PARATEXT|
بسم الله الرحمن الرحيم
[أخبار أبان بن عبد الحميد اللاحقى واتصاله بالبرامكة
أبان بن عبد الحميد «1» بن لاحق بن عفر، مولى بنى رقاش «2» من أهل البصرة، شاعر مطبوع، مقدم فى العلم بالشعر والحفظ له «3» قدم بغداد فاتصل بالبرامكة وانقطع اليهم، وعمل لهم كتاب كليلة ودمنة فحسن موقعه منهم.
ويقال: إنه قلب الكتاب فى ثلاثة أشهر الى الشعر، وهو أربعة عشر ألف بيت. وذكر حمدان ابنه: أنه كان يصلي ولوح موضوع بين يديه، فإذا صلى أخذ اللوح فملأه من الشعر الذي صنعه ثم يعود الي صلاته.
وعمل أيضا قصيدة ذات الحلل، ذكر فيها مبتدأ الخلق وأمر الدنيا وأشياء من المنطق، وغير ذلك. وهي قصيدة مشهورة، ومن الناس من ينسبها الى أبى العتاهية، والصحيح أنها لأبان. وله مدائح فى هارون الرشيد، وفى الفضل ابن يحيى بن خالد.
Shafi 1
ويقال: إنه كان جميل الطريقة حسن التدين متألها «1» قرأت على الحسن بن على الجوهري عن ابى عبيد الله المرزبانى، قال: اخبرنى محمد بن العباس حدثنا محمد بن موسى البربري حدثنا حماد بن اسحاق قال:
ألزم يحيى بن خالد البرمكي أبان بن عبد الحميد دارا لا يخرج منها حتى ينقل كتاب كليلة ودمنة من الكلام الي الشعر فنقله، فوهب له عشرة آلاف دينار. قال ويقال: إن كل كلام نقل الى شعر فالكلام أفصح منه الا كتاب كليلة ودمنة «2» قال المرزبانى واخبرنى محمد بن يحيى حدثنا القاسم بن اسماعيل حدثنى محمد ابن صالح الهاشمي حدثنى ابن لأبان بن عبد الحميد اللاحقي، قال: أحب يحيى بن خالد أن يحفظ كتاب كليلة ودمنة فاشتد عليه ذلك، فقال له أبان بن عبد الحميد:
أنا أعمله شعرا ليخف على الوزير حفظه، فنقله الى قصيدة عملها مزدوجة، عدد أبياتها أربعة عشر ألف بيت، في ثلاثة أشهر فأعطاه يحيى بن خالد عشرة آلاف دينار، وأعطاه الفضل خمسة آلاف دينار، وقال له جعفر بن يحيى: الا ترضى أن أكون راويتك لها! ولم يعطه شيئا. قال فتصدق بثلث المال الذي أخذه.
