الأخرس المتكلم
الأخرس المتكلم
تأليف
مارون عبود
فصل في حركات الخطيب
توطئة
للخطيب إشارات وحركات يجب على من يزاول هذه المهنة السامية تتبعها ومزاولتها؛ لأنها تزيد كلامه قيمة، ويؤثر في نفوس سامعيه تأثيرا شديدا، لن يناله الخطيب الذي لا يحسن الإشارات والحركات، وإن كان كلامه أغزر معنى وأجمل سبكا وأرق ديباجة؛ لأن الإشارات لغة الجسم كما حددها إمام الخطباء شيشرون. لقد وجدت الإشارات قبل اللغة؛ لأن الإنسان في بدء عهده - قبل أن ينطق - كان يعبر بالإشارات عما في نفسه من الأغراض، وأسطع دليل على ما نقول، ما نراه من الأطفال، فإنهم قبل أن يفوهوا ببنت شفة يدلون على مقاصدهم بالإيماء إلى الأشياء التي يجهلون أسماءها.
لقد أصبح للخطابة أعظم شأن في عصرنا الحاضر، ففيها يثبت رجال الدين القضايا التي يحاولون غرسها في الأذهان، وفي الخطابة أيضا يدافع النواب في مجالسهم عن حقوق أوطانهم، ورجال السياسة عن خططهم ومواقفهم، وفيها يدافع المحامون عمن كلفوهم الدفاع عنهم، وبها يستميل الزعماء الرأي العام إليهم، وبها يدفع القواد جيوشهم إلى ورود حياض الموت، والتفاني في سبيل الدفاع عن حوزة الوطن. وقصارى الكلام إن الخطابة أقرب الوسائل إلى استمالة القلوب، وعليها المعول في قضاء أمور شتى، لا محل لذكرها هنا.
ولهذا رأيت أن ألحق هذه الرواية بهذا الفصل عن حركات الخطيب، لاتفاقها مع حركات الممثل، ومن شاء إتقان الحركات والإشارات فليراقب إشارات عامة الناس في أحاديثهم، وخصوصا الشيوخ والأطفال؛ لأنهم أقرب البشر إلى السذاجة، التي هي أصدق دليل.
وقفة الخطيب
Shafi da ba'a sani ba