وتجد في حقوق الآخرة من هذا الكتاب أن الغزالي ضرب المثل بالنظر إلى الفواكه، والأنوار، والأزهار، والتفاح المشرب بالحمرة، وإلى الماء الجاري والخضرة. ومعنى هذا أن الإنسان متى جاز له، وبعبارة أدق، متى أمكن له أن يحب هذه الأشياء بلا نية سيئة، فقد يمكن له أن يحب الرجل الجميل بلا غرض خبيث.
وشاهدنا في هذه الفكرة، هو أن الغزالي يؤمن بأن للروح شيئا من السلطان، وله بعض الحقوق. فإنه متى جاز أن يحب الرجل لجماله، والجمال في الرجال كثير، فقد أصبح للروح الحق في أن يتمتع بكل جميل، متى استطاع أن يتحلى بالعفاف. وهذا فيما أرى اعتراف من الغزالي بضرورة وجود الفنون الجميلة لتتمتع بها الأرواح، كما يجب أن تملأ الخزائن والأسواق ، لتجد الأجسام ما تحتاجه من الغذاء.
ويحسن أن نذكر ما لاحظناه على الغزالي حين تكلم عن التشريح: فقد قرر أنه يسير بفريق من العلماء إلى أن النفس تموت؛ فإنا سألناه: هل يقضي ذلك بتحريم التشريح؟ وبالطبع ليس عند الغزالي جواب على هذا السؤال!
وكذلك نسأله الآن: يجوز أن يحب الشخص الجميل، ولكنا لاحظنا أن مثل هذا الحب قد يجر إلى الفسوق. فهل يحرم لذلك حب كل شخص جميل؟ وليس للغزالي أيضا على هذا السؤال جواب!
وإنما قدمنا هذه الكلمة أمام رأيه عن الفنون الجميلة، ليعرف القارئ: أنه لم يذكر أصلا من أصول الأخلاق يبرر رأيه في الفنون فقد أتى عليها جميعا بالنقد والتجريح، وإن لم ينكر «أن لله سرا في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح» وأحسب أنه لو تروى قليلا لعرف أن لله سرا فيما تحدث الفنون، من أنواع الفنون.
الشعر
رأي الغزالي في الشعر رأي عجيب، فهو يرى أن مقصوده المدح والذم والتشبيب. وعلى فرض أن الشعر لا يقصد منه غير ذلك فهو مقصود حميد، وإن قبح في بعض الأحوال.
وقد رأى الغزالي نفسه أمام أمر واقع: وهو أن الشعر أنشد بين يدي رسول الله، ولكنه اعتذر عن هذا بأن المبالغات التي وردت في ذلك الشعر لم يقصد بها الكذب، وإنما هي من صنعة الشعر. فلا يقصد بها اعتقاد الصورة التي وضعها الشعراء.
ولا أدل على هوان الشعر في نظر الغزالي من قوله: «وأما الشعر فكلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، إلا أن التجرد له مذموم.» ص131 ج3.
والتجرد للشعر هو صنعة الشاعر للفنان، الذي يريد أن يمثل عصره وقطره، في صحيفة التاريخ. ومتى كان من المذموم أن يتجرد المرء للشعر، فمعنى ذلك أن الشعر لا يصح أن تخصص له حياة فرد من الأفراد. وإن جاز للناس أن ينشدوا أو ينشؤوا ما حسن منه، لأنه ككل كلام: حسنه حسن، وقبيحه قبيح.
Shafi da ba'a sani ba