وكان أبان حسن السريرة حافظا للقرآن عالما بالفقه، وقال عند وفاته: أنا أرجو الله واسأله رحمته، ما مضت على ليلة قط لم أصل فيها تطوعا كثيرا «3» أخبرني الصولي قال: حدثنا ابو العيناء قال: حدثنى الحرمازي قال خرج ابان بن عبد الحميد من البصرة طالبا للاتصال بالبرامكة، وكان الفضل بن يحيى غائبا فقصده فأقام ببابه مدة مديدة لا يصل إليه، فتوسل إلى من وصل له شعرا اليه، وقيل: إنه توسل إلى بعض بنى هاشم ممن شخص مع الفضل، وقال له:
Shafi 2
يا عزيز الندى ويا جوهر الجو
هر من آل هاشم بالبطاح
إن ظنى وليس يخلف ظنى
بك في حاجتي سبيل النجاح
إن من دونها لمصمت باب
أنت من دون قفله مفتاحي
تاقت النفس يا خليل السماح
نحو بحر الندي مجاري الرياح
ثم فكرت كيف لي! واستخرت الله عند الإمساء والإصباح وامتدحت الأمير أصلحه الله بشعر مشهر الأوضاح فقال: هات مديحك، فأعطاه شعرا في هذا الوزن وقافيته:
أنا من بغية الأمير وكنز
من كنوز الأمير ذو أرباح
كاتب حاسب خطيب أديب
ناصح زائد على النصاح
شاعر مفلق أخف من ال
ريشة مما يكون عند الجناح
وهى طويلة يقول فيها:
إن دعانى الأمير عاين منى
شمريا كالبلبل الصياح
قال: فدعا به ووصله ثم خص بالفضل، وقدم معه فقرب من قلب يحيى بن خالد وصار صاحب الجماعة وزمام أمرهم «1» أخبرنا أبوبكر الصولي حدثنا ابو الحسن البرذعي قال: حدثنى محمد بن الحسن مصقول عن العتابى، قال: كنا بباب الفضل بن يحيى البرمكى أربعة آلاف ما بين شاعر وزائر؛ وفينا فتى يحدثنا ونجتمع اليه، فبينا هو ذات يوم قاعد إذ أقبل اليه غلام له كأجمل الغلمان! فقال له: يا مولاي؛ أخرجتنى من بين أبوي، وزعمت أن لك وصلة بالملوك، فقد صرنا الي اسوإ ما يكون من الحال،
Shafi 3
وقال: إن رأيت تأذن لى فأنصرف إلي أبوي فعلت. قال فاغرو رقت عينا الفتى، ثم قال: ائتني بدواة وقرطاس، فأتاه بهما فقعد حجزة «1» فكتب رقعة، ثم عاد الي مجاسه ثم قال للغلام انصرف الى وقت رجوعي اليك فبينا نحن كذلك إذ جاء رجل يستأذن على الفضل، فقام اليه الفتى فقال: توصل رقعتى هذه الي الأمير؟ قال: وما في رقعتك؟ قال: أمدح نفسى وأحث الأمير على قبولي، قال: هذه حاجة لك دون الأمير، فان رأيت أن تعفينى فعلت، قال قد فعلت. فعاد الى مجلسه فخرج الحاجب فقام إليه، فقال له مثل مقالته الأولى، فاستظرفه الحاجب، وقال: إن رجلا يتصل بمثل الفضل يمدح نفسه لا يمدح الفضل عجيب. فأخذ منه الرقعة ثم دخل فلوحها للفضل فقرأ منها سطرين وهو مستلق على فراشه، ثم استوى قاعدا وتناول الرقعة فقرأها، فلما فرغ من الرقعة قال للحاجب: أين صاحب الرقعة؟ قال: أعز الله الأمير، لا والله لا أعرفه لكثرة من الباب. فقال الفضل أنا أنبذه لك الساعة، يا غلام! اصمد القصر فناد: أين مادح نفسه؟ فقام الغلام فصاح، فقام الفتي من بيننا بغير رداء ولا حذاء، فلما مثل بين يدي الفضل قال له: أنت القائل ما فيها؟ قال نعم! قال أنشدنى فأنشأ الفتى يقول:
