غيره طلبًا لإفهامه، كما أنه ربما تكلف الإنسان لمن لم يحسن العربية بعض رطانة الأعاجم ليفهمه، فإذا جرى استعمال هذا اللفظ السخيف هذا المجرى، وغزى به هذا المغزى كان جائزًا، وللفظ السخيف موضع آخر لا يجوز أن يستعمل فيه غيره، وهو حكاية النوادر والمضاحك، وألفاظ السخفاء والسهاء، فإنه متى حكاها الإنسان على غير ما قالوا خرجت عن معنى ما أريد بها، وبردت عند مستمعها، وإذا حكاها كما سمعها وعلى لفظ قائلها وقعت موقعها، وبلغت غاية ما أريد بها، فلم يكن على حاكيها عيب في سخافة لفظها.
وأما الكلام الجزل: فهو كلام الخاصة والعلماء والعرب الفصحاء والكتاب الأدباء الذي قد تقدم وصفه في الشعر والخطابة، وليس شيء أعون على جزالة الكلام، وخروجه عن تحريف العوام من مجالسة الأدباء، ومعاشرة الفصحاء، وحفظ أشعار العرب ومناقلاتهم، والمختار من رسائل المولدين الأدباء ومكاتباتهم، ولذلك كانت ملوك بني أمية يخرجون أولادهم إلى البوادي لينشئوهم على الفصاحة، وجزالة الألفاظ، وله أيضًا علم الناس أولادهم الرسائل، ورووهم شعر القدماء، وحفظوهم القرآن، وأمروهم بتحقيقه، ورفع أصواتهم بالقراءة والإنشاد، ليعتادوا الكلام الجزل، وتتفتق به لهواتهم، وتذل به ألسنتهم، وتتشكل بتلك الأشكال ألفاظهم، فإن الخلق يأتي دون الخلق، والعادة كالطبيعة، ولا شيء أفسد للكلام، ولا أضر على المتكلم، ولا أعون على سخافة اللفظ من معاشرة أضداد من ذكرنا، وطول ملابستهم، واستماع قولهم، فينبغي لمن