المنصوري في الطب
المنصوري في الطب
Nau'ikan
إن أكثر من يعمل في هذه الصناعة ممن يسميهم الناس مجبرين، ليس يعملها على إحكام ونظر وأصل صحيح يرجع إليه، بل أكثرهم على ما اتفق له ورآه من معلميه. وقل ما نجد منهم من قرأ كتب العلماء القدماء في هذه الصناعة أو كان تعلمه لها من معلم قد قرأها. بل كثير ما يعملها ويتعاطاها الأميون والأكراد والقرويون، فيولدون بقلة معرفتهم عللا رديئة صعبة. وأنا ذاكر من جملة هذه الصناعة وجوامعها ما إذا تدبره عاقل أمكنه أن يستعمل أي واحد لوحده خير من هؤلاء، استعمالا صوابا، ويقومه ويثقفه. وأول ذلك في تدبير الغذاء ثم في المد والتقويم ثم في الرباط ثم في الكسور الخارقة التي فيها شظايا وكسور متبرية ثم في الخلع. اعلم: أن عوام الناس يأمرون من حدث به كسر أو خلع أو وثي أن يغتذي بالأخبصة والأحسية والعصايد والكباب والشواء، وأن يشرب الشراب. وليس شيء أبلغ من هذا في جلب الورم الحار وتوليده في هذه الحالة ومن هذا التدبير. لكن ينبغي أن يلطف التدبير منه في أول ما يحدث بالعليل كسر أو خلع أو وثي أياما. وإن كان قويا يفصد ويسهل أيضا على ما ذكرنا قبل ليؤمن من أن يميل إلى الموضع مواد أو تحدث أورام عظيمة غليظة وعفنة. حتى إذا مرت به الأيام وأمن أن يحدث عليه ورم حار، أمرت من كان به خلع أو وثي أن يرجع إلى تدبيره الذي جرت به عادته. وأما من كان به كسر فإنه يحتاج في هذه الحالة أن يكثر في دمه الغلظ واللزوجة ليصير للطبيعة المادة التي بها يتم لحام الكسر. ومما يفعل ذلك الهريسة والرؤوس والأكارع ولحوم الجداء والحملان وبطون البقر والبيض والأرز والسمك الطري، ونحوها من الأغذية التي لها متانة وفيها لزوجة فليأكل في هذا الوقت من هذه ويشرب شرابا غليظا. فإنه إذا تدبر بذلك كان انعقاد الكسر منه أسرع وأبلغ. وأما في أول الأمر فليقتصر به على البقول الباردة والبزورات والمزورات وعلى لحوم الطير والجداء ولا يقرب الشراب البتة. وأما المد والتقويم فينبغي أن يكون في غاية الرفق وبأقل ما يكون من الوجع. فإنه لا شيء أجلب للورم من الوجع. وأكثر هؤلاء الجهال يمدون ويغمزون المواضع الواثية ويفرقعونها ليوهموا الناس أنهم يفعلون شيئا. ولا يحتاج الوثي إلى غمز ومد البتة. بل ينبغي أن يضمد بما ذكرنا من قبل ويشد شدا رفيقا لا يوجع البتة. وأكثرهم يحرفون على عوام الناس في الوهون الواقعة فيدعون أن ذلك كسر أو خلع. وأمر الكسر والخلع أظهر من أن يخفى، لأنه يكون معه اعوجاج في شكل العضو ودفعه للجلد في جانب، وانقصاعه وتقعره في الجانب الآخر مما لا يخفى على أحد ممن ينظر إليه. اللهم إلا خلع مفصل العضد مع المنكب وخلع مفصل الورك فإنه يخفى. لأن رأس العضد إذا انخلع دخل في الأبط. ورأس الفخذ في الأربية وإلى ناحية الورك. فهناك لحم كثير لا يكون الاعوجاج فيه بينا جدا. والعلامة اللازمة لخلع مفصل المنكب نتوء مستدير يحدث تحت الأبط يحس بالأصابع إذا جس الأبط. وأما خلع مفصل الفخذ فنتوء في الأربية أو في ناحية خارج. وأن العليل لا يتهيأ له أن