أنا من بغية الأمير وكنز
من كنوز الأمير ذو أرباح
كاتب حاسب خطيب بليغ
ناصح زائد على النصاح
شاعر مفلق أخف من ال
ريشة مما يكون تحت الجناح
ثم أروي عن ابن هرمة لل
ناس بشعر محبر الايضاح
Shafi 4
[ثم أروي من ابن سيرين لل
علم بقول منور الافصاح
ثم أروي من ابن سيرين المشع
ر وقول النسيب والامداح] «1»
لي فى النحو فطنة ونفاذ
لي فيه قلادة بوشاح
إن رمي بى الأمير أصلحه الله
رماحا صدمت حد الرماح
ما أنا واهن ولا مستكين
لسوى أمر سيدي ذي السماح
لست بالضخم يا أمير ولا الفد
م ولا بالمجحدر الدحداح
لحية سبطة ووجه جميل
واتقاد كشعلة المصباح
وظريف الحديث من كل لون
وبصير بحاليات ملاح
كم وكم قد خبأت عندي حديثا
هو عند الملوك كالتفاح
[فبمثلى تخلو الملوك وتلهو
وتناجي فى المشكل الفداح] «2»
أيمن الناس طائرا يوم صيد
في نمدو خرجت أم في رواح
أبصر الناس بالجوارح والخي
ل وبالخرد الحسان الملاح
كل هذا جمعت والحمد لله
على أننى ظريف المزاح
لست بالناسك المشمر ثو
بيه ولا الماجن الخليع الوقاح
إن دعانى الأمير عاين منى
شمريا كالجلجل الصياح
فقال له الفضل:
كاتب، حاسب، خطيب، أديب
ناصح، زائد على النصاح؟
قال: نعم، أصلح الله الأمير، فقال الفضل: يا غلام الكتب التى وردت من فارس فأنى بها، فقال للفتى خذها فاقرأها وأجب عنها، فجلس بين يدى الفضل يكتب، فقال له الحاحب اعتزل يكن أذهن لك، فقال ههنا الرأي أجمع بحيث الرغبة
Shafi 5
والرهبة، فلما فرغ من الكتب عرضها على الفضل، فكأنما شق عن قلبه.
فقال الفضل: يا غلام بدرة، بدرة، بدرة. فقال الفتى للغلام اعز الله الأمير دنانير أو دراهم؟ قال دنانير يا غلام. فلما وضعت البدرة بين يديه قال الفضل:
احملها بارك الله لك فيها. قال الفتى: والله يا أيها الأمير ما أنا بحمال وما للحمل خلقت؛ فان رأي الأمير أن يأمر بعض غلمانه بحملها على أن الغلام لي. فأشار الفضل إلى بعض الغلمان فأشار الفتي اليه مكانك، فقال: ان رأي الأمير أيده الله أن يجعل الخيار الي في الغلمان كما فعل بين البدرتين فعل، فقال: اختر. فاختار أجملهم غلاما فقال احمل، فلما صارت البدرة على منكب الغلام بكى الفتى فاستفظع الفضل ذلك وقال: ويلك! استقلالا؟ قال: لا والله أيدك الله، ولقد أكثرت، ولكن أسفا أن الأرض تواري مثلك! قال الفضل: هذا أجود من الأول، يا غلام زده كسوة وحملانا.
قال العتابى: فلقد كنت أرى ركاب الفتى تحت ركاب الفضل «1» وشكا مروان بن ابى حفصة الى بعض إخوانه تغير الرشيد عليه وامساك يده عنه، فقال له: ويحك أتشكو الرشيد بعد ما أعطاك؟ قال: أو تعجب من ذلك! هذا أبان اللاحقي قد أخذ من البرامكة بقصيدة قالها واحدة مثل ما أخذته من الرشيد فى دهري كله، سوي ما أخذه منهم ومن أشباههم بعدها «2»
