اخبرنا أبو الحارث بشر بن مروان بن الحكم بن بشر بن أبي عمرو بن العلاء بالمدينة السلام يوم الخميس لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة في منزل أبي الحسين بن أبي عباد قال اخبرني محمد بن الوليد الضروى قال اخبرني أبو المقدام شيخ من أهل حزبة قال اخبرني بعض بني مخزوم بمكة سنة أربعين ومائة قال: لما وقع بين بني عذرة وخزاعة هنة في سبب غلام لامرأة من خزاعة يحطب لها ويعود بكسبه عليها، فأصابه رجل من بني عذرة فقتله فحملت عذرة قيمته إلى خزاعة فأبوا أن يقبلوها وقالوا: لا يكون ذلك أبدا حتى نقتل غلام عمرة بنت قبيصة بن سليك. فتفاقم الأمر بينهم حتى تداعوا بالأحلاف فخشي هاشم بن عبد مناف فساد الحرم وان تنهتك حرمته فدعا بمنبره المركن ووعد الناس بئر بني قصي بن كلاب الحرد التي بملتقى الرفاق. فلما اجتمع الناس قام فيهم خطيبا فخطب خطبته التي تسمى الحكيمة يختص فيها ابني نزار دون قحطان، ومضر دون ربيعة، وقريشا دون سائر القبائل، فقال: " معاشر " الناس نحن آل إبراهيم وذرية إسماعيل، وولد النضر بن كنانة، وبنو قصي بن كلاب أرباب مكة وسلطان الحرم. لنا ذروة الشرف ولباب الحسب، ومعدن المجد، وغاية العز، ونحن جبال الأرض ودعائم الحق، وسادات الأمم، ولكل في كل حلف تجب نصرته، وإجابة دعوته لا مادحا إلى عقوق عشيرة أو قطيعة رحم، وقد جمعتكم مخافة أن تقتادكم العجلة وسوء الرأي وجهل المعرفة إلى حص القمة وجرد التباعد، فيحمل كل امرئ منكم قتبا على أخيه يجتث به باسقات فروعه ويستدعي به درة الحرب. وأقسم لئن ادرّت الجرة الخلب قبل حسم الشظة ليعلون الحمة العمق ولتأنفنّ شمل السحيق حتى يردع قذيف الكبد أو تتعلق الشنان شظايا المقذرة أفواقها ويفرغ المداخن جمة الدخن وتظهر مدمجات الخواطر مضمن مستودع أنفسها. فإذا كان ذلك طاش حلم الأديب، وضلّ رأى المصيب واتسع نؤى السبوبة، وشل نزح الغرب، واتصل لجام القين. وقيل قد ضاق الطريق فأقدم. فهناك يقلب الأمراء أمره، ونقبل الحجر شدخه، وتملك السهم قصده، ويستثير كل امرئ ما دفن. يا بني خزاعة أن بني أبيكم حملوا إليكم قيمة عبد رمته المنيّة عن يد الخطأ فوافق أجله. فان كان من أرصاد طلب وطلب طالبه كان عمدا، أو أبيتم قبول ما هو سنة العرب لتعظم نيران. المنيةّ. فكونوا هامة العرب تهتف بنوها وقد حكمت بقبول قيمته، وعلى، بني عذرة بدفع ذلك إليكم، فمن أمحكه النجاح وترك ما حكمت به قلبه فأنا حليف علية، ومادّة عذرة إليه حتى يحتقبها السفر وترقل بها خوص الركاب إلى حكام العرب فتصير أمثالا.
أيها الناس، الحلم شرف، والصبر ظفر، والجود سؤدد، والمعروف كنز، والحرب خدعة، والظفر دولة، والأيام غير، والأنساب منسوب إلى فعله، ومأخوذ بعمله فاستشيروا الحلم نجزكم العوراء، ودعوا الفضول يجانبكم السفهاء، وأكرموا الجليس يعمر ناديكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فأنها رفعة، وإياكم والأخلاق الدنيئة فأنها تضع الشريف، وتهدم المجد. ألا وقد أبقت مخافة المستعجم قلوب بغير مشرع التسعين، شكيم الشوى خطاّر وفمه قرع الرياضة وقلص هاديه جبذ الجريرة. فأنقب مدمجه رضيض الأماعز لبعد المدلجة فأرجل راكبه ومتعيجه ركب أعطش أهله املاص مرس السبوبة لترك أحكام عقد الكرب، فلم تنج ألا بلمظة المرتفع شدقاه ألا أوان نهنهة الجاهل أهون من جريرته، وداس العشيرة تحمل ثقلها. ومقام الحكيم غيظه لمن انتفع، وأني لأحب رأب الشعب، وجمع الفرقة.
ثم سكت فقالت بنو عذرة وبنو خزاعة: قد رضينا بحكمك يا أبا نضلة. وانصرف القوم عن صلح.
قال أبو القاسم: لم يمل علينا هذا الرجل شيئا من غريب هذا الخبر ولا سألناه عنه، وأحسب أيضا أن النسّاب يقولون أن أبا عمرو لم يعقب، والله اعلم كيف كان ذلك ولكنا نقول فيما تضمنه هذا الخبر بحسب ما علمناه.
1 / 56