كواكبُ دَجْنٍ كلَّما غابَ كوكبٌ ... بدا كوكبٌ تأوِي إليه كواكبُهْ
أَضاءَتْ لهم أحْسابُهم ووجوهُهمْ ... دُجَى الليلِ حتَّى نظمَّ الجَزْعَ ثاقِبُهْ
وقال آخر:
خِلافُة أهلِ الأرضِ فينا وراثةٌ ... إذا مات منا سيِّد قام سيِّدُ
وقال طفيل الغنوي:
كواكبُ دَجْنٍ كُلَّما انقضَّ كوكبٌ ... بدا وانجلتْ عنه الدُّجُنَّةُ كوكبُ
وقال آخر:
إذا سيِّدٌ منا مضَى لسبيلهِ ... أَقامَ عَمودَ المجدِ آخَرُ سيِّدُ
فهذا الذي أراد الخريمي.
ولولا الثقة بأن أشباه هذا تمر بهم فلا يعرفونها، فإن تكلفوها تكلموا فيها بالجهل، لصعب على أن يفهم هذا غير أهله، ومن يستحق سماع مثله. وهذه كتب جماعتهم ممن مضى وغبر، هل نطقوا فيها بحرفٍ من هذا قط، أو ادعوه، أو ادعاه مدع لهم، أو تعرضوا له؟ وفي هذا كفاية لمن خلع ثوب العصبية وأنصف من نفسه، ونظر بعين عقله، وتأمل ما قلت بفكره؛ فإن القلب بذكره وتخيله أنظر من العين لما فقدته ورأته، وقد أحسن ابن قنبر في قوله:
إن كنتَ لستَ معي فالذكرُ منك معيِ ... يراكَ قلبيِ وإنْ غُيِّبْتَ عنْ بصريِ
والعينُ تُبصِرُ مَنْ تَهوَى وتفقِدُه ... وناظرُ القلبِ لا يخلو من النظرِ
وكأن هذا من قول بشار:
قالوا بسَلمَى تَهْذِي ولم تَرَها ... يا بُعْدَ ما غَاولَتْ بِكَ الفِكَرُ
فقُلتُ بعضُ الحديث يَشغَفُنِي ... والقلب راءٍ مالا يرَى البصرُ
وشبيه بهذا في الشناعة عيبهم قوله:
لو خرَّ سيفٌ من العَيُّوقِ مُنصلتًا ... ما كان إلاَّ على هاماتهم يقعُ
وقد رواهُ قوم: " ما كان إلا على إيمانهم يقع " ولكنا نبين صوابه وخطأ عائبه على الرواية الأولى. وهي عندي التي قال. إنما أراد أبو تمام: كل حربٍ عليهم ومعهم، وأن كل سيف يقاتلهم ليسلبهم عزهم؛ وفي مثل ذلك يقول رجل من بني أبي بكر بن كلاب، أنشدناه محمد بن يزيد النحوي:
تَرْضَى الملوكُ إذا نَالتْ مقاتِلنَا ... ويأخُذُون بأعْلَى غَايةِ الحسَبِ
وكلُّ حَيٍّ من الأَحياءِ يَطلُبُنا ... وكلُّ حيٍّ له في قتلِنا أَرَبُ
والقتْلُ مِيتَتُنا والصَّبْرُ شِيمتُنا ... ولا نُراعُ إذا ما احْمرَّتِ الشُّهُبُ
وأراد مع ذلك أنهم لا يموتون على الفرش - والعرب تعير بذلك - وأن السيوف تقع في وجوههم ورؤوسهم لإقبالهم، ولا تقع في أقفائهم وظهورهم لأنهم لا ينهزمون، ولذلك قال كعب ابن زهير في قصيدته التي امتدح بها النبي ﷺ فآمنه بها بعد أن كان نذر دمه، وأولها:
بانَتْ سُعادُ فقلْبِي اليومَ مَتْبولُ ... مُتَيَّمٌ إِثرَهَا لم يُفْدَ مَكْبُولُ
فقال فيها يمدح قريشًا:
لا يقعُ الطَّعنُ إلا في نحورِهمِ ... ليسَ لهم عن حيِاضِ الموت تَهْليلُ
فلم لم يعيبوا هذا الشعر على كعبٍ، وقد سمعه النبي ﵇ وأثاب عليه؟ حدثني محمد بن العباس قال، حدثنا أبو حاتمٍ عن أبي عبيدة قال: فخر رجل من ولد حبيب بن عبد الله بن الزبير فقال: أنا أعرق الناس في القتل، قتل لي خمسة آباءٍ متصلين. وقال آخر:
قَومٌ إذا خَطَر القَنا ... جَعلُوا الصُّدورَ لها مَسالِكْ
لبِسُوا القلوبَ على الدُّرُو ... عِ مُظاهِرينَ لدفْعِ ذلِكْ
حدثني أبو عمر بن الرياشي قال، حدثنا أبي عن الأصمعي عن أبي عمرو قال: لما بلغ عبد الله بن الزبير قتل أخيه مصعبٍ وصبره في الحرب، قال: إنا والله لا نموت حبجًا كما تموت بنو أمية، إنما نموت قعصًا بالرماح، وتحت ظلال السيوف. فلو كان هذا عارًا ما فخر به. وممن عير بالموت على الفراش سهم ابن حنظلة قال يعير طفيل بن عوف:
بِحَمْدٍ من سِنانِكَ غَيْرِ ذّمٍ ... أبا قُرَّانَ مُتَّ على مِثال
ومما يروى للسموؤل وهو للحارثي:
تَسيلُ على حَدِّ السُّيوفِ نُفوسُنَا ... وليسَتْ على غيرِ الحديدِ تَسيلُ
يُقَرِّبُ حُبُّ الموتِ آجالنَا لَنا ... وتكْرَهُهُ آجالُهم فتطولُ
1 / 15