وأما قوله: فعد لهم فهذا هو الوجه باسكان الدال والتخفيف لأنه من عاد يعود. ورواه بعضهم: فعدّ لهم بالتشديد ووجهه عندي أن يكون نوى الوقف عليه ثم نقله لذلك ثم أجرى الوصل على الوقف كما انشد سيبويه: الراجز
لقد خشيت أن أرى جَدَبا ... في عامنا ذا بعد ما أخصبا
وكما قال: السريع
ضخم يحبّ الخلق الأضخما
وأما قوله: كيف كانت خير عيشته. فانه أنثّ خيرا لما أضافه إلى العيشة وهو بعضها كما قالوا: ذهبت بعض أصابعه، وتخرقت بعض حلته، وأما قوله: فقال ماض على الأهوال مرهوب. فذلك من شاذ العرب كما قال الآخر الوافر
فقال القائلون لمن خفرتهم ... فقال السامعون لهم وزير
تأويله: المخفور له وزير. نحو قول الله تعالى: (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: أساطير الأولين) .
قال يونس: لم يقرروا أن الله أنزل شيئا لأنه في ذكر الكافرين، فقطعوا الجواب وابتدأوا فقالوا (هذا أساطير الأولين) . والنحل اسم موضع، وفيرواية أخرى:
النخل أعمره ما كان ذا رطب ... ................
والرطب: ما كان رطبا من النبات وهو الخلا أيضا مقصور، والحشيش: ما كان يابسا، والكلأ يجمعها. وأما قوله: أو أن تبيعه. فانه أراد تبيعها فحذف الألف وهو شاذ لم يجئ له نظير في كلام العرب لأنه إنما يحذف الياء والواو المتصلتان بالمضمر، ولا تحذف الألف لخفتها.
أخبرنا ابن دريد قال اخبرني عبد الرحمن عن عمه، وأبو حاتم عن أبى عبيدة قالا: كانت امرأة من العرب ذات جمال وكمال وحسب ومال فآلت لا تزوج نفسها إلا من كريم، ولئن خطبها لئين لتجدعن أنفه فتحاماها الناس حتى أنتدب لها زيد الخيل وحاتم بن عبد الله وأوس بن حارثة بن لأم الطائيون فارتحلوا إليها فلما دخلوا عليها قالت: مرحبا بكم ما كنتم زوارا فما الذي جاء بكم؟ قالوا: جئنا زوارا خطابا. قالت: أكفاء كرام فأنزلتهم وفرقت بينهم وأسبغت لهم القرى وزادت فيه. فلما كان في اليوم الثاني بعثت بعض جواريها متنكرة في زي سائلة تتعرض لهم، فدفع لها زيد وأوس شطر ما حمل إلى كل واحد منهما. فلما صارت إلى رحل حاتم دفع إليها جميع ما كان معه من نفقة وحمل معها جميع ما حمل إليه، فلما كان في اليوم الثالث دخلوا عليها، فقالت: ليصف كل واحد منكم نفسه في شعره فابتدر زيد وأنشأ يقول: البسيط
هلاَ سألت بني ذبيان ما حسبي ... عند الطّعان إذا ما احمرّت الحلق
وجاءت الخيل محمرا بوادرها ... بالماء يسفح عن لباتها العلق
والخيل تعلم إني كنت فارسها ... يوم الأكس به من نجدة روق
والجار يعلم إني لست خاذله ... إن ناب دهر لعظم الجار معترق
هذا الثناء فان ترضى فراضية ... أو تسخطي فالي من تعطف العنق
وقال أوس بن حارثة: انك لتعلمين أنا أكرم أحسابا وأشهر أفعالا من أن نصف أنفسنا لك أنا الذي يقول فيه الشاعر: الوافر
إلى أوس بن حارثة بن لأم ... ليقضي حاجتي ولقد قضاها
فما وطيء الحصا مثل ابن سعدي ... ولا لبس النعال ولا احتذاها
وأنا الذي عقت عقيقته فأعتقت عن كل شعرة منها نسمة. ثم أنشأ يقول: الطويل
فان تنكحي ماويّة الخير حاتما ... فما مثله فينا ولا في الأعاجم
شتى لا يزال الدهر أكبر همه ... فكاك أسير أو معونة غارم
وأن تنكحي زيدا ففارس قومه ... إذا الحرب يوما أقعدت كل قائم
وصاحب نبهان الذي يتقّى به ... شذا الأمر عند المعظم المتفاقم
ولا تنكحيني تنكحي غير فاجر ... ولا جارف جرف العشيرة هادم
ولا متقّ يوما إذا الحرب شمرّت ... بأنفسها نفسي كفعل الأشائم
وان طارق الأضياف لاذ برحله ... وجدت ابن سعدي للقرى غير عاتم
فأي فتى أهدى لك الله فاقبلي ... فإنّا كرام من رؤوس أكارم
وأنشأ حاتم يقول: الطويل
أماوىّ قد طال التجنبّ والهجر ... وقد عذرتني في طلابكم عذر
أماوىّ أما مانع فمبيّن ... وأمّا عطاء لا ينهنهه الزجر
1 / 43