صداقته للمعذل بن غيلان وتهاجيهما
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا ابو قلابة عبد الملك بن
Shafi 6
محمد قال. كان أبان اللاحقي صديقا للمعذل بن غيلان وكانا مع صداقتهما يتعابثان بالهجاء فيهجوه المعذل بالكفر، وينسبه الى الشؤم ويهجوه أبان وينسبه الى الفساء الذي تهجى به عبد القيس وبالقصر، وكان المعذل قصيرا فسعى فى الإصلاح بينهما أبو عيينة المهلبي، فقال له أخوه عبد الله وهو أسن منه: يا أخي إن فى هذين شرا كثيرا ولابد من أن يخرجاه فدعهما ليكون شرهما بينهما والا فرقاه على الناس، فقال أبان يهجو المعذل:
أحاجيكم ماقوس لحم سهامها
من الريح لم توصل بقد ولا عقب
وليست بشريان وليست بشو حط
وليست بنبع لا وليست من الغرب
ألا تلك قوس الدحدحي معذل
بها صار عبديا وتم له النسب
تصك خياشيم الأنوف تعمدا
وإن كان راميها يريد بها العقب
فان تفتخر يوما تميم بحاجب
وبالقوس مضمونا لكسري بها العرب
فحي ابن عمرو فاخرون بقوسه
وأسهمه «1» حتى يغدب من غلب
قال أبو قلابة: فقال المعذل فى جواب ذلك:
رأيت أبانا يوم فطر مصليا
فقسم فكري واستفزنى الطرب
وكيف يصلى مظلم القلب دينه
على دين مان إن ذاك من العجب «2»
أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبو خليفة وأبو ذكوان والحسن ابن علي النهدي قالوا: كان المعذل بن غيلان يجالس عيسى بن جعفر بن المنصور وهو يلي حينئذ إمارة البصرة من قبل الرشيد، فوهب المعذل بن غيلان له «3» بيضة عنبروزنها أربعة أرطال، فقال أبان بن عبد الحميد:
Shafi 7
أصلحك الله وقد أصلحا
إنى لا آلوك أن أنصحا
علام تعطى منوى عنبر
وأحسب الخازن قد أرجحا
من ليس من قرد ولا كلبة
أبهى ولا أحلى ولا أملحا
ما بين رجليه الي رأسه
شبر فلا شب ولا أفلحا «1»
أخبرنى محمد بن خلف، قال: حدثنا النخعى واسحاق، قال: حدثنا الجماز قال:
هجا أبان المعذل بن غيلان فقال:
كنت أمشى مع المعذل يوما
ففسا فسوة فكدت أطير
فتلفت هل أرى ظربانا
من ورائى والارض بى تستدير
فإذا ليس غيره واذا إع
صار ذاك الفساء منه يفور
فتعجبت ثم قلت لقدأ ع
رف، هذا فيما أري خنزير
فأجابه المعذل فقال:
صحفت أمك إذ سمتك بالمهد أبانا قد علمنا ما أرادت لم ترد إلا أتانا صيرت باء مكان التاء والله عيانا قطع الله وشيكا من مسميك اللسانا «2»
معاشرته لابى النضير وهجاؤه له
وكان أبان اللاحقي يعاشر أبا النضير عمر بن عبد الملك مولى بنى جمح، ثم تصارما وهجاه وهجا جواريه وافترقا على قلى «3»
Shafi 8
اخبرنى محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا عون بن محمد الكندي قال: كان لأبى النضير جوار يغنين ويخرجن الى جلة أهل البصرة، وكان ابان بن عبد الحميد يهجوه بذلك فمن ذلك قوله:
غضب الأحمق إذ مازحته
كيف لو كنا ذكرنا المزدغة!
