وأقدم الكتب التاريخية التي تجمع بين الحديث والتاريخ هي كتب المغازي والسير (1)، فقد دفع اهتمام المسلمين بأقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأفعاله للاهتداء بها والاعتماد عليها في التشريع الإسلامي، وفي النظم الإدارية، الكتابة في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفي مغازيه ومغازي الصحابة (1).
ولاشك أن عمل هؤلاء الكتاب - المحدثين - الأفاضل، وما جمعوه من أحاديث متضمنة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وجهاده ومغازيه مؤيدة بالسند كان خطوة ممهدة لمولد علم التاريخ، والمحور الذي يدور حوله حركة التدوين التاريخي، بل إنها البوابة العريضة الهامة التي دخل منها المسلمون إلى دراسة التاريخ وتدوينه عموما.
وكان من الطبيعي أن تتألق هذه الحركة في المدينة باعتبارها دار هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ودار السنة التي عاش فيها الصحابة وسمعوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ورووها بدورهم إلى التابعين.
التاريخ للمدينة:
لقد كان من الطبيعي ونتيجة لما تقدم أن يبدأ الاهتمام بالبحث في تاريخ المدينتين المقدستين اللتين عاش فيهما الرسول الكريم ((مكة المكرمة والمدينة المنورة)، وذلك لارتباطهما الوثيق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فمكة هي التي ولد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ونشأ فيها وعاش فيها طفولته وشبابه وبعثته، والمدينة دار هجرته (خصها الله تعالى بفضل عظيم حيث جعلها ثانية الحرمين وحصن نصرة نبيه (ومنطلق نور الإيمان إلى مختلف نواحي الجزيرة العربية.
وكان مسجدها ثاني المساجد التي تشد إليها الرحال، فيه الروضة المطهرة التي هي من رياض الجنة ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) (2).
Shafi 16