المبحث الثاني جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق ﵁
لم يشعر الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة النبي ﷺ أنهم في حاجة إلى جمع القرآن في كتاب واحد، حتى كثر القتل في الحفّاظ في حروب الردة، فقد استشهد فيها خلق كثير من القرّاء والحفظة، قيل: إنه قتل سبعون وقيل: خمسمائة، وأيا كان فإن عدد القتلى قد هال المسلمين، فخشي عمر بن الخطاب من ذلك على ضياع بعض الصحف ففكر في عرض الأمر على أبي بكر ليقوم بجمع القرآن.
روى البخاري أن زيد بن ثابت ﵁ قال: (أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وفإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر ﵁: إن عمر أتاني فقال:
إن القتل قد استحرّ «اشتد» يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله ﷺ؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: إنّك رجل شابّ عاقل لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ فتتبّع القرآن فاجمعه، فو الله لو كلفوني نقل جبل (١) من الجبال، ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله ﷺ؟ قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني، حتى شرح الله
(١) وقد عينت بعض الروايات الجبل بأنه جبل أحد، فكان ﵁ يرى نقل جبل أحد من مكان إلى مكان أهون عليه من نقل الكتابة من العسب واللخاف والأكتاف والأضلاع والرقاع المختلفة الأجناس والأشكال والألوان إلى كتابتها على شيء متجانس متماثل يسهل جمعه وربطه وحفظه في مكان مناسب، وقد تطلب هذا منه جهدا عظيما في مقارنة المحفوظ بالصدور مع المكتوب في السطور مع طلب الشهادة على كل رقعة أنها كتبت بين يدي رسول الله ﷺ حتى يحافظ على الرسم القرآني كما هو، جزى الله زيدا أحسن الجزاء وأجزل له الثواب.