يبسط العضل الذي بين الساق والفخذ فضلا عن المفصل المخلوع. وأما الكسور فما لم يكن منها صغيرا لم يخف اعوجاجه عن العين. وما كان صغيرا لم يخف إذا مر باليد عليه لتحد به في جانب وتقعصه في آخر. وإذا أحسست عند إمرار اليد عليه أصوات العظم وتخشخشه فهو كسر. ومتى لم يكن في الموضع اعوجاج ظاهر ولا تحدب ولا تقعص ولا تخشخش عند إمرار اليد عليه، فليس هناك خلع البتة ولا كسر عظم قوي يحتاج إلى مد أو غمز شديد. فهو إما وثي أو كسر هين قليل لا ينبغي أن يحرك بالمد البتة لأن ذلك يزعجه ويعظمه ويكون أعظم الخطأ عليه. فمن تعرص من هؤلاء الجهال في مثل هذه المواضع لمد وغمز، فينبغي له أن يمنع من ذلك، ويؤمر أن يمسح الموضع مسحا لينا ويضمده ويشده شدا لينا لا وجع معه. فإنه لا يحتاج معه إلى غير ذلك. ولقد رأيت من جهل رجل من هؤلاء أمرا عجيبا فضيحا. وهو أنه حدث لرجل سقطة على وسط عضده فتألم وورم عضده ورما يسيرا. فلما رآه هذا الجاهل قال: إن عضده قد انخلعت ولم يكن عنده من المعرفة ولا هذا القدر اليسير الذي هو أن الخلع إنما يقع في مفصل لا في وسط العظم، وعمد إلى مد العظم من ناحيتين مدا شديدا. فمنعته من ذلك وأغرقت الموضع بدهن الورد ونثرت عليه آسا مسحوقا وشددته شدا رفيقا وفصدته من اليد الأخرى. فلما كان في اليوم الثالث حللت الرباط عنه فلم يحتج إلى معاودة ولا علاج آخر. وأما الكلام فيما يحتاج إليه كل عضو من أعضاء البدن من المد والتقويم والرباط وسائر العلاج إلى أن يتم برؤه فخارج عن حد كتابنا هذا وغرضه إذا كان يحتاج في استقصاء ذلك إلى مثل كتابنا هذا أضعافا كثيرة وإلى مشاهدة بعد ذلك. ولكنا نحن نقصد في كتابنا هذا المعاني التي نقدر أن نشارك فيها العقلاء من عوام الناس إذا قرأها وتدبرها أهل الصناعة منهم ولا يحتاجون إلى توغل وإغراق. وأما الرباط فينبغي أن يلف لفات ثلاث أو أربع على موضع الكسر نفسه ثم يذهب إلى الناحية العليا. وليكن أشد اللفات ما كان على موضع الألم نفسه ثم يرخي قليلا قليلا إذا ما تباعد عنه حتى يأخذ الموضع الصحيح شيئا صالحا ثم تؤخذ عصابة أخرى فتلف أيضا على موضع الألم لفات ثم يذهب بها إلى الناحية السفلى. وليكن حالها في الشد وشدة اللف ورخاوته على ما ذكرنا في لف العصابة الأولى. ثم يوضع عليها من الرفائد ما يستوي به ما في العظم من تظامن وتحدب ثم يلف من فوقها عصابة أخرى حتى يستوي الشد في جميع المواضع ثم توضع الجبائر فوق هذه ويشد عليها بعصابة أخرى مستوية كشد اللفات في جميع المواضع ثم تربط بالخيوط فوقها. وعلى هذه الصفة ينبغي أن يكون الرباط. أما الجهال فربما ابتدؤوا بوضع أول الرباط على المواضع الصحيحة وشذوا لفاتها هناك ثم جاؤوا بها نحو مواضع الألم، وهذا أشر ما يكون من الرباط وأردأه لأنه يعصر الدم من الناحيتين حتى يجمعه في موضع الألم، فيحدث أوراما وقروحا كثيرة. وربما يحدث آكلة وعفنا. وأما مقدار الرباط في شدته فينبغي أن يكون بحالة لا يتوجع منه العليل إلا ما نال به من الوجع، ولا يكون عديم الشدة بحيث لا يحس منه بشيء