أصول الشريعة) اهـ باختصار ١، وفيه كفاية.
قلت: وكيف يصح الصلح والهدنة من العدوّ الطالب للمسلمين النازل بأرضهم؟!، والله سبحانه يقول: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَةدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ ....﴾ ٢، فهو استفهام بمعنى: الإنكار والاستبعاد، لأن يكون لهم عهد ولا ينكثوه- مع وغرة صدورهم- يعنى: محال أن يثبت لهؤلاء عهد، فلا تطمعوا في ذلك، ولا تحدثوا به أنفسكم.
ثم قال تعالى: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْةرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا - أي: حلفاء- وَلَا ذِمَّةً﴾ ٣ أي: عهدًا؟!، (أي: حالهم وشيمتهم أنهم: إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم قرابة، ولا حلفاء ولا عهدًا) قاله: غير واحد من المفسرين ٤.
والصلح الوارد عنه- ﵊ ٥ - إنما: هو منه إليهم، لأنهم مطلوبون وقتئذ، لا منهم إليه، فحيث ظهر عليهم- ﵊ وطالبهم في أراضيهم جاز صلحه لمصلحة.
ولا شكّ: أن العدوّ الكافر النازل بأرض الإسلام- وأخذ لهم الثغور، والأمصار- قد ظهر عليهم، فكيف يرقب ٦ عهذه، وتسكن النفس إليه؟،
١ - أنظر: الونشريسي في "المعيار": ٢/ ٢٠٨، "مجاهدون يغيرون على أطراف مراكز العدوّ الذي صالحه السلطان".
٢ - سورة التوبة / آية ٧، وتمامها: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاةدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
٣ - سورة التوبة / آية ٨. قال القرطبي: (كيف هنا للتعجب، كما تقول: كيف يسبقني فلان، أي لا ينبغي أن يسبقني، "وعهد" اسم يكون، وفي الآية اضمار، أي كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر). (الجامع لأحكام القرآن: ٨/ ٧٨).
٤ - أنظر: البيضاوي في "تفسيره": ١٩١.
والزمخشري في "الكشاف": ٢/ ٢٤٩ - ٢٥٠.
والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": ٨/ ٧٩.
٥ - هو: صلح الحديبية المشهور. (الطبري- تاريخ الرسل والملوك: ٢/ ٦٢٠ - ٦٤٤).
٦ - في "ب" (يترقّب)، وفي "ج"و"د" (يرتقب).