أو ذكرنا أنه لا عبها
لعبة الجد بمزح الدغدغه
سود الله بخمس وجهه
دغن امثال طين الردغه
خنفساوان وبنتا جعل
والتى تفتر عنها وزغه
يكسر الشعر وإن عاتبته
فى مجال قال هذا في اللغه «1»
وأنشدنى عمي، قال: انشدنى الكرانى، قال: انشدنى ابو اسماعيل اللاحقى لجده أبان في هجاء أبى النضير:
إذا قامت بوا كيك
وقد هتكن أستارك
أيثنين على قبر
ك أم يلعن أحجارك
وما تترك في الدنيا
اذا زرت غدا نارك؟
ترى في سقر المثوى
وابليس غدا جارك
بلى تترك بواقيك
ودنياك وأو تارك
وخمسا من نبات «2»
الليل قد ألبسن اطمارك
تعالى الله ما أقبح
إذ وليت ادبارك «3»
أخبرنى الحسن بن علي عن بن مردويه قال: حدثنى ابو طلحة الخزاعي عن
Shafi 9
اللاحقي قال. كان جدي أبان يشرب مع إخوان له على شاطيء دجلة بعد مصارمته أبا النضير، وكان القوم اصدقاء له ولأبى النضير فذكروه، فقال أبان: إن حضر انصرفت فأمسكوا فقال فيه:
رب يوم بشط دجلة لذ
وليال نعمت فيها لذاذ
غيبة لم تطل علي وماذا
خير قرب المطرمذ الملاذ
ترك الأشربات ليس بعاط
لرساطونها ولا الراقياذ
وحكى الأحمق الذي ليس يدري
أن خير الشراب هذا اللذاذ
ضل رأي أراه ذاك كما
ضل غواة لاذوا بشر ملاذ
أنت أعمى فيما ادعيت كما
لست لصوغ الألحان بالأستاذ
كان ذنبا أتوب منه الي الل
ه اختياريك صاحبا واتخاذي
إن لله صوم شهرين شكرا
أن قضى منك عاجلا إنقاذي
لا لدين ولا لدنيا ولا
تصلح في علم ما ادعي بنفاذ «1»
وكان حماد عجرد، وحماد الراوية، وحماد بن الزبرقان، ويونس بن هرون، وعلى بن الخليل، ويزيد بن الفيض، وعبادة، وجميل بن محفوظ، وقاسم، ومطيع، ووالبة بن الحباب، وأبان بن عبد الحميد، وعمارة بن حربية يتواصلون وكأنهم نفس واحدة. وكان بشار ينكر عليهم، ويونس الذي زعم حماد عجرد أنه قد غر نفسه بهؤلاء كان أشهر بهذا الرأي منهم، وكان قد كتب كتابا لملك الروم فى مثالب العرب وعيوب الإسلام بزعمه.
وذكر أبو نواس أبان بن عبد الحميد اللاحقي، وبعض هؤلاء ذكر انسان
Shafi 10
يري لهم قدرا وخطرا فى هجائية لأبان وهو قوله:
جالست يوما أبانا
لادر در أبان
ونحن حضر رواق «1»
الأمير بالنهروان
حتي إذا ما صلاة
الا ولي أتت لأوان
فقام ثم بها ذو
فصاحة وبيان «2»
فكل ما قال قلنا
الى انقضاء الأذان
فقال: كيف شهدتم
بذا بغير عيان؟
لا أشهد الدهر حتى
تعاين العينان!
فقلت: سبحان ربى!
فقال: سبحان مانى!
فقلت: عيسى رسول
فقال: من شيطان
فقلت: موسى كليم ال
مهيمن المنان
فقال: ربك ذو مق
لة إذا ولسان
فنفسه خلقته
أم من فقمت مكانى
عن كافر يتمارى
بالكفر بالرحمن
يريد أن يتسوى
بالعصبة المجان
بعجرد وعباد
والوالبي الهجان
[وابن الإياس الذي
ناح نخلتي حلوان] «3»
Shafi 11
وقاسم ومطيع «1»
ريحانة الندمان «2»
[انى وأنت لزان
من زنية وزوانى] «3»
فقال أبان يجيبه
إن يكن هذا النوا
سى بلاذنب هجانا
فلقد نكناه حينا
وصفعناه زمانا
هانىء الجون أبوه
زاده الله هوانا
سائل العباس واسمع
