فطأطأ زكريا رأسه إذعانا وارتياحا وسكت، فصفق البطريرك، فجاء الشماس قال له: «اكتب إلى ملك النوبة كتابا فحواه كذا وكذا (وذكر الفحوى) وذيله بالوصاية بولدنا زكريا ليساعده في إنقاذ بنتنا التقية دميانة.»
فأشار مطيعا وخرج، ثم عاد وبيده صحيفة من القباطي وقد كتب عليها بالقبطية شرحا طويلا، فتناولها البطريرك وقرأها ووقع عليها وأعادها إلى الشماس، فطواها ولفها بمنديل وختم المنديل ودفعه إلى زكريا، فتناوله هذا وقبله وأكب على يد البطريرك فقال له: «يظهر لي أنك تستعجل الذهاب؟»
قال: «ألا ترى يا مولاي أن أعجل بالوصول إلى بلاد النوبة لإنقاذ دميانة؟ فإني لا أعلم حالها.»
قال: «صدقت، وليكن الله معك والسيد المسيح ينصرك ويأخذ بيدك.» وباركه ثم التفت إلى الشماس وقال له: «قل للرئيس أن يزود ولدنا زكريا بما يحتاج إليه في طريقه.» والتفت إلى زكريا وقال: «ما هو طريقك؟»
قال: «أرى أن أسير في الطريق الذي أتيت منه في الصحراء إلى النيل، ثم ألازم ضفة النيل الغربية إلى الجيزة، ومنها في طريق الصحراء مع بعض القوافل إلى دنقلة.»
قال: «رافقتك السلامة ببركة سيدتنا البتول وسائر القديسين.»
أكب زكريا على يد البطريرك فقبلها ثانية وودعه وخرج. وأعمد الشماس له عدة السفر وكانت الشمس قد مالت عن خط الهاجرة فقال له وهو يودعه: «ليس عندنا ركائب نعطيك منها، ولكنك عندما تخرج من الدير تجد قوافل مارة من وادي النطرون إلى النيل، فرافق واحدة منها.»
فشكر له نصيحته وظل واقفا وعلى كتفه كيس فيه الزاد للطريق، فاستغرب الشماس وقوفه وقال له: «لعلك تحتاج إلى شيء آخر؟»
قال: «كلا، ولكنني تذكرت ما أصابني في مجيئي، فينبغي لي أن أحتاط في رجوعي وأبدل بثوب الرهبنة الذي أرتديه ثوبا آخر حتى لا يعرفني أحد ممن اعتدوا على القافلة التي أقبلت فيها.»
فقال الشماس: «لقد أصبت، فتمهل ريثما أعود إليك.» ومضى ثم عاد ومعه صرة فتحها فإذا فيها قفطان وعباءة وقلنسوة وعمامة أعطاه إياها وقال: «هذه أثواب بعض الجنود وقعت لنا صدفة وعسى أن تنفعك.»
Shafi da ba'a sani ba