لا أريد بهذا أن تضايقوهم فيتمنوا زوالكم، كما قال معاوية، بل خذوهم بالحسنى ولا تجعلوا نصحكم لهم مصارعة لئلا تصرعوا معا.
وكلمتي الأخيرة إليك، أيها الأب، هي أنك إذا رأيت أقل عداوة بين ابنك والكتاب، فحاول أن تؤلف بينهما، وإلا فتداركها بالفراق لئلا تنفق عليه ما لا ينفعه أكثر إذا بذل في غير سبيل تحصيل العلم.
كيف تصبح رجلا ناجحا
إذا التقيت برجل مهموم مغموم، وبدأ يشكو لك نكد دنياه، زاعما أن أشغاله فوق رأسه، وليس له وقت يتنفس فيه، فلا تصدقه ولا ترث له، واعلم أنه لا يدبر الأمور ولا يعرف كيف يستفيد من وقته. فالوقت أوسع مما يظن لو أحسن استعماله.
تخبرنا التوراة أن الله خلق الكون في ستة أيام، وفي اليوم السابع استراح من جميع أعماله، ورأى كل ما يصنعه حسنا لا يحتاج إلى تنقيح. وفي هذه الحكاية أروع درس للذين من الإشارة يفهمون.
فإذا كان الله، جلت قدرته، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون، قد قسم أعماله على أيام معدودات، أفلا يجدر بخليفته الذي خلقه بنفخة أن ينسج على منواله، فينجز ما يهم بخلقه ويظل مستريحا؟
لا ينقذنا من همومنا، إذ تتراكم الأشغال علينا، إلا تقسيمها على أيامنا، فنخص كل يوم بجزء لا نتناول غيره، فالرجل، مهما يكن ضعيفا، يستطيع أن يعمل ساعات في اليوم، وهذه الساعات متى ضمت إلى بعضها تصبح أشهرا، وتصير الأشهر سنة، وإذ ذاك تظهر لنا جليا فائدة هذا التقسيم وما أعقبه من راحة.
أما إذا كنا نخلط أعمالنا، فإننا نعيش في قلق وهم ولا ننجز شيئا.
ولعل السيد المسيح حين قال: «لا تهتموا بما للغد» يوصينا أن ننصرف بكليتنا إلى عملنا اليومي، ولا نفكر بالغد بل نجعله كأنه لا يعنينا أمره.
لا تقل: ماذا أفعل غدا، بل قل: ما علي أن أعمل اليوم. فإذا خابت أمانيك أمس فلا تبك عليها اليوم وغدا، فالماضي سجل انطوى، والغد صفحات مجهولة، فليس لنا إلا الحاضر، فلننكب على إنجازه، ولا تنجز الأعمال إلا إذا قسمت، فالثروة لا تدرك إلا قرشا قرشا، والقصر لا يبنى إلا حجرا حجرا ومدماكا مدماكا، والذي أبدع التجارة بالتقسيط يستحق التعظيم، والبنوك التي سهلت للناس طرق التوفير لجمع المال قد أغنتهم وعلمتهم جمع الثروات. فهذه كبريات الدول تقسم إنشاءاتها على سنوات.
Shafi da ba'a sani ba