فيه من أمك شانا
عجنوا من جلنار
ليكيدوك عجانا «4»
ويقول الجاحظ: والعجب أنه- أي أبا نواس- يقول فى أبان إنه ممن يتشبه بعجرد، ومطيع، ووالبة بن الحباب، وعلى بن الخليل، واصبع، وأبان فوق ملء الأرض من هؤلاء، ولقد كان أبان وهو سكران أصح عقلا من هؤلاء وهم صحاة، فاما اعتقاده فلا أدري ما أقول لك فيه! «5» ويقول الجاحظ: والمطبوعون على الشعر من المولدين بشار العقيلى والسيد الحميري، وابو العتاهية، وابن ابى عيينة. وقد ذكر الناس في هذا الباب يحيى بن نوفل، وسلما الخاسر، وخلف بن خليفة؛ وأبان بن عبد الحميد اللاحقي أولى بالطبع من هؤلاء وبشار أطبعهم كلهم «6»
Shafi 12
قال أبان] «1»
لما جري وجري لهم
سبق الجياد على مهل
والعزم سيف صارم
والحلم أوزن من جبل
حلو وفيه مرارة
مزجا بعدل فاعتدل
فلذي العداوة علقم
ولذي الوداد جنى العسل
لو كنت تأخذ مثل ما
تعطي أنى «2» لك أن نمل
أو كان ذاك من الفرا
ت لما رئى فيه بلل
ولو ان مال القل «3» حم
ل ما تحمل ما استقل
ملك أعير مهابة
لم يخل قلبا من وجل
وإذا تنافرت الخصو
م إليه في لبس فصل
لامائلا لهوي ولا
عن حق أعداء عدل
أكرم ببرمك والدا
ومن البنين بما نجل
لا نبتغي بذلا بهم
أبدا ومن أين البدل؟
أخبار أبان متصلة مع البرامكة أخباره مع الرشيد
قال الصولي: حدثنى محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي
Shafi 13
قال: عاتب أبان البرامكة في إعطاء الرشيد الأموال للشعراء وفقره مع ذلك، مع خدمته لهم وموضعه منهم، فقال له الفضل: إن سلكت مذهب مروان «1» أوصلت شعرك، وبلغتك إرادتك . قال: والله ما أستحل ذاك! فقال له الفضل:
كلنا يفعل ما لا يحل، ولك بنا وبسائر الناس أسوة، فقال أبان:
نشدت بحق الله من كان مسلما
أعم بما قد «2» قلته العجم والعرب
أعم نبي الله أقرب زلفة
اليه أم ابن العم في رتبة النسب؟
وأيهما أولي به وبعهده
ومن ذاله حق التراث بما وجب؟
فإن كان عباس أحق بتلكم
وكان على بعد ذاك على سبب
فأبناء عباس هم يرثونه
كما العم لا بن العم في الإرث قد حجب
وفى حسن إذ قلتم فيه حجة
فقد باعها لا ينكر الناس أو وهب
فإن كان ذا حق فعمدا أضاعه
وإن كان ذا دعوى فكفوا عن الشغب
وهبه كما قلتم، وليس كذاكم
أما ذادكم عنها المطالب واغتصب؟
فأهملتموها لم تروا حيلة لها
إلي أن أراد الله إتمام ما أحب
فحظ بنى مروان منها وحظكم
مع الغيظ والحرمان والعيلة الحرب
فقام بها من لم يكلها إليكم
ومن هو أولى بالذي بز واستلب
إمام بنى العباس حين سما لها
وبالله فيما رام أدرك ما طلب
فشرد أهلوه وأودى وصيه
بحبس ابن مروان فسلم واحتسب
فان كانت القربى فهم أهل حقه
وهم أهلها إن كان حق لمن غلب
Shafi 14
ثم جاء بهذه الأبيات الى الفضل، وقال: قد اقترضت فوفر على الجاري.
فقال: ما بقيت، وما يرد «1» اليوم على أمير المؤمنين شىء أعجب اليه من أبياتك فركب فأنشدها الرشيد، فأمر لأبان بعشرين ألف درهم، واتصل به بعد ذلك.
