فهمت بأن تتكلم، ثم سكتت، وظهر من ملامحها أنها تكتم أمرا لا تحب إظهاره، فقال: «أظنك تتعجلين السفر إلى مصر.»
فضحكت وقالت: «هل تلومني على ذلك؟ وقد فارقت أهلي يبكون فراقي، وربما يئسوا من وجودي.»
قال: «لا ألومك يا سيدتي. ولكننا أحوج إلى نجدة الملك منا إلى السفر إلى مصر، ثم إني مكلف برسالة من أبي حرملة إليه لا بد من تبليغها.»
قالت: «افعل ما بدا لك.»
فلما أشرفا على النيل من بعيد رأيا سطحه يلمع كفرند السيف، والجبال تحده من الضفتين، ويتخلل ذلك أنقاض الهياكل الفرعونية فيها الجدران والأساطين. ولما اقتربوا من أسوان سمعوا هدير الماء عند الشلال من تزاحمه في سيره بين الجنادل. وقد مرت على وادي النيل دول شتى وتوالت عليه أحوال مختلفة من عز وذل، ونزل به ملوك وقواد من عهد الفراعنة العظام، إلى اليونان، فالرومان، فالمسلمين وهدير ذلك الماء واحد ومجراه على وتيرة واحدة لا يمل من الجري ولا يمل جاره من السمع.
مروا بالقرب من الجبل وقد كادت الشمس أن تغيب فقال سمعان: «لا نزال بعيدين عن مسلحة، فأرى أن نبيت هنا الليلة، فما قولك؟»
قالت: «لا رأي لي يا عماه، افعل ما تشاء.»
فأشار إلى الخادم أن ينصب خيمة صغيرة كالمظلة تبيت دميانة تحتها ن ويبيت هو خارجها، وأن يعقل الجمال وينام بينها، فقال الخادم: «أين أنصبها؟»
قال: «انصبها في سفح هذا الجبل في مكان ممهد.» قال ذلك وترجل وأنزل دميانة عن الجمل وقد تعبت، فأخذ يحدثها ليشغلها عن التعب، وألقت هي نظرها على ما هنالك من المشاهد الطبيعية، فلما رأت النيل تنسمت رائحة الفسطاط، وتذكرت حبيبها وتاقت نفسها إلى اللقاء؛ لترى ما يكون من أمرها.
وبعد قليل جاء الخادم وأنبأها بنصب الخيمة على مصطبة من الصخر في سفح ذلك الجبل فقال له سمعان: «امكث أنت هنا مع الجمال حتى الصباح، وكن متيقظا؛ لئلا يسطو عليك اللصوص.»
Shafi da ba'a sani ba