ويرى الغزالي أن المرء محتاج إلى الصبر في كل حال: فهو يحتاج إليه في السراء، كما يحتاج إليه في الضراء. بل هو إليه في السراء أحوج، فالرجل كل الرجل من يصبر على العافية. والصبر هنا يكون بأن يراعي المرء حقوق الله في ماله بالإنفاق، وفي بدنه ببذل المعونة للخلق، وفي لسانه ببذل الصدق.
والطاعة تحتاج إلى صبر، لأن النفس بطبعها تنفر من العبودية. وللصبر على الطاعة ثلاث أحوال: الأولى قبل الطاعة، وذلك تصحيح النية والإخلاص، والصبر على شوائب الرياء، والعزم على الإخلاص والوفاء. والثانية حالة العمل، كي لا يفتر قبل الفراغ منه. والثالثة بعد انتهائه إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به، والنظر إليه بعين العجب.
ويحتاج المرء إلى الصبر عن المعاصي، وعلى الأخص التي صارت مألوفة بالعادة، إذن تنضاف العادة إلى الشهوة. ثم إن كانت المعصية مما يسهل فعله كان الصبر عنها أثقل على النفس، كالصبر عن معاصي اللسان من الغيبة والكذب والمراء، والثناء على النفس تعريضا وتصريحا، والمزح المؤذي للقلوب.
والصبر على أذى الناس فضيلة، وأعظم منه الصبر على أنواع البلاء: كموت الأعزة، وهلاك الأموال، وزوال الصحة.
ويرى الغزالي أن توجع القلب، وبكاء العين لا ينافي الصبر، لأن ذلك مقتضى البشرية، ولا يفارق الإنسان إلى الموت.
والذي كفى جميع الشهوات واعتزل الناس لا يستغني عن الصبر على العزلة والانفراد. ويريد الغزالي بهذا أن يؤكد احتياج المرء إلى الصبر في جميع الأحوال والأفعال.
تحصيل الصبر
ويمكن تحصيل الصبر بإضعاف باعث الشهوة، وتقوية باعث الدين. ويضعف باعث الشهوة بتقليل مادته من حيث النوع والكثرة، أو قطع أسبابه، أو تسلية النفس بمباح من جنس ما يشتهيه. ويقوى باعث الدين بأمرين؛ الأول: إطماعه في فوائد المجاهدة بالتفكر في الأخبار الوارددة عن الصبر وعواقبه. والثاني: أن يعود هذا الباعث مصارعة باعث الهوى حتى يمرن على جهاده ومقاومته.
الفصل الثالث
فضيلة الخمول
Shafi da ba'a sani ba