حدثنى برد بن حارثة الربعى، قال: حدثنى أبو اسماعيل أبان بن عبد الحميد قال: لما شخص الفضل بن يحيى بن خالد الى الري لمحاربة يحيى بن عبد الله بن حسن خرج معه جدي أبان فظفر بيحيى على أمان وكده له، وقدم به الى الرشيد، وعمل أبى في الفضل قصيدة مشهورة كان أبان عملها قبل صلح الفضل ليحيى، فلما صالحه ألحق فيها أبياتا، وسلك مسلك أبياته المتقدمة:
أأحزنك الأولى ردوا
جمال الحى وادلجوا
نعم فبنات هم الصد
ر فى الأحشاء تعتلج
ومنزلة وقفت بها
لأدنى عهدها حجج
محتها الريخ يغشى التر
ب مغناها وينتسج
نعمنا ليلة الأنعا
م حيث العرج «2» ينعرج
بناعمة كمثل البد
ر شاب دلالها غنج
تغادينى المعازف عو
دها والصنج والرنج
بكفي شادن لم أن
سه في طرفه غنج
له نغمات قينات
بها الارواح تختلج
أحب من الغناء ملي
ح ما إيقاعه الهزج
Shafi 15
وأقلى «1» ضوء «2» برق مث
ل ما أقلى غنا مزج
وأبغض يوم تنأي وال
زيانب كلها سمج
ويعجبنى لإبراهيم
والأوتار تختلج
أمر «3» سلافة صرفا
كأن صبيبها ودج
[فظل تخاله ملكا
يصرفها ويمتزج] «4»
كذاك العيش إذ قلبي
رخي باله بلج
[لدور أمس بالدولاب
حيث السيب ينعرج] «5»
أحب الي من دلسجا
ن «6» والاعلاج قد ثلجوا
وهبت ذات صراد
بلبس الثلج تنتفج
وما قزوين لي وطن
ظواهرها ولا الولج
بفضل تفرج الغمي
اذا ضاقت فتنفرج
بأمر «7» برمكي الع
ز يعليه به درج
رحيب الصدر إن ضاقت
على ذي المحنة الفرج
فما في باعه قصر
ولا في لفظه رتج
أخو هيجا أطال مرا
سها درب بها لهج
به صدأ الحديد مما
زجا مسكا له أرج
وأر عن ذي كتائب بال
فضاء غذاءه المهج
Shafi 16
يسير به ذو ضغن «1»
عليه الصدر منشرج
سما فضل له بالخيل
في أنسائها شنج «2»
فأوهد منه شاهقه
وعالت لجه لجج
كما قد شد بالمغرو
ر أتباع له همج
غواة قادهم داع
الى غي فقد لحجوا
وكم قد رامها منهم
أولو حجج فما فلجوا
فما ينهاهم «3» الأولي
وذمهم الذي نتجوا
وما لله سعيهم
ولا غضبا له خرجوا
وما حجوا بذلك بل
عليهم كانت الحجج
كأنى بالبغال وقد
أتت غاياتهم تسج «4»
إلى ملك كضوء الصب
ح تعشى عنده السرج
له ميراث عباس
وقرباه التى تشج
قويم الدين ما في حك
مه زيغ ولا عوج
وما عنه لملتمس
أراد الحق منعرج
فإن يصفح فعادته
وإن يوقع فلا حرج
أطائف جنة أهوي
بيحيى قاده هوج
Shafi 17
إلي أن ساقه قسرا
لموكب حربه رهج
أسيرا في يدي علج
عدته بلؤمها علج
جنيب الخوف لا أمن
ولا عز ولا فرج
أتاك به وليك لم
يخف نارا لها وهج
فظل تبيع شهوته
كما يستتبع البذج
(البذج الجمل) يقول: يتبع يحيى ما يريد الفضل، كما يتبع البذج أمه.