البتة. فإن حدث منه في حال ذلك وجع شديد حتى إنه يخضر ما دون الرباط ويمتلئ دما، فليحل من ساعته وينقص من شدته. وإن حدث بالعليل في موضع الرباط حكة شديدة مؤذية فليحل وليصب عليه ماء حار بقدر ما يستلذه حتى تسكن الحكة ثم يترك ساعة ثم يربط أيضا بعد أن تغمس العصائب في خل وماورد ودهن ورد مضروبة ضربا جيدا. وأما مقدار زمان الرباط فإنه ينبغي في الابتداء أن يحل في كل يوم لا سيما إذا كان هناك وجع أو ورم. فإن لم يكن فلا يحل إلا في اليومين مرة. إلا إذا حدث أمر يضطر إلى حله قبل ذلك من وجع أو حكة شديدة. وإذا ما مضت أيام ولم يحدث ورم ولا بقى في العضو حمى ولا حرارة ففي أربعة أو خمسة أيام فصاعدا، فإنه أنجع وأبلغ في الانعقاد والالتحام. وينبغي أن يكون الرباط منذ أول ما تحدث العلة أسلس بمقدار ما لا يوجع وجعا مؤذيا. فإذا مضت خمسة أيام أو نحوها وأمنت الورم فليكن أشد قليلا. حتى إذا مضت الأيام ولزم الكسر واحتيج أن يعقد عليه اللحام فليرخى أيضا قليلا قليلا ويزاد في الغذاء على ما ذكرنا. وأما الجبائر فلتكن على غاية الوطىء. وينبغي أن لا تغمز أطرافها على موضع لا وطء له. وليكن أعظمها وأغلظها موضعا في الجانب الذي مال إليه العظم. وأما الكسور الخارقة فينبغي أن توضع العصابة الأولى على فم الجرح الأعلى وتلف لفات صلبة ثم يذهب بها إلى الناحية العليا. وتوضع عصابة أخرى على فمه الأسفل ويذهب بها إلى الناحية السفلى، ويترك فم الجرح نفسه مكشوفا. ويكون جملة الرباط أسلس وأرخى قليلا. ويحل كل يوم أو يومين لا محالة. ويجعل على فم الجرح قطنة حتى إذا قل الصديد من الورم وذهبت الحرارة جعل على فم الجرح مرهم ينبت اللحم مما ذكرنا. أما الكسورالتي فيها شظايا عظم لم تخرق الجلد، فما كان منها لا ينخس نخسا شديدا فلتمد وتسوى ما أمكن بالمسح عليها وتشد شدا رفيقا. وما كان منها ينخس ويوجع وجعا شديدا فلا ينبغي أن تشد لأنها تورث أوراما وعفنا في العظم كله. لكن ينبغي أن يشق عنها. فإن كانت متبرية أخرجت وإن لم تكن متبرية نشر الشيء الحاد الناخس منها ثم عولجت بعلاج الكسور الخارقة. أما الخلع فينبغي أن يبادر برده حين يحدث قبل أن يرم. فإن ترك رده في حاله إلى أن يرم أو يبدأ بالورم، فلا يبنغي أن يرام رده إلى موضعه في ذلك الوقت لأنه إن مد في هذه الحالة حدث للعليل تشنج في أكثر الأمور. فهذه هي المعاني والنكت التي ذكرناها. وهي التي تدخل من أضاعها على من ابتلى بهذه العلل والبلايا العظام التي لا تستلحق وإذا أخذ وأمر بها من لم يكن عالما من المجبرين سلم من شرهم وانتفع بسائر علمهم وعملهم.
في تليين الصلابات التي تبقى في الأعضاء بعد انجبارها:
قد يبقى في الأعضاء بعد انجبارها صلابات ربما كانت مؤذية مانعة من الحركة ويكون ذلك خاصة إذا كانت بالقرب من المفصل. ومما يلينها الدهن والماء الحار إذا أكثر النطل والمرخ به. والشحوم والمخوخ إذا ضمدت بها. وقد يؤلف من هذه أدوية تكون أقوى فعلا من المفردات على نحو ما أصف.
تليين يحل الدشبذ ويلين التوتر والتمدد:
Shafi 306