قال: «أذكر ذلك، ولكننا رددناه وليس له عندنا أرب.»
قال: «هذا ما تقوله أنت، ولكن سعيدا ما زال يتطاول إلى تلك الأمنية.» وهز رأسه حقدا.
فقال مرقس: «بماذا يرجو أن ينالها؟ لا، لا تصدق ذلك.»
قال: «كيف لا أصدق؟ وقد رأيته يكلمها ويدافع عنها وهي تلجأ إليه وتتكل عليه؟ شاهدت ذلك بعيني.»
قال: «ليتك قضيت عليه في تلك الساعة.»
قال: «لم أشأ أن ألوث يدي بدمه ولكنني سأنصب له فخا يكفينا شره ولا يحملنا وزره، لست أنا ممن يفاجئون الأعداء بقوة البدن؛ فإن المقاومة وجها لوجه لا تخلو من خطر. والعاقل من نال من عدوه بالحيلة والمكر، فيرديه وينتقم منه بدون أن يسأله سائل، فالنزال بالأيدي أو الأرجل من طباع البهائم، وإنما يحارب الرجال بالعقل. وسوف يرى هذا الرجل الذي لا يعرف أباه أن إسطفانوس لا يستهان به.» قال ذلك وهو يشمخ بأنفه ويصعر خده ويعد أقواله حججا دامغة. ولعل صديقه مرقس يوافقه عليها وقد يوافقه عليها آخرون فإن القول بأن «الناس تتحارب بالعقول» وجيه لو أنه لا يخفي عزمه على الإيقاع بسعيد غدرا فهو يعد الخيانة والجبن حرب عقول. فاستخف بأمر سعيد وقال إسطفانوس: «ما لنا وله؟ دعه وشأنه فإنه أعجز من أن يصل إلى دميانة ما دمت حيا، ولا أظنه إلا سيقلع عن غيه متى صليت صلاة الإكليل وصارت دميانة زوجة لك.»
ففكر إسطفانوس قليلا، فرأى أن صلاة عقد زواجه قد تسكت دميانة، لكنه بقي خائفا على نفسه من غضب سعيد، وقد رأى أنموذجا من شدته يوم الاحتفال، فعزم على التخلص منه وأسرها في نفسه ولم يبدها لمرقس، فقال: «لا ريب أن المبادرة إلى الإكليل خير وسيلة لقطع ألسنة الحاسدين وكبت أنفاس المبغضين، ولكنني أحب أن يكون ذلك برضا خطيبتي وبما أن سبب جفائها إنما هو اعتزازها بهذا الشاب لمنزلته من صاحب مصر، فأحب أن تدرك خطأها قبل يوم زفافها. إن ما يرجوه هذا الشاب من وراء ما صنعه لابن طولون إنما هو أضغاث أحلام ستظهر عند الاحتفال بفتح العين وسترى ذلك عيانا.»
قال: «متى يكون الاحتفال؟»
قال: «بعد بضعة أيام، وسأدعوكم لمشاهدة موكبه فأجلسكم في مكان مرتفع تشاهدون منه الاحتفال عن بعد كأنه بين أيديكم، وستكون دميانة معكم، وترى مصير ذلك المغرور فترجع إلى صوابها وتذعن ويرتاح بالها.»
فاطمأن قلب مرقس، وإن كان لم يفهم نية إسطفانوس، وتواعدا على الذهاب لمشاهدة موكب ابن طولون يوم الاحتفال فقال مرقس: «أين الاجتماع؟»
Shafi da ba'a sani ba