنا: دخلوا وهم أحجار! وإن قلت بالثاني؛ زال الإشكال، وتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلًا له من كل وجه.
فإن أبى فهمك، وتقاصر عن هذا وقال: أنا لا أفهم إلا أنه مماثل.
قلنا: هناك جواب آخر، وهو أن الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه؛ فقوله: «على صورته»؛ مثل قوله ﷿ في آدم: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي [الحجر: ٢٩]، ولا يمكن أن الله ﷿ أعطى آدم جزءًا من روحه، بل المراد الروح التي خلقها الله ﷿، لكن إضافتها إلى الله بخصوصها من باب التشريف؛ كما نقول: عباد الله؛ يشمل الكافر، والمسلم، والمؤمن، والشهيد، والصديق، والنبي، لكننا لو قلنا: محمد عبد الله؛ هذه إضافة خاصة ليست كالعبودية السابقة.

(١) رواه البخاري (٦٢٢٧)، ومسلم (٢٦١٢) واللفظ له. من حديث أبي هريرة ﵁.
(٢) رواه البخاري (٣٣٢٧)، ومسلم (٢٨٣٤). من حديث أبي هريرة ﵁.

1 / 104