قال أبو بكر: ولما ماتت هيلانة جارية الرشيد، وجدبها وجدا شديدا، فرثاها الشعراء فوصلهم، فقال أبان على لسان الرشيد:
أعينى لقد جار الزمان فجودي
ولا تطلبا لي راحة بجمود
لقد بنت ياهيلان منى فقيدة
ورب قرين بان غير فقيد
سقى الله دهرا كان يجمع بيننا
ويرغم فيه أنف كل حسود
تمر لنا طير الزمان سوانحا
وانجمه تجري لها بسعود
ففقدك ياهيلان كدر عيشتى
وأخلق من دنياي كل جديد
وقال يعزى الرشيد عنها:
يا أمير المؤمنين المرتضى
احمد الله على ما قد قضى
إن تكن هيلان وافت قدرا
فاسل يعقبك به الله الرضا
إنما يحزن من ليس له
خلف يسليه عما قد مضى
بل أنا الباكى لشيب راعنى
وشباب بان منى فانقضى
Shafi 18
وقال يرثيها:
بت ضجيع الحزن ما أغفي
لحادث جل عن الوصف
حزنان حزن منهما ظاهر
وأوجع الحزنين ما أخفى
أنت أهلت الترب من فوقها
مواريا تحت الثرى إلفي!
لهفى على هيلان لو أنه
يرد شيئا فائتا لهفى!
وقال يخاطب الرشيد، ويهنئه بما فعل الفضل فى أمر يحيى بن عبد الله بن حسن:
هنيئا أمير المؤمنين لك الظفر
فقد تمت النعمى وقد ساعد القدر
رآك إله الناس أولى بملكه
فأصغاكه لا من فيه ولا كدر
وقد كان يحيى الفاطمي سمت به
له همة في الصدر جاش لها وجر «1»
أراد التى تهوي الجبال لكونها
وترجف منها الأرض لو تم ما أئتمر «2»
وكان رجا بالطالقان ذخيرة
كنوزا له كانت على الدهر تدخر
فكان هو الكنز الذي أيدت به
خلافة هارون الإمام وما شعر
أتاك بيحيى الفضل سلما يقوده
مقرا ولولا يمن جدك ما أقر
لئن كان يوم الفضل فيه مشهرا
لأكرم بيوم منه أفنى به الخزر
وقال يرثى هيلانة:
أديل من السرور الحزن لما
ثوت هيلان في جدث ورمس
وأصبحت البلاد غداة ولت
عليها وحشة من بعد أنس
Shafi 19
وقال يمدح الرشيد، ويذكر أمر الفضل وما صنعه فى أمر يحيى:
لتمد برز الفضل بن يحيى ولم يزل
يسامي من الغايات ما كان أرفعا
رآه أمير المؤمنين لملكه
كفيلا «1» لما أعطى من العهد مقنعا
قضى بالتي سدت «2» لهارون ملكه
وأجيت ليحيى نفسه فتمتعا
فأمست بنو العباس بعد اختلافها
وآل على مثل ربذى ترمعا «3»
لئن كان من سدى «4» القريض أجاده
لقد صاغ إبراهيم فيه وأوقعا
قال أبو بكر: يعنى أن ابراهيم بن ميمون الموصلى المغنى غنى في هذا الشعر.
وقال يمدح الفضل بن يحيى، ويذكر أمر يحيى بن عبد الله بن حسن:
إن شمل الشيب قناع. البلى
مفارقا منى وأصداغا
فقد أرى أشوس ذامرة
وحية أربد لداغا
يأنس بى الصيد إذا رمته
فصار إما شئت رواغا
كم عاقل أحظى وكم جاهل
أنشغه العلقم انشاغا
وشادن أحور ذي صيغة
حسنها الرحمن إذ صاغا
يسكن من بغداد في كرخها
حيث رأيت القصر والباغا
زار بقزوين خيال له
يسرى على قصد وماراغا
بات يناغينى فياليته
كان إذا الصبح بد اناغا
يا رب موسى والتى قلتها «5»
أصبح في الأحراز ولاغا
Shafi 20