إذا تَقَرَّرَ هذا فـ (اللُّغَةُ) في الدَّلالةِ على ذلك (أَفْيَدُ) أي: أكثرُ فائدةً (مِنْ غَيْرِهَا)؛ لأنَّ اللَّفظَ يَقَعُ على المَعدومِ، والموجودِ، والحاضرِ الحِسِّيِّ، والمعنويِّ، (وَأَيْسَرُ لِخِفَّتِهَا) لأنَّ الحروفَ كيفيَّاتٌ تَعرِضُ للنَّفَسِ الضَّروريِّ، فلا يُتَكَلَّفُ لها ما يُتَكَلَّفُ لغيرِها.
(وَسَبَبُهَا) أي: سببُ وَضعِها (حَاجَةُ النَّاسِ) إليها ليَعرِفَ بعضُهم مُرادَ بعضٍ للتَّساعُدِ، والتَّعاضُدِ، بلا مُؤنةٍ فيه ولا مَحذورٍ، وهذا مِن تمامِ نِعَمِ اللهِ علينا أنْ جَعَلَ ذلك بالمنطقِ دونَ غيرِه.
(وَهِيَ) أي: اللُّغةُ (أَلْفَاظٌ) وتَشمَلُ: الموضوعَ، والمُهْمَلَ.
وقولُه: (وُضِعَتْ لِمَعَانٍ) ليُخرِجَ المُهمَلَ؛ لأنَّه لم يُوضَعْ لمَعنًى.
(فَمَا الحَاجَةُ إِلَيْهِ) أي: فالمعنى الَّذِي يَحتاجُ الإنسانُ إلى الاطِّلاعِ عليه مِن نَفْسِه دائمًا كطلبِ ما يَدفَعُ به عن نَفْسِه (^١) مِن ألمِ جوعٍ وغيرِه (^٢) لم تَخْلُ اللُّغةُ مِن وضعِ لفظٍ له، (وَالظَّاهِرُ) مِن استعمالِ العَربِ (أَوْ كَثُرَتْ) حاجةُ الإنسانِ إليه كالمُعاملاتِ (لَمْ تَخْلُ) اللُّغةُ (مِنْ) وَضعِ (لَفْظٍ لَهُ) أي: لذلك المعنى، بل هو كالمقطوعِ به، لا سِيَّمَا وهي أوسعُ اللُّغاتِ وأَفصَحُها.
(وَيَجُوزُ خُلُوُّهَا) أي: اللُّغةِ (مِنْ لَفْظٍ) كَثُرَتِ الحاجةُ إليه (كَعَكْسِهِمَا (^٣) أي: ما لا يُحتاجُ إليه البَتَّةَ، يَجوزُ خُلُوُّ اللُّغةِ عمَّا يَدُلُّ عليه، وخُلُوُّها واللهُ أعلمُ أَكثَرُ، وما قلَّتِ الحاجةُ إليه يَجوزُ خُلُوُّها منه وليسَ بمُمتنعٍ.