قال أبو القاسم: وأنا أقول أن هذا نهاية في الإفراط، وخروج عن حد التشبيه المصيب. ونظيره في الإفراط في ضد هذا المعنى قول أبي تمام: الطويل ويوم كطول الدهر في عرض مثله وشوقي من هذا وهذاك أطول اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا ابن حاتم السجستاني عن أبي زيد الأنصاري قال: البطريق: الرجل المختال المعجب المزهو، وهم البطارقة والبطاريق، ولا فعل له ولا يستعمل في النساء. والهمام: الرجل السيد ذو الشجاعة والسخاء، ولا فعل له ولا يستعمل في النساء. والجحجاح: الرجل السيد الأديب ولا فعل له ولا يستعمل في النساء.
أنشدنا اليزيدى قال أنشدني عمي: الرجز
أمّا تريني مره العينين ... مسفّع الوجنة والخدّين
جلد القميص جاسيء النعلين ... فإنما المرء بالأصغرين
قال أبو القاسم: الأصغران: القلب واللسان ومنه قول ضمرة بن ضمرة وكان يغير على مسالح النعمان، وينقص أطرافه، فطلبه فأعياه وأشجاه، فجعل له أنف ناقة والأمان. فلما دخل عليه ازدراه لأنه كان حقيرا ذميما فقال النعمان: " لأن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه " وهو أول من قالها فذهبت مثلا. فقال له ضمرة: " مهلا أبيت اللعن فإنما المرء بأصغريه: بلسانه وقلبه، أن نطق ببيان، وان قاتل بجنان " فأعجب به وولاّ هـ بابه.
أنشدنا الزجاج قال أنشدني المبرد قال أنشدني الأخفش بيتين ذكرهما سيبويه في كتابه لبعض الأعراب وهما: الرجز
أن الكريم وأبيك يعتمل ... أن لم يجد يوما على من يتكل
قال أبو القاسم: في هذا البيت خمسة أوجه، أحدها: مذهب يونس وكان المبرد يذهب إليه قديما وذكره في كتاب " الرد على سيبويه " واختاره ثم ردّه وهو أن يكون التقدير: أن الكريم وأبيك يعتمد أن لم يجد يوما شيئًا.
ثم يبدئ فيقول مستفهما على من يتكل أعلى هذا أم على هذا؟ ويكون يتكل في موضع رفع ولكنه يسكنه للقافية فيقول: يعني يكتب. والوجه الثاني كان يذهب إلية الفراء، فان معنى لم يجد: لم يدر كأنه قال أن لم يدر على من يتكل قال: وقيل لامرأة من العرب: انزلي قدرك من النار. فقالت: لا أجد بم أنزلها، أي لا أدري بأي شيء أنزلها.
والوجه الثالث مذهب المازني وهو الذي اختاره المبرد أخرا، والمعنى لم يجد ولم يعلم كأنه قال: أن الكريم يعتمل أن لم يعلم على من يتكل.
والوجه الرابع: أن يكون لم يجد لم يكتب كأنه قال: إذا لم يكتب على من يتكل.
والوجه الخامس: مذهب سيبويه وإنما أخرناه لغموضه لان بعض الناس يزعم انه قد غلط فيه. وتقديره عند سيبويه أن يكون يجد موصلا إلى من بعلى كأن تقديره: أن لم يجد على من يتكل عليه، فتقديره: أن لم يجد من يتكل عليه، وليس وجدت مما يتعدى بحرف خفض، فلهذا خالفوه.
قال المازني: وتقديره صحيح جيد لأن الفعل المتعدي قد يجوز ألا يعدّى فكأنه قصد لذلك ثم بدا له فعدّاه بعلى كما قال تعالى: (عسى أن يكون ردف لكم) وإنما جاز أن يحذف " عليه " من قوله " أن لم يجد من يتكل عليه ". لذكرها في أوّل الكلام. وأجاز على هذا أن تقول: متى تمرر أمرر. وعلى من تنزل أنزل، على إضمار به، وعليه لأنه قد جرى ذكرهما والوجه أن يؤتى بهما.
أنشدنا نفطويه: الطويل
ولما حللنا منزلًا طلّه الندى ... أنيقا وبستانا من النَّور خَاليا
لعدّ لنا حسنُ المكان وطيبُه ... مُنىً فتمنينّا فكنتِ الأمانيا
وأنشدنا أيضا في مثله: المنسرح
الله لي شاهد بذاك وقد ... يشهد أهل العفاف والورع
ما كنت في مجلس أسرّ به ... ألا تمنّيت أن تكون معي
اخبرنا نفطويه قال اخبرنا ثعلب قال اخبرنا سلمة عن الفراء قال: يقال للجدى: هذا الجدى، والعطعط والعثعث، والأمرّ، قال: والحنان: الهيبة، والحنان العطاء، والحنان: الرزق، والحنان: الرحمة، وينشد لامرئ القيس: الوافر
وَيَمْنَحُها بنو شَمَجَى بن جَرْمٍ ... مَعِيزَهُمُ حَنانَكَ ذا الحَنانِ
انشدنا ابن دريد قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه: الطويل
ونصر بن دهمان الهنيدة عانها ... وخمسين حولا ثم قوّم فانصاتا
وعاد سواد الرأس بعد بياضه ... وشرخ الشباب بعد أن كان قد فاتا
1 / 54