195

المدخل

المدخل

Mai Buga Littafi

دار التراث

Bugun

الأولى

Inda aka buga

القاهرة

خَبَرَهُ فَقَالَ اُطْلُبُوهُ فَإِذَا وَجَدْتُمُوهُ فَأْتُونِي بِهِ فَوَجَدُوهُ فَأَتَوْا بِهِ إلَيْهِ فَأَخَذَهُ وَخَلَا بِهِ وَقَالَ لَهُ مَا مَنَعَك مِنْ عَادَتِك فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدِي لِي بَنَاتٌ قَدْ كَبِرْنَ وَاحْتَجْنَ إلَى التَّزْوِيجِ وَأَنَا فَقِيرٌ فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ إنْ أَغْضَبْت فُلَانًا فَنَحْنُ نُزِيلُ فَقْرَك وَنُجَهِّزُ بَنَاتَك، أَوْ كَمَا قَالُوا فَبَقِيتُ تِلْكَ الْمُدَّةَ أَجِيءُ إلَيْك فَأَقْذِفُك وَأَشْتُمُك وَأَفْعَلُ مَا قَدْ رَأَيْت لَعَلَّك تَغْضَبُ يَوْمًا مَا لِيَحْصُلَ لِي مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَيِسْتُ مِنْ غَضَبِك تَرَكْت ذَلِكَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ لَوْ أَخْبَرْتنِي كُنْت أَقُومُ لَك بِضَرُورَتِك أَعَلَيْكَ سَفَرٌ فَقَالَ يَا سَيِّدِي أَيُّ شَيْءٍ أَشَرْت بِهِ عَلَيَّ فَعَلْته، فَأَمَرَ الْكَاتِبَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِالْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ إلَى نُوَّابِهِ بِالْبِلَادِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ، وَمِمَّنْ يَعْتَنِي بِهِ الْقَاضِي فَسَافَرَ إلَى الْبِلَادِ، ثُمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا أَزَالَ فَقْرَهُ وَجَهَّزَ بَنَاتَه. فَانْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ وَإِيَّانَا مُعَامَلَتَهُ مَعَ مَنْ شَتَمَهُ وَقَذَفَهُ فَيَكُونُ الْعَالِمُ يَقْتَدِي بِهَذَا السَّيِّدِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ فِي الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَالشِّيَمِ الْجَمِيلَةِ، وَقُدْوَتُهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سُنَّةُ نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ ﷺ.
أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ ﵊ «تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ» انْتَهَى. فَمِنْ جُمْلَةِ أَخْلَاقِهِ ﷾ الْعَفْوُ وَالصَّفْحُ وَالْمَغْفِرَةُ وَالثَّوَابُ، وَالْعَالِمُ أَوْلَى بَلْ أَوْجَبُ مَنْ يُبَادِرُ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَرُتْبَتُهُ مُنِيفَةٌ وَالصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى أَوَّلُهَا، وَفِي الْحَقِيقَةِ الَّذِي يُؤْذِيكَ هُوَ الْمُحْسِنُ إلَيْك. وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَنَّهُ قَالَ: «جُبِلَتْ الْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهَا» وَإِذَا نَظَرْت إلَى النَّاسِ وَجَدْتَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُحْسِنٌ وَمُسِيءٌ فَالْمُحْسِنُ جُبِلَ قَلْبُك عَلَى مَحَبَّتِهِ، وَهَذَا الْمُحْسِنُ إنَّمَا أَحْسَنَ إلَيْك بِشَيْءٍ يَفْنَى، وَإِذَا نَظَرْت إلَى الْمُسِيءِ بِعَيْنِ التَّحْقِيقِ فَهُوَ مُحْسِنٌ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إلَيْك بِالْبَاقِي إذْ أَنَّك تَأْخُذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَإِلَّا أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِك، وَشَأْنُ أَهْلِ التَّوْفِيقِ اغْتِنَامُ الْبَاقِي فَيَنْبَغِي لَك أَنْ تُكَافِئَهُ عَلَى إحْسَانِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: ٦٠] .
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ ﵀ مَا يُبَيِّنُ هَذَا وَيُوَضِّحُهُ، وَهُوَ

1 / 200