إن تقسيم مراحل الدعوة الإسلامية إلى مرحلة سرية ومرحلة جهرية، ومن ثم مرحلة مكية ومرحلة مدنية، أو مرحلة التبين، ومرحلة التكوين، ومرحلة التمكين، أو مرحلتي الكتمان والإعلان، أو مرحلة الاستضعاف ومرحلة الاستخلاف وغيرها من التقسيمات كمرحلة النبوة، ثم إنذار عشيرته الأقربين، ثم إنذار قومه، ثم إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة، ثم إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر (١)، إنما هو وصف لواقع الدعوة وأحوال المسلمين وبيان لمقتضيات تلك المدة والمرحلة ويترتب على ذلك من أحكام وفوائد منها: تمييز الناسخ من المنسوخ، ومعرفة تاريخ التشريع وتدرجه الحكيم بوجه عام، وذلك يترتب عليه الإيمان بسمو السياسة الإسلامية في تربية الشعوب والأفراد، وكذلك معرفة أساليب الدعوة إلى اللَّه ومراعاة مقتضى الحال (٢)، قال القرطبي ﵀: "وينبغي له -أي صاحب القرآن- أن يعرف المكي من المدني؛ ليفرق بذلك بين ما خاطب اللَّه به عباده في أول الإسلام، وما ندبهم إليه في آخر الإسلام، وما افترض اللَّه في أول الإسلام، وما زاد عليه من الفرائض في آخره، فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن، ولا يمكن أن ينسخ المكي المدني؛ لأن المنسوخ هو المتقدم في النزول قبل الناسخ له" (٣).

(١) انظر: من مرتكزات الخطاب الدعوي في التبليغ والتطبيق، عبد اللَّه الزبير عبد الرحمن، الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط ١، ١٩٩٧ م، ص ١٤٣ - ١٤٤، وزاد المعاد، ١/ ٨٦.

(٢) انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، بيروت: دار الفكر، ط ١، ١٤١٦ هـ، ١/ ١٣٧، والغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة، د. عبد الرحمن اللويحق، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط ٣، ١٤١٦ هـ، ص ٥١٦ - ٥١٧.

(٣) الجامع لأحكام القرآن، ١/ ٢١.