لم قلت روايتك عن الأصمعي؟ قال: رميت عنده بالقدر والميل إلى مذاهب أهل الاعتزال فجئته يوما وهو في مجلسه فقال: ما تقول في قول الله ﷿ (انا كل شيء خلقناه بقدر) فقلت: سيبويه يذهب إلى إن الرفع فيه أقوى من النصب في العربية لاشتغال الفعل بالمضمر وانه ليس ههنا شيء هو بالفعل أولى، ولكن أبت عامة القراء إلا النصب فنحن نقروها لذلك اتباعا لان القراءة سنة. فقال لي: فما الفرق بين الرفع والنصب في المعنى؟ فعلمت مراده فخشيت إن يغرى بي النامة فقلت: الرفع الابتداء والنحب بإضمار فعل، وتعاميت عليه فقال: حدثني أصحابنا إن الفرزدق خال يوما لأصحابه: قوموا بنا إلى مجلس الحسن البصري فإني أريد إن أطلق النوار واشهده على نفسي. فقالوا: لا تفعل فلعل نفسك تتبعها وتندم. قال: لابد من ذلك، فمضوا معه فلما وقف على الحسن قال: يا أبا سعيد تعلمن إن النوار طالق ثلاثا. قال قد سمعت، فتبعتها نفسه بعد ذلك وندم وأنشأ يقول: الوافر
ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار
وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار
ولو إني ملكت يدي ونفسي ... لكان علي للقدر الخيار
ثم قال: والعرب تقول: لو خيرت لاخترت تحتمل على القدر وينشدون: الرجز
هي المقادير فلمني أو فذر ... إن كنت أخطأت فلم يخط القدر
ثم طبق نعليه وقات: انتم القناع للقدري، فأقللت غشيانه.
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب: الرمل
وكما أشياء نشريها بمال ... فإن نفقت فأكسد ما تكون
قال: يعني الخيل، ونشريها: نبتاعها، ونفقت: ماتت.
اخبرنا اليزيدي قال أنشدنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه: الكامل
قالوا تعز فسست فلست نائلها ... حتى تمر حلاوة التمر
لسنا من المتأزمين إذا ... فرخ اللموس بثابت الفقر
يقول: لست تنالها حتى يكون ما لا يكون. يقال: أمر الشيء يمر فهو ممر، ومر مرارة فهو مر. والمتأزمون: المتذللون لصعوبة السنة. واللموس إذا لمس نسبه وجد فيه ضعف فهو يفرح بصعوبة الزمان يرغب فينكح إلى من هو أشرف منه فيقول: لسنا ممن يفعل هذا ويتصنع بشدة الزمان.
أنشدنا الزجاج قال أنشدنا المبرد العباس بن الأحنف: الكامل
يا من يكاتبني فغير قلبه ... سأكف نفسي قبل أن يتبرما
سأصد عنك وفي يدي بقية ... من حبل وصلك قبل أن يتصرما
يا للرجاء كعاشقين توافقا ... فتخاطبنا من غير أن يتكلما
حتى إذا خافا العيون وأشفقا ... جعلا الإشارة بالأنامل سلما
أخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم قال اخبرنا أبو عبيدة عن يونس ابن حبيب قال: قتل مصعب بن الزبير نابئ بن ظبيان أحد بني عايش ابن مالك بن قيس بن ثعلبة، وكان أخوه عبيد الله فاتكأ شريرا فنذر ليقتلن به مائة من قريش، فقتل ثمانين ثم قتل مصعبا فأتى برأسه عبد الملك، فلما نظر إليه عبد الملك سجد فهم أن يفتك به ثم أرتد عنه وأنشأ: الطويل
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على مروان تبكي حلائله
وقال أيضا: الطويل
يرى مصعب إني تناسيت ما بيا ... وليس لعمر الله ما ظن مصعب
فو الله لا أنساه ما مر طارق ... وما لاح في داج الليل كوكب
وثبت عليه ظالما فقتلته ... فقطرك مني يوم شر عصبصب
قتلت به من حي فهر بن مالك ... ثمانين منهم ناشبون وأشهب
وكفي لهم رهن بعشرين أو يرى ... علي مع الأصباح نوح مسلب
أأرفع رأسي وسط بكر بن وائل ... ولم أرو سيفي من دم يتصبب
ثم ضاقت به البصرة فهرب إلى عمان فاستجار بسليمان بن سعيد بن الصمر بن سعيد بن الجُلنُدي فلما اخبر بفتكه خشية وتذمم إن يقتله علانية فبعث إليه بنصف بطيخة قد سمها وكان يعجبه البطيخ فقال له: هذا أول شيء رأيناه من البطيخ، وقد أكلت نصفها، وأهديت إليك بنصفها. فلما أكله أحس بالموت، ثم دخل عليه سليمان يعوده فقال: أيها الأمير ادن مني أسر إليك قولا، فقال له: قل ما بدا لك. قال: عليك لعمان أذن واعية، ويروى راعية، فمات بها.
1 / 22