قلت بغضب حقيقي: كنت قتلتها من زمان.
فقال: كدهه؟ ... هو القتل بالساهل كده؟
قلت بدهشة: بالنسبة لك على الأقل لازم يكون حاجة سهلة.
فقال وهو يعود يخفض رأسه: قتل الناس حاجة، وقتل مراتك حاجة تانية ... مين عارف ... بيتهيأ لي أن كل واحد تلاقيه بيفكر ساعات يقتل مراته ... بس العيب إنه ما بيرسيش على رأي ... ساعة تقول خلاص معدش فيها أمل، يلا ادبحها ... وساعة تقول يا واد يمكن تصلح ... وتفضل متردد بين كده وكده لغاية آخر يوم من عمرك ... لو كان الواحد بيرسي على رأي، كان كل واحد زمانه قتل مراته من زمان.
ولم أفهم ما يريده بالضبط، كل ما فهمته أنه يريد مراوغتي وأنها ليست طريقته، وأني لأول مرة أراه يتساهل في أمر خاص به، فقلت: كان بيتهيأ لي إنك مش كده.
فقال بنصف ارتفاعة من رأسه، وبصوت حائر بين الجد والهزل: بكرة تكبر، وتعرف، وتقدر.
وعاد رأسه إلى الانخفاض، وأحسست به هذه المرة مدلدلا، ورقبته كالعلم الحائر المنكس، وكدت أشفق عليه وأضيق به وبالجلسة وأقوم واقفا لأروح، لولا أنه فجأة شب من جلسته كالملسوع، وكأنما استطالت أذناه وارتفعتا إلى فوق كأذني كلب أحس بالخطر، ثم وجدته يقول في صوت يلهث بغير جري: خد توبك في سنانك وطير ... واوع تبطل جري إلا أما تحصل الدار.
10
وبينما كنت أقضي ليلة محمومة أتقلب فيها على لذع اضطراب غير مرئي أتساءل عما دعاه لأن يأمرني بالجري. وأحيانا أعود إلى الحديث الذي دار بيننا، وأحاول أن أوفق بين صورة الغريب كما تصورته والغريب كما وجدته، الغريب القادر والغريب العاجز، الغريب الذي يخيف الدنيا والغريب الذي لا تخافه وردة أولى الناس منه بالخوف، بينما كنت في هذا كان الغريب يقضي ليلة من أتعس لياليه كما علمت في اليوم التالي ... فقد كان إحساسه مضبوطا، وكانت دورية مكبرة على رأسها المأمور بنفسه قد خرجت للبحث عنه وفي حقول الأذرة بالذات، ولو طال كلامنا قليلا، أو لو كان سمعه أقل حدة لأطبقوا علينا.
وفي الليلة التالية ذهبت إلى الغريب، ومعي البطيخة التي كان قد ذكر أن نفسه فيها، وشققتها لتبرد وجلست أنتظر، وطال انتظاري دون أن يظهر. وأخيرا قنعت من الغنيمة بالتهام ما استطعته من البطيخة ودفن الباقي في الأرض، ثم عدت وأنا حائر؛ أأفرح لانقطاع الخيط الذي كان يربطني به أم أحزن؟! كانت معرفتي به على الرغم من قصرها قد أشبعت قليلا من نهمي لمعرفته، ولكنها - وهذا هو المهم - لم تكن قد حققت الشيء الوحيد الذي أردتها أن تحققه؛ إذ لم يعلمني الغريب القتل كما حلمت، بل كدت أؤمن أنه هو نفسه لا يعرف كيف يقتل.
Shafi da ba'a sani ba