إن التربية فن، الغرض منه الحصول على أكثر مقدار من تكييف الفرد لبيئته ونموه فيها. المسيحي يقول: «النؤمن» والمسلم يقول كلمة الشهادتين، والمعلم اللبناني يجب أن يؤمن بلبنان أولا ليصبح من رسل تربيته.
قال زياد بن أبيه: «إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله.» ولهذا أقول كما قال الحجاج: «يا أهل لبنان، إنني لم أجد لكم دواء لدائكم إلا الجندية.»
فالجندية هي البوتقة التي تصهرنا جميعا وتطبعنا على غرار واحد، فنحس أن لنا وطنا، فكل تربية وطنية تظل عقيمة حتى ينام المواطن شهورا في الثكنة العسكرية يحيي علمه بالسيف والبندقية. المدراس تخرج مخنثين، أما الثكنة العسكرية فتطهرهم وتخرجهم رجالا صالحين لحرب بغير النظارات.
ويح لبنان! فشعبه بخلاف الشعوب، وحكومته عكس الحكومات.
للشعوب قلب وليس لها أعين تنظر بها، فهي تحس ولا ترى.
والحكومة بالضد فهي تنظر ولا تشعر، ويا ويل أمة شعبها ينظر وحكومتها تشعر، إن الهوة بينهما عميقة.
وا عجبا! كيف صارت المدارس التي أوجدها النوابع الثائرون تخلق للأمة عجزا وقاصرين، ومشلولين ومسلولين!
عندما كان هدف التربية يصلح لكل زمان ومكان قال أجدادنا: لولا المربي ما عرفت ربي. فالرب كان هدف التربية في زمن الروح، أما في عصرنا هذا، عصر المادة، فهدف الرجل وطنه. والتربية التي تصلح له هي تطعيم وتلقيح. فالميول المكتسبة تطعم وتلقح بالميول الغريزية. فالمربي لا يخلق ميولا جديدة بل ينمي الميول الغريزية أو يقاومها. فقصارى المربي أن يروض الشخص فيصلح للجري في الشوط المنتظر. إن الأخلاق الفاضلة تكتسب بممارستها وتعودها فتصير خلقا وسجية.
ولنستنر أخيرا بشيء من علم النفس: إن لمسنا جسدنا يختلف عن لمسنا للأجساد الأخرى.
إذا لمسنا جسدنا أحدث هذا اللمس إحساسا مزدوجا؛ لأن اليد اللامسة تكون لامسة وملموسة، أو فاعلة ومنفعلة، كما يعبر الاختصاصيون. فالمربي الوطني يكون إحساسه مزدوجا إن كانت عقيدته صادقة لا زندقة فيها. أما المفلوج فيفقد هذا الإحساس المزدوج، ويخال عضوه المريض ليس أحد أعضائه.
Shafi da ba'a sani ba