فرضي الله عن أبي بكر وأرضاه، وجزاه عن أمة محمد خير الجزاء؛ فإنه قد قام بما يجب عليه نحوها، من ترسيخ معاني الإِسلام في قلوب ونفوس وحياة أمة محمد ﷺ، وأمرها بالثّبات على دين الله الذي جاء به النبي ﷺ من غير زيادة ولا نقص، وطبق ذلك تطبيقًا عمليًا على نفسه، وعلى جميع من بايعه، وقاتل من أنكر شيئًا من ذلك، فقد أعزّ الله به الإِسلام والمسلمين، وخذل به أعداء الله وأعداء الدين، ولهذا لم ينقص الدين في حياته كما قال ﵁ لعمر بن الخطاب حينما أشكل عليه قتال مانعي الزكاة: إنه قد انقطع الوحي وتمّ الدّين، أفينقص وأنا حي؟ والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، أليس قد قال رسول الله ﷺ: " إلا بحقها "، ومن حقها: إيتاء الزكاة، والله لو خذلني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي " (١).
وصدق ﵁، فقد حفظ الله به الدين، ولم ينقص وهو حي، ولهذا كانت خلافته مليئة بالأعمال الجليلة التي تحتاج إلى السنوات الطوال لإِنجازها على الرغم من قصر مدة خلافته ﵁، فهي لم تزد على سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وهذا يدل على حكمة أبي بكر العظيمة ووعيه التام بالإِسلام، وعزيمته الثابتة الراسخة كالجبال الرَّوَاسِي، وإيمانه الذي لو وُزِنَ وإيمان الأمة كلها (٢) لرجح إيمان أبي بكر بإيمان أمة محمد ﷺ، ولهذا يعدّ ﵁ هو الذي أرسى الدعائم بعد وفاة النبي ﷺ، وأثبت المفاهيم، فرضي الله عنه وأرضاه (٣).
(١) انظر: تاريخ الطبري ٢/ ٢٤٥، ٢٤٦، والتاريخ الإِسلامي لمحمود شاكر ٣/ ٦٨، وأعلام المسلمين لخالد البيطار ص ٧٥، وحياة الصحابة ١/ ٤٣٤.
(٢) انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٥٩.
(٣) انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٧٣، والتاريخ الإِسلامي لمحمود شاكر ٣/ ٦١.